استدعت تركيا أمس الخميس (2 يونيو/ حزيران 2016) سفيرها في ألمانيا رداً على قرار يؤكد أن المجازر التي ارتكبتها القوات العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى ضد الأرمن وأقليات ميسيحية تشكل «إبادة»، وهددت بأن يكون للقرار تأثيرات على العلاقات الثنائية.
وصوت البرلمان بالإجماع تقريباً مع معارضة نائب واحد وامتناع آخر عن التصويت، على القرار الذي حمل عنوان «إحياء ذكرى إبادة الأرمن وأقليات مسيحية أخرى قبل 101 عام».
وفي إحدى قاعات البرلمان رفع حاضرون بينهم عدد من أبناء الجالية الأرمنية لافتات كتب عليها «شكراً لكم» عند إعلان رئيس البرلمان نتيجة التصويت وسط التصفيق.
ورحب وزير الخارجية الأرمني، إدوارد نالبانديان بالقرار قائلاً «أرمينيا ترحب بتبني مجلس النواب القرار».
وأشاد الوزير بالقرار ووصفه بأنه «مساهمة ألمانية قيمة ليس فقط في الاعتراف والتنديد الدولي بإبادة الأرمن وإنما في النضال العالمي لمنع ارتكاب إبادة وجرائم ضد الإنسانية».
إلا أن تركيا سارعت إلى التنديد بالقرار واستدعت سفيرها في ألمانيا للتشاور. كما استدعت القائم بالأعمال الألماني إلى وزارة الخارجية في وقت لاحق من الخميس.
وحذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان من أن الاعتراف «سيؤثر بشكل خطير» على العلاقات الثنائية بين البلدين.
وصرح للصحافيين في كينيا التي يزورها حالياً أن «هذا القرار سيؤثر بشكل خطير على العلاقات التركية-الألمانية» مضيفاً أنه سيتخذ عند عودته إلى تركيا قراراً حول «الخطوات» التي سترد فيها بلاده على ذلك.
كما اعتبر المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش أن «اعتراف ألمانيا ببعض المزاعم المحرفة التي لا أساس لها يشكل خطأ تاريخياً» مضيفاً أن «هذا القرار باطل ولاغ».
وفي تغريدة على «توتير» وصف وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو القرار الألماني بأنه خطوة «غير مسئولة» متهماً برلين بالسعي لتحويل الأنظار عن تاريخ الرايخ الثالث المظلم.
وأضاف «إن طريقة التغطية على الصفحات القاتمة في تاريخهم يجب أن لا تكون عن طريق تشويه تاريخ الدول الأخرى من خلال قرارات البرلمان غير المسئولة والتي لا أساس لها».
وقدمت النص كتل الأكثرية البرلمانية أي الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي إضافة إلى حزب الخضر المعارض.
ويأتي الاعتراف بـ «الإبادة» في وقت تعتمد فيه ألمانيا والاتحاد الأوروبي على مساعدة تركيا في وقف تدفق المهاجرين إلى القارة الأوروبية رغم تصاعد التوتر بين الجانبين بسبب حقوق الإنسان وغيرها من القضايا.
وتسعى يريفان منذ فترة طويلة إلى الحصول على اعتراف دولي بالإبادة، إلا أن أنقرة ترفض استخدام ذلك الوصف للإشارة إلى مجرزة الأرمن قبل قرن وتقول إن ما حدث هو مأساة جماعية قتل فيها عدد متساو من الأتراك والارمن.
ورغم الإقرار بغضب تركيا بشأن خطوة النواب الألمان، إلا أن القادة السياسيين قالوا إن الاعتراف الواضح بالحقائق التاريخية هو خطوة مهمة في شفاء الجروح القديمة.
وصرح فرانز جوزف يونغ نيابة عن الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل «نحن لا نهدف إلى محاكمة تركيا، لكننا نوضح أن تحمل المسئولية عن الماضي هو أمر لا بد منه من أجل المصالحة».
ومشروع القرار حول إبادة الأرمن تحفظ عنه حتى بعض المسئولين الألمان، على غرار وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير الذي قال المتحدث باسمه إنه «يأمل» ألا يؤدي إلى «تازيم العلاقات لفترة طويلة مع تركيا».
وتعتبر هذه القضية حساسة بشكل خاص في ألمانيا التي تقيم علاقات خاصة مع تركيا لوجود ثلاثة ملايين من أصل تركي يعيشون في ألمانيا وصلوا في إطار برنامج «العمال الضيوف» في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
ويؤكد الأرمن أن 1,5 مليون أرمني قتلوا بطريقة منظمة قبيل انهيار السلطنة العثمانية فيما أقر عدد من المؤرخين في أكثر من عشرين دولة بينها فرنسا وإيطاليا وروسيا بوقوع إبادة.
وتقول تركيا إن هؤلاء القتلى سقطوا خلال حرب أهلية ترافقت مع مجاعة وأدت إلى مقتل ما بين 300 ألف و500 ألف أرمني فضلاً عن عدد مماثل من الأتراك حين كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان السيطرة على الأناضول.
واعترفت أكثر من 20 دولة بينها فرنسا وروسيا بإبادة الأرمن.
وفي إشارة إلى الفظائع التي ارتكبت بحق الأرمن، نص قرار النواب أن «مصيرهم يعد مثالاً على عمليات الإفناء والتطهير العرقي والطرد والإبادات التي اتسم بها القرن العشرين بهذه الطريقة الوحشية».
العدد 5018 - الخميس 02 يونيو 2016م الموافق 26 شعبان 1437هـ