العدد 5017 - الأربعاء 01 يونيو 2016م الموافق 25 شعبان 1437هـ

شعب الفُلّان.. أكراد أفريقيا المشتتون

الوسط – محرر المنوعات 

تحديث: 12 مايو 2017

"الفُلّان" مجموعة إثنية ذات حضور كبير في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. تتميز من الناحية اللغوية والاجتماعية عن محيطها المكون في معظمه من عرقيات أفريقية، ثم من مجموعات عربية وأمازيغية، وفقاً لتقرير نشره موقع "الجزيرة" اليوم الخميس (2 يونيو/ حزيران 2016).

 

العرق والمجتمع

تُرجع دراسات أنثروبولوجية أصول الفُلان (أو الفلاتة أو البُّوله) إلى الأمازيغ، رغم اندماجهم الكلي في المجتمعات الزنجية الموجودة في مناطق وجودهم، والمؤلفة أساسا من شعوب "الولوف" و"البمبارا" و"الدوغون" و"الصوصا" و"الماندينغ" و"المالنغي" و"الجولا" و"اليوروبا" و"الهوسا".

وبحكم الجوار العربي/الأمازيغي المباشر لهم في أفريقيا الغربية فإن البحث يحيل إلى ربطهم بهذا النطاق الاجتماعي والإثني، حيث يؤكد باحثون وجود علاقات نسب بين الفلان والعرب والأمازيغ.

ومع ذلك فإن مؤرخين عربا صنَّفوا الفلان على أنهم "حاميّون" مستندين إلى تشابه عاداتهم وأنماط عيشهم مع النوبيين، وإن كانت دراسات غربية تعود للحقبة الاستعمارية أفادت بقدومهم من شرقي القارة إلى غربيها عبر شمال أفريقيا.

يتكلم الفلان لغة تبدو واضحة من مخارج حروفها وتراكيبها ونحوها، وإن كانت هذه اللغة كُتبت لفترات طويلة -في القرون الأخيرة من الألفية الميلادية الثانية- بالحرف العربي حين ساد الإسلام منطقة أفريقيا الغربية.

ويُؤثر عن الفلان فصاحة المتحدثين منهم باللغة العربية، وهو ما يُعين على كشفِ التقارب بين اللغة الفلانية والعربية وفقا لعلوم الصوتيات واللسانيات.

ومن حيث التنظيم الاجتماعي؛ يُعتبر مجتمع الفُلان مجتمعا "طبقيا" يوجد في أعلى قمته طبقة "النبلاء" وهم أصحاب العلم والثروة والنفوذ الديني والعسكري. أما بقية المجتمع فتتألف تاريخيا من "العبيد" و"الفنانين" و"الرعاة"، وغير ذلك من الفئات الموصوفة بـ"الهامشية".

ويتمتع شيخ القبيلة أو الزعيم الديني في مجتمع الفلان بمكانة سامية، وله نفوذ ديني وسياسي قوي على أبناء القبيلة مهما سمت مراتبهم السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية.

ونجد تأثير هذه القيمة لدى الفلان في الثقافة الأفريقية عموما من خلال مفهوم "الماودو" وهو الشيخ الهرِم الزاهد في الدنيا، ومع ذلك له تأثيرٌ قوي على كل أهل القرية أو الحي وأحيانا على رؤساء الدول، ويقصده الجميع بحثا عن "البركة" وطلبا للنصح والدعم.

وعلى المستوى المعيشي؛ يعد مجتمع الفلان مجتمعا رعويا في الأساس؛ يمارس تنمية الأبقار على نطاق واسع وتُمضي أغلبية أحيائه شهور السنة في الترحال بحثا عن الماء والكلأ لقطعان ماشيتها.

 

المسار التاريخي

اعتنق الفُلان الإسلام في بواكير دخوله إلى غرب أفريقيا فكانوا سدنته المخلصين وحماته الغيورين ونشروه في أدغال أفريقيا، ووفروا الحماية للتجار المسلمين فكانوا لهم سندا في تجارتهم وفي نشر رسالة الإسلام بين شعوب أفريقيا الوثنية.

وتُقدر دراسات غربية أن الإسلام كان له حضور قوي بين الفلان منذ القرن الرابع عشر ميلادي. وقد أقاموا كيانات سياسية كان دينها الإسلام خاصة في "مملكة ماسينا" (جمهورية مالي الحالية)، وفي منطقة "فوتا تورو" بالسنغال التي تُعد واحدة من أهم معاقل الفلان في أفريقيا الغربية.

كما أقام الفلان "دولة الأئمة" (تعرف بـ"ألماميات" في عدد من اللغات الزنجية) بمنطقة فوتا جالون في جمهورية غينيا كوناكري الحالية. وأظهروا تمسكا شديدا بالإسلام خلال حقبة الاستعمار الفرنسي الذي قاوموا بشدة دخوله إلى بلادهم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

وخلال هذه الفترة اشتهر منهم أعلامٌ مقاومون منهم الحاج عمر تال، كما كانوا من أكثر شعوب المنطقة رفضا لدخول المدارس التي أسستها السلطات الاستعمارية، وظلوا محافظين على التعليم العربي الإسلامي.

وعند تأسيس الدولة الحديثة إثر جلاء الاستعمار؛ لم يكن للفلان حظ في الدول الوطنية التي نشأت بعد الاستعمار، ويُمكن تفسير ذلك برفضهم المزمن للانخراط في الحياة السياسية التي أثمرت الكيانات السياسية الحالية.

ففي 18 بلداً أفريقياً يوجد فيه الفلان، لم تتمكن هذه المجموعة من الإمساك بمقاليد الحكم في أي دولة باستثناء تجربة وحيدة جسدها أحمد آحيدجو في الكاميرون، مما جعل باحثين يقارنون بين وضعيتهم السياسية ووضعية الشعب الكردي المشتت بين عدة دول في منطقة الشرق الأوسط.

وفي غينيا -التي يُشكل الفلان الإثنية الكبرى فيها- بذلوا جهودا للإمساك بالسلطة، فنشطوا في معارضة نظام أحمد سيكوتوري لكن الرد كان قاسيا. فقد ألبسَ النظامُ الفلانَ محاولة انقلابية في 1974 ونكل بقياداتهم وضباطهم، فقضى الآلاف منهم تحت التعذيب بينهم ديالو تلَّي (أول أمين عام لمنظمة الوحدة الأفريقية التي سُميت لاحقا "الاتحاد الأفريقي") الذي لم تَشفع له الوساطات الدولية والإقليمية.

وفي موريتانيا، اتهم نظام الرئيس السابق معاوية ولد الطائع أواخر الثمانينيات ضباطا من الزنوج بالتخطيط لمحاولة انقلابية لإقامة دولة زنجية في البلاد. وأعقبت ذلك إعدامات طالت عسكريين أغلبهم من عرقية الفُلان، كما رُحل قسرا آلاف الزنوج الموريتانيين -كان أغلبهم منهم- إلى دولتيْ السنغال ومالي، ولم يتمكنوا من العودة إلا في عام 2008.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً