شدد المحامي عيسى إبراهيم، على أن «الدولة المدنية لا تعادي رجال الدين ولا العسكريين»، ذاكرا أن «التجربة التاريخية أثبتت أن تولي رجال الدين للسلطة، يجعل من الصعوبة بمكان محاسبتهم إذا اخطأوا لما يحاط بهم من قداسة لدى العامة، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى الاستبداد».
وذكر إبراهيم في ندوة قدمها في مقر جمعية وعد مساء الأربعاء (1 يونيو/ حزيران 2016) في أم الحصم، تحت عنوان «الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة»، أن «الكثير من رجال الدين المنفتحين على العصر يقولون أن الدين لا يتعارض مع فكرة الدولة المدنية القائمة على العدل والمساواة، بينما كان التفكير الديني السابق أن الدولة المدنية أو العلمانية هي شيء من الكفر والإلحاد».
وبدأ إبراهيم ورقته في الندوة بالتعريف بمفهوم الدولة، مشيرا إلى أن «غالبية تعريفات الدولة تتفق بأنها جماعة من الأفراد تقطن في إقليم جغرافي معين، والبعض يضع إضافات بأن تتمتع الدولة بالسيادة، ونلاحظ من مجمل التعريفات أنها تحوي 3 مرتكزات هي الشعب والأرض والسلطة».
وأضاف «في الفقه السياسي والدستوري أن أي سلطة تستمد شرعيتها من رضا الناس بها، وهذا العنصر استحوذ على أهمية كبرى، وأصبحت الدولة تبعا لنوع السلطة توصف بأنها ديمقراطية أو استبدادية أو شمولية وما إلى ذلك، ولفت انتباهي موقف الماركسية من تعريف الدولة بأنها نتاج للمجتمع عند درجة معينة من تطوره، ودورها يقوم بتهدئة الصراعات بين الطبقات المختلفة».
وأردف «في أيام الفراعنة كان الحاكم هو الإله، ثم تحول الحاكم أو الملك إلى أن يمارس سلطته بحق إلهي باعتبار أن الله هو من ييسر الأمور من خلاله».
وتابع «ليس بدعة من جمعية العمل الديمقراطي «وعد» أن تساهم بالتنظير في موضوع الدولة المدنية وإسقاط هذه الوثيقة على الوضع السياسي في البحرين، ولم تأت ذلك ترفا وإنما محاولة لفتح آفاق صحيحة للدولة الديمقراطية في البحرين تحقق الكثير من التقدم لتحقيق تطلعات شعب البحرين».
وأفاد «في الدولة الديمقراطية المنشودة من المهم أن يكون الحكم في هذه الدولة للشعب وبصورة حقيقية لا شكلية، على أن يكون جميع أفراد الشعب متساوين في الحقوق والواجبات، وألا يكون الحكم للعسكر أو لرجال الدين، وإنما تكون الطريقة بالانتخاب عن طريق الشعب».
وواصل «هناك عدة ملامح إلى الدولة المدنية، أهمها أن تقوم العلاقة بين الدولة والمواطنين على أساس المواطنة وألا يكون هناك تمييز على أساس الدين أو اللغة أو الجنس، أو الواقع الاجتماعي أو المذهبي أو غير ذلك».
وأشار إلى انه «يجب أن تدار مؤسسات الدولة ومن يباشر السلطة التنفيذية والتشريعية فيها عبر مواطنين يخضعون للمساءلة، وهذا يعني أيضا أنه لا يجب أن تدار الدولة من العسكر أو رجال الدين، ولا يعني ذلك بأي شكل من الأشكال استبعاد رجال الدين أو المتدينين بأي شكل من الأشكال عن ممارسة دورهم في المجتمع، بل المقصود ألا تجتمع السلطتان السياسية والدينية في قبضة رجل أو هيئة واحدة ودائمة، لكي لا يتحول الشخص أو الهيئة إلى سلطة فوق القانون والمساءلة».
وأكمل إبراهيم «الدولة المدنية ليست معتقدا ولا أيدلوجيا، بل هي وسيلة لإدارة الاختلافات الأيدلوجية والاجتماعية، وهي ليست موجهة بأي شكل من الأشكال للصراع مع الأديان، وهي بفلسفتها ليست موجهة للصراع بين الأديان، بل هي تنظم الصراعات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحاول أن تضبط الرؤى بين البرامج لكي توفر الخيار الأفضل للمواطنين».
