دار جدال طويل خلال المدة الأخيرة بشأن ما يشاع عن نية الحكومة في رفع سن التقاعد من 60 إلى 65، وكذلك احتساب سنوات الخدمة بنسبة أقل مما هي عليه الآن بالنسبة للمتقاعدين، وكذلك عن النية في إعادة النظر في كيفية صرف مكافأة نهاية الخدمة للمتقاعدين للعاملين في القطاع العام.
هذا الجدل يشير إلى نية حقيقية لدى الجهات الحكومية باتخاذ إجراء ما في القادم من الأيام، تجاه قطاع مهم من المجتمع ألا وهو المتقاعدون دون أن يكون لهم رأي فيما يعنيهم بشكل مباشر. وهذا الإجراء سيترتب عليه مجموعة من النتائج غيرة المحمودة على حاضر ومستقبل المجتمع.
أما لماذا هي إجراءات غير محمودة فلأنها فيما لو نفذت ستنال من مجموعة من الحقوق الاجتماعية المكتسبة والتي حصل عليها العاملون بفعل نضالات ومطالبات أجيال متعاقبة من المجتمع البحريني عموماً والحركة النقابية خصوصاً. وبالتالي لا يجوز المساس بها تحت أي ذريعة، أو على أقل تقدير الرجوع إلى من تقع عليهم نتائج هذه الإجراءات لأخذ رأيهم، كما أن الحقوق المكتسبة لا يجوز تغييرها أو التلاعب فيها وفي حالة تغييرها أو استبدالها، يجب أن تكون في نفس مستوى تلك الحقوق المستبدلة أو أكثر فائدة لمن ستطبق عليهم، لكن لا يجوز أن تكون أقل أو يترتب عليها نتائج أكثر ضرراً من الحقوق المكتسبة السابقة.
لذلك لابد أن يوضع الموضوع لنقاش مجتمعي شامل، وليس من قبل جهة معينة، لكن فيما يبدو أن هذه الحقوق المكتسبة تمثل القطاع الهش والضعيف ضمن منظومة الحقوق في هذا البلد، وعليه يمكن الحديث عن سهولة استهدافها من هنا وهناك وتحت ذرائع شتى. أقلها التقشف وتخفيف العجز المالي.
وهنا في قضية على هذا المستوى من الأهمية لابد من التطرق إلى الأمور التالية:
أولاً: إن مقترح رفع سن التقاعد من سن 60 إلى سن 65 كان يمكن أن يكون رشيداً فيما لو تم في السويد مثلاً بسبب انقلاب الهرم السكاني، بمعنى أن فئات العمر من كبار السن هي التي تمثل قاعدة الهرم في حين أن فئات الشباب قليلة وتمثل رأس الهرم (هرم مقلوب) أي مجتمع هرم مما يضطر الحكومة إلى زيادة سنوات الخدمة لقلة وجود الشباب الداخلين إلى سوق العمل، وبالتالي رفع سن التقاعد، وأظن أن حكومة السويد غيرت هذا الوضع بسبب دخول المهاجرين إلى المجتمع السويدي، وارتفاع فئات الشباب في المجتمع لإفساح المجال لهم للدخول إلى سوق العمل. أما أن يتم رفع سن التقاعد إلى سن 65 في البحرين فهذا يتعارض وبشكل مطلق مع البنية السكانية في هذا البلد خاصة إذا ما عرفنا أن المجتمع البحريني مجتمع فتي أسوة ببقية الشعوب العربية، بمعنى أن الهرم السكاني طبيعي بحيث تشكل فئة الشباب قاعدة الهرم في حين تمثل فئات السن المتقدمة رأس الهرم مما يحتم على الحكومة خفض سن التقاعد، لا رفعه، وذلك من أجل دخول المزيد من الشباب الذين هم في سن العمل ويبحثون عن العمل فعلاً، مما يعني بالضرورة خروج المزيد ممن هم في العمل وفي سن التقاعد (المبكر أو السن القانونية 60)، لإتاحة الفرصة للشباب، وبهذا المعنى فإن الحكمة هو في الإبقاء على سن التقاعد المعمول به الآن من أجل إفساح المجال لمزيد من الشباب الدخول إلى العمل، وإعطاء من عملوا فرصة التمتع بما تبقى من حياتهم وهم في كامل صحتهم وقواهم وكرامتهم.
ومن هذا المنظور فعندما انتهج خطة لرفع سن التقاعد في بلد كالبحرين فإنما أقوم بإجراءات غير موفقة تجاه كل من الشباب الذين في سن العمل من جهة، والعاملين الذين صرفوا سنوات طويلة من عمرهم وآن لهم أن يستريحوا وذلك من جهة أخرى.
