يمثل مؤتمر حزب النهضة العاشر في تونس والمنعقد في 22 مايو/ أيار 2016 مفترق طرق في إمكانية تطور الإسلام السياسي نحو مرحلة جديدة... ففي بيان المؤتمر الختامي فصل للدعوي عن السياسي في ظل تأكيد الالتزام بالعمل الديمقراطي. الإسلام السياسي العربي تيار عريض، تحول منذ ثمانينات القرن العشرين للمكان الذي لجأت إليه أعداد كبيرة من الناس ومن الطبقات المهمشة ومن الطبقة الوسطى والجماعات الاجتماعية التي هزت الدولة، كما والحداثة أوعيتها التقليدية وحرفها التاريخية. وهذا بحد ذاته سيس قطاعات كبيرة من المجتمعات العربية ممن لم يكن لديها أي اتصال بالعمل السياسي.
لقد طورت الحركات الإسلامية المعارضة حيناً والمتحالفة مع النظام السياسي حيناً آخر فكرة الشريعة وتطبيقها بصفتها أقوى من الدكتاتورية في مجتمعات قرار النظام غير المسئول فيها فوق كل قانون. لكن مع الوقت تبين بأن تفسير الشريعة وتطبيقها هو الآخر مجال خلاف.
الذي عقد الموقف أن الأنظمة السياسية تبنت تطبيق الشريعة بقوة من دون الالتفات لمضمون التنمية والعدالة إلا بالقدر الذي يحقق الاستقرار المباشر، وفي هذا سعت لسحب النفوذ من تحت أقدام الحركات الإسلامية المنظمة. لقد حولت دول عربية كثيرة الشريعة لقيد إضافي يضاف على قيود الحرية المنتشرة في العالم العربي، لهذا نجد أن الإسلام السياسي المعارض جاء في الجوهر من السجون (سيد قطب نموذجاً) ومن تجربة سلبية مع الاستعمار والغرب، ومن هزائم العرب أمام إسرائيل ومن الاستبداد، وهذا بحد ذاته قدم تفسيراً آخر للشريعة، وبذر بذور التطور اللاحق الذي تمر به بعض الحركات الإسلامية كالنهضة. ولكن جانباً آخر من الإسلام السياسي جاء من الأنظمة التي شجعت الإسلام في مواجهة القومية العربية ثم الإسلام في مواجهة الثورة الإيرانية منذ 1979، ثم الإسلام في مواجهة أطروحات التغير والحريات والإسلام في مواجهة حركات جهادية، كل ذلك كان سياسة النظام العربي الهادفة لإبقاء الوضع العربي برمته بلا أفق ديمقراطي، ومن هنا كارثة الإقليم التي نحصد منها الانهيار الراهن.
وكما تؤكد التجربة الإنسانية، فالسلطوية أكانت مستمدة من نظام ديني أم علماني تنتهي بتفكك الدول أو جمودها وانتحارها. لهذا فموضوعات الإسلام السياسي قبل الثورة في تونس شكلت خطراً على حزب النهضة لأنها حرمته من دعم قطاعات مهمة من النخبة والمجتمع التونسي المتعطشة للعدالة والتنمية، والتي لا يوجد بينها وبين الإسلام عداء، لكنها بنفس الوقت تخشى من دكتاتورية ثانية مكان السابقة، وتخشى تحول الإسلام السياسي في الحكم لتيار يحارب الحريات الشخصية والمدنية والسياسية.
مازالت النماذج العربية الإسلامية في حالة صراع، فنموذج تركيا الإسلامي في المقدمة، ونموذج المغرب وحكومة بنكيران تعكس العقلية الجديدة، ونموذج الإخوان المسلمين في الكويت يحوي ذات النقاشات والأفكار، بينما إخوان مصر في السجون يمرون بظروف قاسية لا تشجع على المراجعات التي تتطلب مناخاً ديمقراطياً، وفي سورية والعراق مازالت «داعش» ثم النصرة في معركة وجود وتمثل مع «القاعدة» في مجتمعات أخرى امتداداً لمدرسة الجهادية الإسلامية المقاتلة بكل أبعادها.
(ما بعد الإسلام السياسي) مدرسة في طور النشوء، لكنها ستجر معها الكثير من العرب والمسلمين باتجاه ممارسة السياسة بمعزل عن الانغلاق الديني والخوف من الآخر وقمع الأفراد والجماعات؛ لكن بنفس الوقت في إطار الالتفات للأوطان بصفتها قطعة أساسية تتطلب تنمية والتزاماً. (ما بعد الإسلام السياسي) سيعقد مصالحته التاريخية مع الحداثة، هذا الطرح الجديد لحزب النهضة يضعه في بداية طريق ديمقراطي تجديدي. الدولة في النهاية وعاء يجب أن يقل تدخلها في الحريات الشخصية، وطرق الحياة المختلفة لصالح دورها الأساسي: التنمية المجتمعية التي تتطلب تعليماً مختلفاً، وحريات ثابتة، وقوانين عادلة، واقتصاداً تشاركياً. لقد وصلت لشواطئ العالم العربي أفكار جديدة بشأن الديمقراطية والحرية، هذه الأفكار ستستوطن مع الوقت وبصعوبة قلب البلدان العربية لتحدث تغيراً في فهمنا للعدالة والحرية والتنمية بصفتها القضايا المركزية التي أثارها الربيع العربي المنطلق من تونس في 2010.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 5018 - الخميس 02 يونيو 2016م الموافق 26 شعبان 1437هـ
التجربة التونسية الناجحة هي النموذج الصحيح للديمقراطية هذا لم يأتي من فراغ بل بسبب احزابها المدنية القوية حتى حزب النهضة لم يصمد أمامها بل تحول إلى مدني يقبل الجميع أما التيارات الإسلامية الأخرى في باقي الدول العربية هي بعيدة عن الديمقراطية وكل تيار يدعي الاسلام الصحيح ولا يقبل الغير وهي متصارعة مع التيارات الاخرى