كلما راجعني طفل مصاب بالحول في عيادتي تذكرت قول الشاعر جرير:
يا أم عمروٍ جزاك الله مغفرة .... رُدّي عليّ فؤادي كالذي كانا
إن العيون التي في طرفها حور ..... قتلننا ثم لا يحيين قتلانا
كثيرة تلك القصص التي أسمعها من الأمهات:
- طفلي عمره 7 أشهر، لاحظت مَيلاً في عينه، قيل لي هو ميلة حسن (حور)، انتظري ليبلغ عامه الأول ثم اعرضيه على طبيب العيون إن أحببت!!
- طفلي عمره 5 أشهر، شعرت بأنه لا يستطيع ملاحقتي وكأنه لا يلاحظني، قال لي أحد الأطباء: لا بأس، دعيه يبلغ عاماً ثم استشيري اختصاصي العيون إن لم يتحسّن!!
وكثيرة تلك الحالات التي تأتي متأخرة، ويكون الحول فيها أول علامة من علامات أمراض أخرى كالماء الأبيض الولادي، وسرطان الشبكية الولادي وغيرهما كثير. وعندما يراجعنا الأهل تكون الرؤية قد أصيبت بمقتل، هذا إن لم يكن السرطان قد انتشر.
والفرق هنا فقط حرف واحد؛ فما بين حور وحول الحرف الأخير، تماماً كما الفرق بين أن يهرع الأهل لاختصاصي العيون عند ملاحظة أي شيء غير طبيعي في عيني طفلهم، وبين أن ينتظروا حتى يبلغ عامه الأول!!
ولا بد لي في هذا المقام أن أبيّن الفرق بين الحَوَر والحول:
فالأول هو حول كاذب، يوحي فيه شكل العين بوجود حول وذلك لأسباب تكوينية طبيعية كصغر وكبر المسافة بين العينين، أو كبر وصغر فتحة الجفنين، أو وجود طيّة في الجلد في ناحية الأنف، أو كبر وصغر حجم المقلتين، وغيرها من الأسباب. وقد كانت العرب تعدّه من علامات الجمال وخاصة عندما يكون بسبب كبر المقلة وشدة البياض الظاهر في الناحية الخارجية للعين.
والثاني هو ميلان كلّي في محور إحدى العينين؛ ففي حين تكون إحداهما تركز على الجسم المرئي تكون الأخرى منزاحة للداخل، ويدعى حول إنسي، أو للخارج، ويدعى حول وحشي.
وفي معظم الحالات لا يستطيع التمييز بينهما إلا طبيب العيون.
ومن ناحية أخرى، لا يوجد حول طبيعي، فالحول هو الحول، ولا يوجد حول مؤقّت قد يزول مع بلوغ عام من العمر!!
وعندما تُحرم إحدى العينين من الرؤية وخاصة في سن مبكرة فإن العين ستنحرف عن استقامتها لأن الدماغ لم يعد قادراً على السيطرة عليها بما يعرف بآلية الدمج، ولذلك فإن أي ظهور أو شكّ بوجود الحول وفي أي عمر حتى وإن كان يوماً واحداً من العمر، فإن هذا يستدعي مراجعة طبيب العيون كي يفحص الأوساط الكاسرة الشفافة كالقرنية والعدسة والجسم الزجاجي، وكذلك الشبكية والعصب البصري، كي يستبعد الأسباب الخطيرة كالماء الأبيض والأزرق وسرطان الشبكية، وهي أمراض إن اكتشفت بشكل باكر فإنه يمكن معالجتها وبأقل الخسائر الممكنة، أما إن تركت فقد تسبب أذىً دائماً غير قابل للتراجع في الرؤية أو حتى استئصالاً للعين وربما الوفاة في حال سرطان الشبكية.
العدد 5013 - السبت 28 مايو 2016م الموافق 21 شعبان 1437هـ