ثانياً: أما بالنسبة لتغيير كيفية صرف مكافأة نهاية الخدمة، وذلك من خلال تقسيطها كما يشاع بدلا من دفعها مرة واحدة كما هو جار الآن، نقول أن هذا الإجراء فيما لو تم فهو لا يتناسب والبرنامج الحياتي المفترض الذي خطط له الداخل إلى سن التقاعد . لماذا؟ لأن القادم إلى التقاعد (مبكر أو في سن الستين) يكون قد رتب أموره الحياتية بناء على عدة معطيات مادية وهي (معاش التقاعد بغض النظر عن مقداره + مبلغ نهاية الخدمة نقدا + بعض مدخراته طوال سنوات خدمته + مشروع افتراضي يتناسب وإمكانياته) والأهم بين هذه العناصر المادية هو مكافأة نهاية الخدمة مدفوعة بالكامل، ومن هنا فإن إعادة النظر في كيفية صرفها خلافاً للطريقة الحالية يترتب عليه أثر سلبي خطير بالنسبة لحياة المتقاعدين، ومن ثم لا يجوز التصرف في كيفية صرف هذه المكافأة بالطريقة التي تراها الحكومة دون الرجوع إلى المجتمع عموما والعاملين خصوصاً.
ثالثا:كذلك بالنسبة لاحتساب سنوات الخدمة فهي إحدى الحقوق الإجتماعية المكتسبة ولا يجوز التلاعب بها أو احتسابها بطريقة تتم على حساب المتقاعد، وبالتالي التأثير سلبا في معاشه التقاعدي المرتبط بعدد سنوات الخدمة ، وهي السنوات الأهم من عمر المتقاعد التي قدم أثناءها خدمات للوطن، وعليه لا يجوز مكافأته بالانتقاص من سنوات خدمته أو تقليصها.
رابعاً: أما أن يتم كل ذلك تحت ذريعة التقشف وتغطية عجوزات هيئة التأمينات الاجتماعية على حساب العاملين والمتقاعدين، فذلك ليس من الإنصاف لسبب بسيط وهو أن العاملين والمتقاعدين ليسوا سببا فيما آلت إليه وضعية هيئة التأمينات. وباعتراف الهيئة نفسها في تقرير نشر حديثا أن 90 في المئة من استثماراتها غير مطورة ، والأصح غير مستثمرة، وهذه مشكلة تعود إلى قيادة هذه الهيئة وليس إلى العاملين أو إلى المتقاعدين أو من سيتقاعدون، بحيث نجد أنفسنا أمام سؤال حيوي لماذا لم تقم إدارة الهيئة طوال هذه السنوات بتطوير استثماراتها ، أو بالأصح ماذا كانت تعمل طوال هذه السنوات، أما أن تضع تقصيرها وما آلت إليه الهيئة على حساب المتقاعدين والعاملين فهذا مجاف للإنصاف. ويحمل من لا ذنب له ولا ناقة ولا جمل مشاكل هيئة التأمين الاجتماعي.
وعليه يجب ألا تتم الإجراءات على حساب العاملين أو من سيتقاعدون مستقبلا. ولذلك يجب على الهيئة أن تطور استثماراتها ومصادر مداخليها ، لا أن تستهدف المتقاعدين والعاملين. وتبتكر أساليب وإجراءات تنتقص من الحقوق المكتسبة للعاملين في القطاع العام.
بالنتيجة إن كل الإجراءات التي يدور الجدل بشأنها فيما لو طبقت ستمثل ضربة قاصمة للحقوق الاجتماعية المكتسبة لآلاف من العاملين والمتقاعدين، وهذا ما يتعارض مع حقوق وكرامة الإنسان وهو في سن التقاعد.
أخيرا: شعب البحرين شعب فتي نسبة الشباب فيه عالية جدا، وقسم كبير منهم في سن العمل ينتظرونه بحاجة إلى فرص، وذلك لا يتم إلا من خلال خروج أعداد إلى سن التقاعد (مبكر أو 60)، وفي هذه الحال تكون الفرصة سانحة ومفيدة للداخلين للعمل والخارجين منه، وكل منهم يستمتع بعلاقته بالعمل، فالشباب مقبل عليه ليقدم للوطن أجمل ما لديه وهو في عنفوان عطائه، والمتقاعد أدى ما عليه وقدم للوطن زهرة شبابه وآن له أن يستريح في ما تبقى له من عمر. وما على هيئة التأمينات إلا أن تعيد النظر في خططها التي تتعارض ومصالح العاملين والمتقاعدين، وألا تنتقص من حقوقهم المكتسبة أي شيء، والبحث عن خيارات أخرى، لا مجرد ردود أفعال محكومة بضغط اللحظة التي تعيشها الهيئة.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"العدد 5016 - الثلثاء 31 مايو 2016م الموافق 24 شعبان 1437هـ
ما يدخل المخ البته معقول ان ارجع للوراء عشر سنوات و بنسبة 72% ايضا و خسارة وغيرها من المكتسبات لالالالا مو معقول بس التفكير مو التطبيق .
مقال جميل. وأعتقد أن سن التقاعد في الستين هو المناسب. لاتاحة فرص العمل للشباب
مقال رائع
نتمنى ان لا يتم تغيير اي شي من حقوقنا التقاعدية حرام بعد هذا العمر نطلع بخساره
الأخ العزيز يوسف .... الكلام هو كيف تدفع الرواتب التقاعدية : من الإشتراكات التي يدفعها الموظفين أم من المداخيل التي يتم الحصول عليها من الإستثمارات في مختلف القطاعات ... إننا أمام مشكلة كبيرة وهو أن الدفع الهرمي وهو بأن تحصل إشتراكات 10أشخاص وتدفعها لمستفيد متقاعد فهذا لن يخدمك كثيراً وطويلاً ...