في الوقت الحاضر يعيش الإنسان في البحرين، مواطناً ووافداً وأجنبيّاً وسط تلوث بيئي لم يسبق له مثيل، فالهواء ملوث بمختلف الأدخنة التي تصدرها المصانع وعوادم المركبات، لم تعد هناك بيئة طبيعية تمتاز بالتوازن الدقيق بين عناصرها المختلفة، فالهواء الذي يستنشقه في البيت والشارع والعمل وعلى السواحل في كل مكان يذهب إليه، لم يعد خالياً من التلوث، ولا أحد ينكر أن جميع الملوثات البيئية تشكل تهديداً خطيراً لصحة الإنسان في البحرين، والمهتمون بالشأن البيئي يقولون، ما لم تتحرك الجهات المعنية في البلاد سريعاً، لمعالجة التلوث المنبعث بصورة أكبر من عوادم السيارات، فالكثير من الأمراض الخطيرة الناتجة من التلوث قد تودي بحياة الإنسان في أية لحظة ومن دون مقدمات واضحة.
في جلسة مجلس النواب التي عقدت يوم الثلثاء الموافق (3 مايو/ أيار 2016)، عرضت وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني الموقرة، المصادر المسببة للتلوث الهوائي في مملكة البحرين، كان مخيفاً جدّاً، وبعض ما قالته عن المسببات للتلوث، ان أكثر من 50 في المئة من التلوث البيئي، ناتج عن عوادم المركبات التي يبلغ عددها بحسب احصائيات إدارة المرور أكثر من 545 ألف سيارة تقريباً، وقالت أيضاً إن مملكة البحرين تُعدُّ من أكثر دول العالم كثافة في عدد المركبات، إذ إنه بمعدل سيارة واحدة لكل 2.7 شخص، وأن 40000 سيارة تقريباً تعمل بالديزل، وقالت إن الدراسة التي أجراها جهاز البيئة في العام 1997 بينت أن عودام السيارات تصدر ملوثات تقدر بـ 1686 طنّاً سنويّاً، ولم تذكر الوزارة نسبة التلوث بعد عشر سنوات من إجراء الدراسة.
لا شك أن مستوى التلوث بعد تضاعف عدد المركبات في السنوات الخمس الأخيرة أصبح خطيراً جدّاً على صحة الناس، فإذا ألحقت الملوثات التي أطلقت عليها الوزارة بالمصادر الثابتة (العمليات الصناعية)، كالمنشآت الصناعية ومحطات توليد الطاقة، ومحطات تحلية المياه، وأضافت أن أثرها السلبي على البيئة تراكمي، واستعرضت مسببات أخرى للتلوث البيئي، مثل استخراج الأحجار والحصى وتكسيرها ونقلها في الشاحنات لمشاريع إنتاج الخرسانة والدفان وعمليات رصف الشوارع وجميع أنواع الإنشاءات، وجميع العمليات الصناعية المذكورة بحسب قول الوزارة تكون مصادر لانبعاثات الغبار، وأمام خطر التلوث الداهم الذي تحدثت عنه الوزارة والذي يهدد بصورة مباشرة حياة الناس. وغريب أن الوزارة اكتفت عند تحدثها عن الإجراءات المتخذة لتقليل مستوى التلوث البيئي، بالقول إن المجلس الأعلى للبيئة يخضع المصانع إلى رقابة مستمرة، ومتابعة تنفيذ المصانع للإجراءات واللوائح الملزمة لها بشأن تقليل عوادم أنشطتها الصناعية، ولم تتحدث عن مدى فاعلية تلك الإجراءات في حماية الإنسان في البحرين صحيّاً.
أكثر من نصف مليون سيارة تعمل يوميّاً على تلوث الهواء بغاز أول أكسيد الكربون، الذي تمتصه خلايا الدم الحمراء، ويسبب تلفاً للأنسجة ووفاة الإنسان في بعض الحالات، وقد يؤدي استنشاقه في بعض الحالات إلى الاختناق ويسبب الإرهاق للشخص الذي يتمتع بصحة جيدة، وآلاماً في الصدر للشخص الذي يعاني من أمراض القلب، وأما إذا كان مستوى وجوده في الهواء عاليا، فيسبب زغللة في الرؤية وصداعاً ودواراً وارتباكاً وغثيان أو أعراضاً تشبه الإنفلونزا، وأما في المستويات العالية فيؤدي إلى فقدان الوعي أو الوفاة.
