كان في النية قبل بضعة أسابيع أن أكتب في هذه الزاوية عرضاً لكتاب جديد صدر للباحث الدؤوب الشيخ محمد عيسى المكباس حمل عنوان «مراقد علماء البحرين في الخارج»، والذي صدرت طبعته الثانية قبل أيام؛ غير أن شواغل جدّت أخّرت تحقق هذه الرغبة إلى أن فاجأني الشيخ بإصدار جديد آخر يعكس مثابرته واندفاعه في التأليف والبحث التاريخي. وقد جاء الكتاب الثاني في مجلدين حاملاً عنواناً قريباً إلى النفس: «المدارس العلمية في البحرين»، وأحسب أن الكتابين وجهان لموضوع واحد هو التاريخ الثقافي والاجتماعي للبحرين متمثلاً في أعلامها وأدبائها وشعرائها خلال سبعة قرون.
أمور كثيرة تجعل من كتابات المكباس ذات قيمة خاصة أبرزها: جدّة المواضيع التي يطرقها، ومراكمته لخبرة طويلة في مجال حفظ ورعاية المخطوطات ووفاؤه لهذا الحقل لما يقرب من ثلاثين عاماً، بدءاً من أول كتاب أصدره عام 1991، وكان تحقيقاً لرسالة «في مقدمة الواجب» للسيد ماجد الجدحفصي، ومنذ ذلك الوقت واهتماماته منصبة على «الفهرسة» و»التحقيق» و»التأليف»، وهذا ما يضعه في مصاف أهل الاختصاص في بلدنا وهم قليلون.
لقد دشّن المكباس تجربته في عالم الفهرسة والمخطوطات من خلال الاستفادة القصوى التي وفّرها الاقتراب المباشر والمثمر من أعلام كانت لهم ممارسة عريقة في حقل التراث وتحقيق النصوص عندما كان طالباً في «حوزة قم»، فاقترب من أعمدة شاخصة في هذا المضمار كان منها السيد عبدالعزيز الطباطبائي (ت 1996م/ 1416هـ)، والسيد أحمد الحسيني الأشكوري، والسيد محمد رضا الجلالي، وهذا الجيل الذي شكّل الحلقة أو الطبقة الثانية من المحققين بعدما ورثوا عن الجيل الأول الذي كان من أبرز أعلامه: السيد محسن الأمين (ت 1951م/ 1371هـ)، و»شيخ المحققين» آقا بزرك الطهراني (ت 1970م/ 1389هـ)، والشيخ عبد الحسين الأميني (ت 1970م/ 1390هـ) والسيد محمد صادق بحر العلوم (ت 1977م/ 1397هـ)، وغيرهم من الذين أرسوا نهجاً لم يعهده الوسط العلمي في حينه، وكرسّوا بنحو غير مسبوق الاهتمام بالتراث المخطوط سواءً عبر جهودهم البحثية ومؤلفاتهم، أو من خلال توفير البيئة الحاضنة والمحفّزة للباحثين الشباب الراغبين والقادرين على الدخول في هذا المعترك الصعب.
أما على المستوى المحلي، فإن أسماءً قليلة تبرز في هذا الإطار لعل أبرزها: الشيخ علي بن حسن البلادي (ت 1922م/ 1340هـ) صاحب الكتب الشهير «أنوار البدرين»؛ وابنه الشيخ حسين البلادي القديحي (ت 1967م/ 1387هـ) الذي أفاد منه آغا بزرك الطهراني ونوّه بما يحتفظ به في مكتبته من مخطوطات؛ والشيخ محمد علي العصفور (ت 1945م/ 1365هـ) صاحب كتاب «الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر»؛ والحاج محمد علي التاجر (ت 1967م/ 1387هـ) خصوصاً في عمله المهم «منتظم الدرّين في تراجم علماء الأحساء والقطيف والبحرين» ذي الثلاثة مجلدات. وأعتقد أن هؤلاء هم من يمكن اعتبارهم روّاد حركة بعث الاهتمام بالتراث العلمي والأدبي في القرن العشرين في البحرين.
وبالعودة إلى كتابنا، فإن «المدارس العلمية في البحرين» الذي صدر عن مركز ابن ميثم للدراسات والتراث الذي يرأسه الشيخ المكباس، يقع في مجلدين، ويتناول بالدراسة والبحث أبرز المدارس العلمية في البحرين عبر سبعة قرون، ممن ورد لها ذكر في المصادر المحلية وكتب الإجازات والتراث العلمي المخطوط، ووثق الباحث تسعة عشر مدرسة علمية في البحرين، عبر اعتماد منهجية موحدة تقوم على تقديم نبذة وافية عن المدارس، وأبرز من أرخّ لها وطريقة التدريس فيها والكتب الدراسية في الفترة من القرن السادس الهجري إلى القرن الثالث عشر الهجري، وذكر المنطقة المقام فيها المدرسة كما توضحها المصادر، وذكر تراجم العلماء الدارسين والمدرسين في كل مدرسة علمية، وترتيبهم حسب حروف الهجاء، كما ذكر الباحثين الأعلام الوافدين على كل منطقة.
وضم الكتاب بين دفتيه توثيقاً لمدرسة أبي أصبع، والبلاد القديم، وبوري، وتوبلي، وجدحفص، وجزيرة النبيه صالح، والحجر، وسبسب، وسترة، وسماهيج، والشاخورة، وعالي، وفاران، والقدم، وكرزكان، والماحوز، ومقابا، والمقشع، والنعيم.
والمكباس المولود عام 1967، باحث ومحقق بحريني، له عدد من الإصدارات التاريخية، ونشر مجموعةً من الأبحاث والدراسات في بعض الدوريات والمجلات، من مؤلفات وتحقيقاته المطبوعة: «أزهار الرياض» للشيخ سليمان الماحوزي (6 مجلدات)، و»إجازات علماء البحرين»، «أدب البند»، و»فوائد الأسفار في وصف مخطوطات علماء البحرين»، وغيرها.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 5015 - الإثنين 30 مايو 2016م الموافق 23 شعبان 1437هـ
أنعم واكرم بالمحقق البحراني سماحة الشيخ المبجل محمد بن عيسى المكباس الديهي بارك الله فيه وكثر الله من امثاله الذين حفضوا لنا جزء مهم جدا من إرثنا الغالي والنفيس ونشكركم يا أبا علاء على هذه المقدمة وكذلك على دورك الرائد في هذا المجال ونشكر جريدتنا الموقرة الوسط صاحبة المصداقية أدامها الله علينا لنشر الحقيقة ..واقعا إستفدنا من المحاضرة القيمة التي أقيمت بمجلس العلامة المرحوم الشيخ عبداﻷمير الجمري ( قدس سره) ونشكر القائمين عليه من ابناء الشيخ جميعا وعلى رأسهم هنا اﻷستاذ صادق حفظه الله..
جهود مشكورة لسماحة الشيخ المكباس , لكن هناك ملاحظة على كتبه ألا وهي عدم جودة الاخراج والصف للكتاب فهي بدائية جدا مع الاحترام الشديد لجهودسماحة الشيخ , وينبغي منه مراعاة هذا الأمر الهام في عملية اصدار الكتب .