العدد 5019 - الجمعة 03 يونيو 2016م الموافق 27 شعبان 1437هـ

شهادات تكشف دوره المُهمَّ في تقديم الأدب العربي إلى العالم

«الدوحة» تُخصِّص ملفاً للمستعرب جونسون/ عبدالودود...

دنيس جونسون ديفز
دنيس جونسون ديفز

في ترحُّله المبكِّر، والطفولة التي اكتسب منها اكتشاف ما قرَّ لدى من سبقوه بأنهم مغايرون. سنوات تلك الطفولة في القاهرة والسودان، وذلك الإقبال المبكِّر على تعلُّم اللغة العربية، منحت المستعرب والكاتب البريطاني دنيس جونسون ديفز، مكانة مرموقة بين الأسماء الفاعلة في حركة الترجمة ونقل الأدب العربي إلى مناطق لم تكن على دراية بها، لتأخذ بعض تلك الأسماء مكانتها اللائقة في فاعلية وحركة الأدب العالمي.

يكفي أن نقف على وصف حائز جائزة نوبل في الآداب نجيب محفوظ، إلى جانب المفكِّر والناقد الأميركي من أصل فلسطيني إدوارد سعيد، بأنه رائد الترجمة من العربية إلى الإنجليزية.

شهادات من ترجم أعمالهم... أصدقاء كشفوا الدور المحوري والفاعل الذي اضطلع به ديفز في الأدب العربي والثقافة العربية، كل ذلك في العدد 103 من مجلة «الدوحة» القطرية، لشهر مايو/ أيار 2016. كان وحيداً بذلك الإخلاص والانكباب والدرْبة، والوفاء أيضاً لما ومن أحب. كان عشقه للغة العربية استثنائياً، لذلك كانت خياراته ملفتة ومهمة، وحققت إضافة نوعية لحضور الأدب العربي والثقافة العربية على خريطة العالم ضمن هذا المجال.

شهادة القاص المصري سعيد الكفراوي، أولى الشهادات التي تضمَّنها العدد، واحتوت محطات ونظرات عنه وحوله. رأى في ديفز مختلفاً في توجهه وإخلاصه ومحبته واهتمامه بالأدب العربي، عن كثير من المستعربين. «ألمحه قادماً، أواخر الستينات، قاطعاً شارع سليمان باشا وسط القاهرة، بيده حقيبة صغيرة، تزدحم بالكتب، متجهاً ناحية مقهى قليل الأهمية، يجلس على كراسيه عدد من الكتَّاب الريفيين، الموهوبين. كان يبحث عنهم بإصرار، بغرض ترجمة أعمالهم إلى الإنجليزية، مدفوعاً بمعرفته بما أنجزوه من كتابة، وبإدراك لقيمة ما كتبوه - بالذات - في فن القصة القصيرة».

كان يحلم بترجمة القرآن الكريم

منذ ذلك الوقت أدرك وعرف الكفراوي، أن الرجل منذ سنوات وذلك هو دأبه ومشروعه، مكرساً حياته ووقته، وربما ماله من أجل تحقيق ذلك الهدف. ويعيد الكفراوي ما سبق وأن ذكره ديفز، بأنه يريد أن يختم حياته بترجمة كاملة للقرآن الكريم.

وهنا علينا أن نتوقف عند إعلانه أنه اعتنق الإسلام - وذلك ما لم يرد في ملف الشهادات - أثناء محاضرة له في المركز الثقافي الإعلامي لممثل صاحب السمو رئيس الدولة سمو الشيخ سلطان بن زايد، كما ذكرت صحيفة «البيان» الإماراتية بتاريخ 28 ديسمبر/ كانون الأول 2010، وذلك حين رفض أن يقال عنه مستشرق: «إننا نعيش في عالم واحد، بعيداً عن فكرة الشرق والغرب، وأنا عشت حياتي في مصر والدول العربية، مع العلم أني بريطاني مولود في كندا، وأنا الآن مسلم واسمي الآخر هو عبدالودود».

علاقته بنجيب محفوظ تظل استثنائية، ومن الشهادات من يرى أن جزءاً من مشروعه في الترجمة تركَّز حول أعماله، ولعل ذلك التركيز هو الذي منح صاحب «بين القصرين» جائزة نوبل بعد سنوات من أعماله المترجمة إلى الإنجليزية.