وتابع «كما يجب أن يكون في الدولة قبول عام بالتعددية لطرح البرامج، ولا شك في أن الشفافية في طرح مفهوم الدولة المدنية وتناول القضايا السياسية سيرفع من الوعي العام، وبالتالي سيتكون رأي عام لتحقيق المساءلة، مع وجود قضاء مستقل للفصل بين السلطات والتنازع في الحقوق، لإنصاف من تنتهك حقوقه أيا كان ضعيفا أو قويا، نافذا أو غير ذلك».
وشدد على أن «الالتزام بحماية حقوق المرأة في الدولة المدنية، ليس عداء في الدين ولا في الاعتقادات أبدا، وإنما تمسكٌ بالمنتجات الحضارية البشرية، والتي لا اعتقد أنها تتناقض مع الدين بأي شكل من الأشكال، ولا أعتقد أن أحدا من رجال الدين يقول أن انتهاك حقوق المرأة يوافق عليه الشرع الإسلامي الحنيف».
وأوضح أن «حقوق الإنسان هي مبادئ تطورت على مدى عقود، وقدمت فيها البشرية تضحيات كبيرة من أجل صيانتها، وأيضا تطورت السياسة العقابية للدول، بمقتضيات المفكرين والحركات الاجتماعية التي كانت تناضل من أجل رفع شأن الإنسان بشكل عام، وليس من المطلوب أن نمر بذات الصراعات التي مرت بها المجتمعات الأخرى حتى نقبل بمبادئ حقوق الإنسان بشكلٍ عام، إذ يجب أن نستفيد ونعتبر من التاريخ، وليس علينا أن نعيد التجارب الأخرى ونعيد التضحيات».
وشدد على أن «الدولة المدنية لا تعادي رجال الدين ولا العسكريين، والتجربة التاريخية أثبتت أن تولي رجال الدين للسلطة، على اعتبار أنهم يحملون رسائل الدين ويشرحون للناس كيفية إرضاء الله، ما يجعل لهم قداسة كبيرة في نفوس المؤمنين، يجعل من الصعوبة بمكان محاسبتهم إذا أخطأوا، وحتى صعوبة مراقبة أعمالهم في حالة نشوء الفساد، فلا يوجد احد معصوم إذا كان يمارس سلطة فعلية، إذ يجب أن يحاسب ويحاكم إذا كان في السلطة وإذا كان سيقع الخطأ منه وهذا متوقع، فإذا وقع الخطأ من رجل الدين، فلأنه مقدس، فيمكن أن يطوع الأفكار من أجل أن يستبد، وبالتالي سيكون العيب ليس بالقائم بالفعل الخاطئ، وإنما سيعطي انطباعا أن ذلك من أخطاء الدين نفسه، وحاشى الله أن يسلط بشرا على بشر وخصوصا في موضوع الفساد وانتهاك الحقوق».
ولفت إلى أن «الكثير من رجال الدين المنفتحين على العصر يقولون أن الدين لا يتعارض مع فكرة الدولة المدنية القائمة على العدل والمساواة، بينما كان التفكير الديني السابق يرى أن الدولة المدنية أو العلمانية هي شيء من الكفر والإلحاد، ومازال الكثير من رجال الدين المتشددين يعتبرون المطالبة بالدولة المدنية كفرا وإلحادا، أو على اقل تقدير أنه يطعن في صلاحية الدين لكل مكان وزمان».
وذكر أن «ربما تكون بعض الممارسات التي قام بها بعض العلمانيين في أوروبا وغيرها، ساعدت على خلق هذا الانطباع لدى رجال الدين، وأصبح الأمر أنك بمجرد أن تقول أنك تؤيد الدولة العلمانية فأنت كافر وملحد، وهذا الأمر كان ينطبق أيضا في السابق على من ينادي بالديمقراطية حيث كان ينظر إليه بذات النظرة».
وختم إبراهيم «ربما ساهم تطرف بعض العلمانيين في ترسيخ هذا الانطباع لدى العامة أيضا بأن لا يتفهموا الدولة المدنية الذي جاءت من الغرب، ومن المهم القول أن العلمانية الموجودة في فرنسا ليست هي الموجودة في ألمانيا أو بريطانيا أو أميركا، وكلهم يختلفون عن الأنظمة التي كانت موجودة في المعسكر الاشتراكي، واليوم هناك دولة مزيج بين العلمانية والإسلامية في تركيا، وهذا يعني أن هناك عدة تجارب للدولة المدنية».
العدد 5019 - الجمعة 03 يونيو 2016م الموافق 27 شعبان 1437هـ