الجيل الحالي وربما القادم أيضاً أكثر حباً لريادة الأعمال والاستقلال في العمل، هذه هي ملاحظتي الشخصية من خلال متابعتي لبعض رواد الأعمال وأعضاء جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهي النتيجة نفسها التي توصل إليها «استطلاع أصداء بيرسون- مارستيلر السنوي الثامن لرأي الشباب العربي» الذي أكد الموقف الإيجابي المتنامي للشباب العربي إزاء ريادة الأعمال، حيث يرى أكثر من نصفهم أن الجيل الحالي يتفوق على سابقه لجهة امتلاك الروح الريادية.
وأنا عرفت بعض هذه النماذج عن قرب، وكيف أن شاباً بحرينياً كان يعمل بأحد المصارف ويحصل على راتب شهري يتراوح ما بين 1500 و2000 دينار اتجه لتأسيس شركته الخاصة في تصميم الأزياء الرجالية حباً في تحقيق ذاته وشخصيته، والاستقلال بعمله، المبدأ ذاته انطبق على عشرات ممن عرفتهم عن قرب بالفعل باختلاف الظروف والمعطيات والمجالات، لكن بقيت الفكرة الأهم لديهم «عمل خاص مستقل».
الاستطلاع طرح سؤالاً على الشباب مفاده «هل ترجح أن يكون الجيل الحالي مؤهلاً أكثر من سابقه لإطلاق مشاريعه الخاصة؟»، وافق 54 في المئة منهم على الفكرة. وبدا الشباب الخليجي الأكثر تفاؤلاً بذلك (62 في المئة) مقابل نظرائهم في شمال إفريقيا (54 في المئة) ودول شرق المتوسط (44 في المئة).
وأشار 36 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إلى أنهم هم أنفسهم يطمحون لبدء مشاريعهم الخاصة خلال السنوات الخمس القبلة. وهذا متوسط زمني جيد للغاية من وجهة نظري لتكوين الخبرة العملية، وبعض المال اللازم لبدء المشروع، وجاء ذلك بنسبة 37 في المئة في منطقة الخليج العربي، و39 في المئة في شمال إفريقيا، و31 في المئة في دول شرق المتوسط.
أما من حيث القطاعات المحببة للشباب، فقد جاءت العقارات والتكنولوجيا ثم التجزئة في صدارة القطاعات التي أشار الشباب العربي إلى رغبتهم ببدء مشاريعهم فيها. ويشكل القطاع العقاري الخيار المفضل لإطلاق المشاريع في الخليج حيث يتطلع 24 في المئة من الشباب إلى إطلاق شركة ذات صلة بهذا القطاع. من ناحية أخرى، كانت التكنولوجيا الخيار الأول لرواد الأعمال المحتملين في دول شرق المتوسط (15 في المئة) وشمال إفريقيا (18 في المئة).
من خلال تجربتي الشخصية مع العديد من رواد الأعمال ونظراً في واقع الأمر لتميز الشباب البحريني المتعلم والمثقف وأغلبه نال بعثات دراسية في الخارج وتعرف على العالم عن قرب وثقافاته المتعددة، واكتسب مهارات في التواصل والاجتماع إلى جانب العلوم التي حصلها في الكليات والجامعات، فإنني أرى أن كل هذا أدى في النهاية إلى جيل متميز نرى فيه مستقبلاً كبيراً للبحرين، وخاصة في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي يعد الأرض الخصبة لاقتصاد قوي ومتنوع قائم على التعددية.
وقد صدق ولي العهد، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لمجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، حين أكد أكثر من مرة في أحاديثه وتصريحاته أن الاستثمار الحقيقي للبحرين هو الاستثمار في ثروتها البشرية وأبنائها، لذا لم يكن غريباً أبداً أن يظهر من بين هذا الجيل الذي استثمرت فيه البحرين أن تجد المخترع والمبتكر والمئات من أصحاب الأفكار المبتكرة الذين سيقودون ريادة الأعمال ليس في البحرين فقط ولكن في المنطقة بأسرها.
ووفقاً للبنك الدولي، يحتاج العالم العربي إلى توفير ما بين 80 و100 مليون فرصة عمل جديدة بحلول العام 2020، مما يشكل مورداً غنياً من المواهب غير المستثمَرة والتي من شأنها دفع عجلة التحول في العالم العربي نحو بناء اقتصادات قائمة على المعرفة، وتوفير المزيد من الفرص المستقبلية.
الشباب ثروة حقيقية لا يجب أن ندعها تضيع في الصراعات والمشاكل بأنواعها، بل يجب على الدولة وعلى القطاع الخاص أيضاً، تولية الشباب البحريني من رواد الأعمال المزيد من الاهتمام وهذا ما أراه واجباً، في هذه الفترة وفي ظل اهتمام واضح من وزير الصناعة والتجارة والسياحة الحالي زايد الزياني بهذا القطاع بشكل عملي وليس بالكلام.
الشباب عبر عن التوجه نفسه في الاستطلاع أيضاً، إذ رأى الكثير من الشباب العربي أنه يمكن لحكوماتهم أن تبذل جهوداً أكبر لدعم رواد الأعمال الشباب، حيث أكّد 39 في المئة منهم أهمية تشجيع الإقراض منخفض الكلفة. ودعا 25 في المئة من المشاركين إلى تحسين وتوفير فرص التعليم والتدريب، في حين طالب 19 في المئة منهم الحكومات برفع بعض القيود التنظيمية والتخلص من البيروقراطية.
بقى أن نشير إلى أن الاستطلاع شمل 3500 مقابلة شخصية خلال الفترة ما بين 11 يناير/ كانون الثاني و22 فبراير/ شباط 2016 مع شبان وشابات عرب ينتمون للفئة العمرية ما بين 18 و24 عاماً، وتم انتقاء المشاركين حصراً من 16 دولة عربية شملت مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى العراق، ومصر، والأردن، ولبنان، وليبيا، وفلسطين، وتونس، والمغرب، والجزائر، واليمن.
إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"العدد 5013 - السبت 28 مايو 2016م الموافق 21 شعبان 1437هـ
شكرًا استاذي علي الطرح ، موضوع جميل يستحق القراءة .