خلال مسيرة الفساد في البلاد ومنذ الخمسينات، كانت هناك نقطتان متواترتان، حتى دخلتا ضمن أمثالنا الشعبية، وصارتا ضمن عاداتنا وتقاليدنا. الأولى هي تحول إنسان بسيط إلى شخصية أسطورية وهو فراش البلدية، أما الثانية فكان الحريق السنوي لمخازن وزارة التربية والتعليم، أو المعارف، كما كانت تعرف حينذاك.
ففي كل سنة، في ذات المكان، وقبل الجرد بأيام قليلة، يتحرك فأر دايخ من الجوع في مخازن التربية، ليبدأ بقضم واير كهربائي، دايخ هو الآخر، ومن ثم يعلن سبب الحريق بأنه تماس كهربائي، ثم يغلق الملف، وتأتي السنة القادمة ليتكرر ذات الفعل، ويتحرك ذات الفأر الجائع الدايخ، ليقضم ذات الواير الكهربائي المنسلخ، وتعلن نتائج التحقيق مجدداً، ثم يغلق الملف، حتى أصبح إغلاق ملفات الفساد، الموجهة لمتهمين مجهولين، أو فئران جائعة، جزءاً من عاداتنا وتقاليدنا.
مضت سنوات طويلة على هذه الحوادث، وسارت مياه كثيرة تحت الجسر، أو فوق الجسر، إن شئت، واختفى حريق مخازن التربية من ضمن عادات وتقاليد الفساد عندنا، ليس لتراجع في الفساد، ولكن لتماهيه، ولأن الفساد والفاسدين صاروا لا يتعاملون مع حرق مخازن، فالفساد صار أكبر وأكثر تعقيداً، وأكبر قيمة، إلا أن الأمر المستمر هو أن ملفات الفساد تفتح لكي تغلق مرة أخرى، فهذا الأمر لم يتغير، ومازال من عاداتنا وتقاليدنا.
بالطبع ما سحبني للحديث عن الموضوع هو الحريق الذي حدث حديثاً في أحد مخازن التربية، ولم يكن المتهم هذه المرة فأراً تائهاً، ولا واير كهرباء متفسخاً، ولكن بفعل فاعل بشري، كما أفاد تقرير إدارة الإطفاء. تقرير الإطفاء كان فعلاً مناقضاً للعادات التي جبلنا عليها، وزاد الطين بلة أن وزير التربية أعلن أنه أحال الملف للنيابة، وسيتخذ الإجراءات العقابية بحق من يتضح تورطه في الحريق. وهنا أظن أنه صار علينا أن نحاسب كلاً من الإطفاء والوزير لخروجهما عن عاداتنا وتقاليدنا، وهي تهمة تتجاوز بفداحتها الفساد ذاته.
حمد الجوعان مرة أخرى
كنت خارج البلاد عندما اقترحت تسمية المبنى الرئيسي لمؤسسة التأمينات الاجتماعية باسم الراحل الكبير حمد الجوعان، كونه المؤسس لهذا الصرح المهم والحيوي. كنت أتصور أن مسألة التسمية تحصيل حاصل، وأن المؤسسة ستفرح بهكذا اقتراح، فالمسألة ليست شخصية ولا سياسية ولا فئوية، بل بها شيء من العرفان والوفاء، وهي للإنسان المناسب في المكان المناسب. إلا أن المؤسسة اكتفت بتسمية القاعة الرئيسية للمبنى باسمه فقط، بحجة وجود اعتبارات قانونية لمسألة تسمية المباني. وعلى افتراض حسن النوايا، وحتى لا يحسب على إدارة المؤسسة أنها رفضت تسمية المبنى، وعلى افتراض جديتها في هذه المسألة، صار عليها العمل على تعديل اللائحة لكي تتم تسمية المبنى الرئيسي للمؤسسة باسم حمد الجوعان رحمه الله.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 5017 - الأربعاء 01 يونيو 2016م الموافق 25 شعبان 1437هـ
فأر متسبب في حريق مخازن الكتب
أُحرقت مكتبت الإسكندرية بذريعة أن الكتب والمقتنيت التي كنت تحويها للكفار وكن ذلك في عهد الخليفة .... فليس بغريب أن تحرق مخازن الكتب لألا يقرأ حد أو يتعرف على م في الكتب. وهنا يقال أمة أقراء لا تقرأ وقد لا يحب الكثير إن لم يكن معضم الناس غير محب لقراءة الكتب القيمة العلمية منها والتاريخية وغيرها من الكتب. السؤال هنا لما لا يحب بعض الناس القراءة؟