يورد الكفراوي في شهادته ما قاله عنه محفوظ: «إن دنيس جونسون ديفز، الذي أعرفه وأحترمه منذ 1945، هو أول من ترجم عملاً لي، وكان عبارة عن قصة قصيرة. منذ ذلك الحين، قام دنيس بترجمة العديد من كتبي، والحقيقة أنه بذل جهداً لا يُضاهى في ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإنجليزية، وترويجه، فقد كان دائم البحث عن كتَّاب جدد موهوبين، والعمل، ليس على ترجمة أعمالهم، بل - أيضاً - على إيجاد ناشرين للترجمة (...)».

ذلك ربما يقودنا إلى ما نشرته «الشروق الجديد» بتاريخ 24 أبريل/ نيسان 2009، ضمن حوار استشهدت به، وإجابات أوردها، من بينها: «ذات مرة قال لي أحد المدرسين: ألا ترى أن اللغة العربية جميلة؟ قلت: نعم لكنها ميتة، فاستغرب الكلمة تماماً، لكنى أراها ميتة بالفعل، مثل اللاتينية، فأنا من أنصار اللغة العامية في الكتابة، من أنصار يوسف إدريس، وليس نجيب محفوظ، وسبق أن قلت رأيي هذا لمحفوظ منتقداً إصراره على أن يتحدث كل شخوص أعماله على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية بالفصحى، وقلت له: ليس معقولاً أن يتحدث الجميع اللغة نفسها، لكنه كان يرى أن تحوّل الكتابة إلى العامية سيكون صعباً على غير المصريين، فأخبرته بألاَّ يهتم بغير القارئ المصري لأنه الأهم، وخاصة أنه حتى أساتذة الجامعات لا يتكلمون الفصحى».

الوفاء لبشر المكان

ظل ديفز وفياً للمكان لأنه أساساً كان وفياً لبشر المكان؛ بل الأمكنة التي مكث فيها إما لعمل أسند إليه في مجال الإعلام، أو العمل كمستشار لحاكم أبوظبي، المغفور له بإذن الله، سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث امتد ترحُّله ما بين مصر، والمغرب، وأبوظبي وقطر، إلا أن مصر احتلت الشطر الأكبر من إقامته شبه الدائمة، خارج وطنه الأم: بريطانياً، وعن ذلك الترحُّل يقول: «عشت في هذا الوطن ما يزيد على أربعين سنة، بين مصر والمغرب، وأبوظبي وقطر، ووصيتي - إذا جاء الأجل - أن أمكث، عند خاتمتي، في المكان الذي أوجد فيه في تلك الأنحاء. هي عِشْرَة عمر، سكنت فيها الروح مرافقة للمكان والزمان والبشر».

إقامته في أبوظبي، وعمله كمستشار هناك، ومتابعة للأعمال التي ترجمها، والتي وصلت إلى 30 مجلداً، أتاحت له تقديراً ومكانة هناك، وأوفت أبوظبي لجانب من حق الرجل على العرب، بمنحه جائزة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان عن «شخصية العام».

ترجم ديفز لكتَّاب مصريين كبار، إضافة إلى نجيب محفوظ، من أمثال: الطيب الصالح، في روايته «موسم الهجرة إلى الشمال»، وتوفيق الحكيم، ومحمود تيمور، ويحيي حقي، ويوسف إدريس، وغسان كنفاني، وزكريا تامر، ويوسف الشاروني، وغيرهم.

القاص والروائي المصري محمود الورداني، كانت له شهادته التي بدأها في حق الرجل بالقول: «لا أظن أن هناك أوروبياً أو أميركياً قدَّم كل تلك الخدمات الجليلة للأدب العربي، على مدى ما يقترب من ثمانية عقود. عاش في مصر والخليج العربي والسودان والمغرب وتونس، أكثر مما عاش في بلده إنجلترا، وعمل فيها، وقد اختار في سنواته الأخيرة، أن يعيش في داره الريفية المطلَّة على بحيرة قارون، في الفيوم بمصر، في الربيع والصيف، وفي مراكش التي عشقها، يقضي الخريف والشتاء، ذلكم هو دنيس جونسون ديفز».

شهادة الورداني كانت تتبعاً للسيرة، وأكثرها متاح في مقدمات لقاءات أجريت معه، أو تقارير سلطت الضوء على شخصيته وأعماله.

ترجمة درويش

الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد، أشار في شهادته إلى علاقة حب دنيس للغة العربية، وتوغله في الترجمة، وبالضرورة حبه للشعر، ما دفعه إلى ترجمة نصوص لواحد من أهم شعراء القرن الماضي، والقرن والواحد والعشرين، إنه الشاعر الفلسطيني محمود درويش. وذكرت الشهادة عدم اقتصار ديفز على ترجمة الأعمال؛ إذ هو أساساً كاتب للقصة القصيرة، وأنجز في هذا الحقل أكثر من ثلاثين كتاباً للأطفال باللغة الإنجليزية «كثير منها يدور عن أبطال العرب من المحاربين»، كما كتب «عن الرحَّالة ابن بطوطة، والأبطال الشعبيين مثل جحا... وهو إذ يقدمهم للطفل الأجنبي فإنه يضعه، في متعة... في قلب الحضارة والتاريخ العربيين».

ويرى عبدالمجيد أن دنيس «حالة نادرة التكرار من الحفاوة بالأدب العربي والثقافة العربية، فهو ليس مجرد مستشرق أو مترجم، لكنه إنسان عربي الروح والهوى والوجود (...)».

وكانت للروائية والناقدة المصرية سلوى بكر، شهادتها في ملف «الدوحة»، ضمَّنتها قصة حدثت لها معه «في أحد الأيام، وبينما كنت ألتقي الزملاء والأصدقاء من الكتَّاب في مقهى زهرة البستان، فوجئت بمن يقدِّم لي دنيس جونسون ديفز، قائلاً، إن الرجل كان يبحث عني، لأنه يود أن يترجم قصة لي. كنت (وما زلت) أعدُّ نفسي كاتبة هاوية، تستمتع بعملية الكتابة أولاً، وقبل كل شيء، فما أن عرّفني الرجل بدنيس، قائلاً إنه إنجليزي يعيش في مصر منذ عقود طويلة، حتى قلت: إذن، أنت من بقايا الاستعمار الإنجليزي في مصر. ضحك دنيس، وقال: «بالضبط»، ثم طلب مني قصة ليترجمها وينشرها في مجلة تصدر في العاصمة البريطانية (لندن)».

أن تبحث عن صاحب العمل لتتولَّى مهمة الترجمة، فتلك واحدة من الصفات النادرة لدى كثير ممن تصدَّوا لعملية الترجمة، ليس بين المستعربين فقط، بل حتى من بني الجلدة ممن تمتعوا بكفاءات وإمكانات عالية في هذا المجال.

تثير بكر مسألة اللامبالاة، وعدم التقدير على مستوى المؤسسات الرسمية العربية – إلا ما ندر - اتجاه شخصية بهذا الوزن، وبحجم الإنجاز الذي حققه، والفوائد الكبرى التي تمخَّضت عن أدواره في الترجمة، قائلة: «إن دنيس جونسون ديفز، الذي لم يُكرَّم ولو لمرة واحدة، والذي لم يحصل على جائزة، ولو لمرة واحدة (حصل على جائزة الشيخ زايد عن «شخصية العام»، كما أشرنا في بداية هذه الكتابة)، والذي لم يُحْتَفَ به، ولو لمرة واحدة، يستحق - بحق - كل تقدير وكل تكريم وكل اعتزاز، من الثقافة العربية (...)».

كما شارك في ملف الشهادات الناقد والباحث والمترجم إبراهيم أولحيان.

ضوء

وبحسب الموسوعة العالمية «ويكيبيديا» التي تعرِّف ديفز، بأنه مترجم بريطاني ولد في كندا في العام 1922م، وعاش فترة من طفولته في القاهرة ووادي حلفا بالسودان، وربما من أجل ذلك عزم مبكِّراً على دراسة اللغة العربية. التحق في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين بجامعة كامبردج لدراسة اللغة العربية، لكن المستوى الدراسي للغة العربية بها لم بكن يلبِّي طموحه، ثم عمل في الفترة ما بين 1941 و 1945م في هيئة الإذاعة البريطانية، وبسبب العاملين العرب بها شكَّلت تلك الفترة أول احتكاك بينه وبين العرب واللغة العربية بعد دراسته الأكاديمية. في العام 1945م عمل مترجماً في المجلس البريطاني في القاهرة فكان ذلك أول صلة فعلية بينه وبين العالم العربي وآدابه؛ إذ تعرف في القاهرة على عدد من الأدباء العرب وارتاد مجالسهم وندواتهم، وخلال فترة وجوده في القاهرة عمل أستاذا للغة الإنجليزية في جامعة فؤاد الأول، لكنه لم يستمر طويلاً بها حيث استقال منها العام 1949م.

يعتبر أحد أهم المترجمين الذين قدَّموا الأدب العربي إلى القارئ الغربي، وقد وصل ما ترجمه من الأدب العربي أكثر من ثلاثين مجلداً احتوت الكثير من الإبداعات القصصية والروائية العربية.

الروائي السوداني الطيب صالح مع دنيس جونسون
الروائي السوداني الطيب صالح مع دنيس جونسون




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً