استغل صغر سن ضحيته وتسلل إلى جسده قبل أن يتم شهره الثاني، واختار جهاز قتل السموم في الجسم فهجم عليه بشراسة حتى ضعفت قدرته على المقاومة وصار استئصاله أفضل من بقائهما. القرار صعب على الوالدين فبقاء الكليتين مصفاة الجسم التي تخلصه من السموم تهدد حياة جواد والتخلص منهما لا يبعد حياته عن دائرة الخطر.

الاختيار بين الموت أو الموت ليس سهلاً لكن والدا جواد اختارا الحياة لإبنهما واتفقا على قرار شجاع بإستبدال الكليتين الطبيعيتن بأخرى صناعية تديرها الوالدة، ريثما يتأهل جسم جواد لإستقبال كلية أبوه.

"الزلال" يتسرب

«الوسط الطبي» التقت بمُنى عبد الرضا أم جواد التي لمسنا من خلالها الأمل الذي تعيشه الأسرة باستعادة جواد لعافيته، وأشارت لإقترابهم من المرحلة الأخيرة التي تؤهله للعيش بشكل أفضل.

وبدأت بالتعريف عن حالة جواد، قائلة: «وُلِدَ ابني بشكل طبيعي وفي شهره الأول كان كثير الترجيع، وكنا نراجع المركز للتعرف على السبب الذي لم نستطع اكتشافه. ولما بلغ 35 يوماً أصيب بتشنج فبادرنا بأخذه لمجمع السلمانية الطبي الذي كشف إصابته بمتلازمة الكلائية أو النفروز».

متلازمة الكلائية أو النفروز الخلقية من الأمراض النادرة تظهر بعد فترة من الولادة وتتسب بتسرّب البروتين من الدّم والخروج من الجسم، والذي يؤدّي بدوره إلى العديد من المشاكل الصحية.

وقالت أن الأطباء أخبروها أن علاج المرض موجود، ومع العلاج أخذت حالة جواد تضعف لأن نموه بحاجة لمادة «الألبيومين» أو الزلال – وهو نوع من بروتينات الدم يقوم بدور هام في تنظيم ضغط التناضح بين البلازما والخلايا الدموية وبين الدم والأنسجة المساعدة على النمو، لكن جسم جواد يفقدها مع الهرمونات والكالسيوم وغيرها من المواد».

وأضافت: «أصبحتُ مع جواد رهينة «الألبيومين» الذي يُعطى له على شكل محلول وريدي «سيلان» لمدة 7 أشهر، فكنتُ أتردد على السلمانية يومياً لأخذ العلاج وتتراوح مدة بقائي هناك حوالي 4 ساعات، وفي كثير من الأحيان أرجع مرة أخرى لإصابة ابني بمضاعفات».

ولفتت إلى أن وقتها تقسم خلال الأشهر السبعة بين بيتها والمستشفى، وأن الكفة مالت إلى السلمانية التي قضت فيها حوالي 5 أشهر، مقابل استقرارها في بيتها مدة شهرين.

البحث عن الحياة

العاطفة الجياشة تجاه جواد دفعتها مع والده للبحث عن علاج أفضل، فتعرفوا على طبيب في المملكة العربية السعودية يعالج حالات شبيهة، فسارعوا بعرض الحالة عليه.

تشخيص الطبيب كان صادم واقترح على الوالدين إستئصال كليتي جواد وحذرهم من استمرار الحالة على هذا الوضع الذي يتهدد بإنهاء حياة ابنهما بعد 3 – 6 أشهر.

واستعادت الأم لحظات اتخاذ القرار في العائلة، وقالت: «درسنا الخيارات المتاحة فكان القبول بإستئصال الكليتين أو بقائهما يهددان حياة ابننا، لكننا انحزنا بقوة لقرار يحفظ حياته. فقررنا منح جواد كلية جديدة والتخلي عن التالفتين». وواصلت: «أُجريتْ العملية في المملكة العربية السعودية وأُزيلتْ الكليتان وظل جواد تحت العناية المركزة مع جهاز تنفس صناعي لمدة 6 أشهر حتى استقرت حالته وعدنا به للمنزل».

حياة جواد صارت في عُهدة والدته منذ العملية التي أجريت في فبراير 2013 وفقد فيها جهاز التصفية الدموية وحتى الآن. الأستاذة منى عبد الرضا اضطرت لأخذ إجازة لمدة سنتين من غير راتب لإجراء غسيل بروتيني يومي للحفاظ على حياة ابنها من الأخطار التي تهددها فقد بات بلا كليتين.

حارسة أمينة

الأمانة هي أفضل وأهم صفات الحارس، وتتضاعف قيمة هذه الصفة إذا كانت الحياة ما تحرسها، ولا يمكن وصف حرص أم جواد على ولدها الذي يعاني من ضعف حركي نتيجة لهشاشة عظامه المكلومة لفقد الكليتين.

وبيّنت أن جواد ذا الأربع سنوات يبدو بعمر سنة ونصف مع قلة حركته يعيش حياته بأمل فيلعب مع أخوه وأخته، وتصحبه في جولات خارج البيت، ويحاول قراءة آيات من الذكر الحكيم، ويتسلى بأجهزة اللمس الذكية.

وأوضحت أن قلقها المتواصل على ابنها قرب من النهاية، فقريباً سيهب أبو جواد كليته لأبنهما الحبيب الذي يمر بمراحل تأهيلية وهما ينتظران أن يبلغ وزنه 10 كيلو لإجراء العملية بحسب اشتراطات الأطباء.

الرحلة الشاقة في مراحل النهاية، إلا أنها انهكت والدي جواد اللذان افتقدا وجود خاص لأمراض كلى الأطفال في السلمانية قبل ثلاث سنوات، وارتاحا كثيراً مع تأسيسه مؤخراً ويحلمان بأن يتوسع ليكون قسماً متكاملاً، يضم وحدة متكاملة للتواصل آباء المرضى وتزويدهم بما يحتاجونه.

وتسعى الأستاذة منى عبد الرضا الحصول على إستثناء لتمديد إجازتها السنوية عام آخر لمواصلة رعياتها الشاملة لجواد الذي سيكمل عامه الرابع الشهر القادم.