إلى الآن لم تعلن الوزارة دراسة حديثة تظهر مستوى التلوث البيئي في البلاد، بغاز أول أكسيد الكربون، لكي يقي المواطن والأجنبي نفسيهما من الملوثات القاتلة، باستخدام بعض الوسائل الوقائية المتواضعة، كوضع الكمامات على أفواههم وأنوفهم، لعلهم يستطيعون تقليل خطورة تأثير الملوثات على صحتهم ولو بنسبة متدنية، فصمت الجهات المعنية بسلامة البيئة حتى الآن وعدم الإفصاح بوضوح عن مخاطر التلوث على حياة الإنسان في البلاد، يثير الاستغراب، بالتأكيد عدم إطلاع الرأي العام المحلي على الحقيقة لا يصب في صالح الإنسان القاطن في البحرين.
في كل يوم نجد شباباً ورجالاً وكباراً في السن وأطفالاً، يتوفون فجأة ومن دون مقدمات، ولا ندري هل لأول أكسيد الكربون المنبعث من عوادم 545 ألف مركبة دور في حالات الوفاة المتصاعدة هذه الأيام أم لا؟ بكل صراحة، ينبغي أن تتخذ إجراءات عملية لتقليل عدد السيارات في البلاد، وإعادة النظر في الإجراءات المرورية التي بموجبها تعطى رخص السياقة للعمالة الأجنبية التي تصل نسبتها إلى أكثر من51 في المئة من التعداد السكاني لمملكة البحرين بحسب الإحصاءات الرسمية.
صحيح أن الوارد إلى اقتصاد البلد في كل عام، من رسوم تسجيل السيارات لا يقل عن 11 مليون دينار بحرينيّاً تقريباً، وأن امتناع الإدارة العامة للمرورالموقرة عن إصدار رخص السياقة للعمالة الأجنبية سيقلل من المورد الاقتصادي للبلاد، لكن الاستمرار على الآلية نفسها يكلف الوطن الكثير من الأموال التي قد تفوق كل التوقعات، سواء كانت لعلاج الأمراض الخطيرة أو لغيره من الأضرار الأخرى، الناتجة من التلوث البيئي، الذي وصل إلى مستويات عالية جدا، لا يستهان بها ولا يمكن التغافل عنها.
فموضوع معالجته لا يقبل الـتأجيل أو التسويف فيه، فكل المؤشرات البيئية تدل على خطورة الوضع البيئي في البحرين، قد تحدث انتكاسات بيئية لا يحمد عقباها في المستقبل غير البعيد، جيل ثمانينات القرن الماضي كان يشكو من الازدحام المروري في أوقات الذروة وأيام الإجازات الرسمية، ماذا عسى أبناء ذلك الزمان أن يقولوا الآن، وهم يرون شوارع البلاد الرئيسية والفرعية وطرق وممرات مدنها وقراها وهي تضج من شدة اكتظاظها ليلا ونهارا طوال الأسبوع، بالسيارات وبمختلف المركبات الصغيرة والكبيرة، بالتأكيد سيصاب ذلك الجيل بالذهول الشديد، وبالحسرة على أجيال الحاضر والمستقبل.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5013 - السبت 28 مايو 2016م الموافق 21 شعبان 1437هـ
عدد السيارات خطأ
العدد المذكور هو حسب السيارات البحرينية المسجلة، ماذا عن السيارات الغير بحرينية؟
واعظم تلوث الغازات السامه التى تطلق يوميا على القرى والمدن وراحو ضحايا واجد المشتكى لله
ومن سيتهمّ للتلوّث؟ ومن سيهتمّ لصحة الناس
ومن سيهتمّ للثروات الطبيعية ؟
بلد كانت من أغنى بلاد العالم في العيون العذبة واذا بها صفر اليدين من كل العيون ولا تسأل اين ذهبت العيون ؟