كان لافتاً الزيارة «الثلاثية» التي اشترك فيها (إلى جانب رئيس الوزراء الهندي) الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمدزاي إلى طهران واجتماعهما بالرئيس الإيراني حسن روحاني قبل أسبوع. فقد جرى توقيع اتفاقية استراتيجية بين الهند وإيران وأفغانستان حول ميناء تشابهار، وهي الاتفاقية التي اعتُبِرت أنها «ستُطوَّر المنطقة المشتركة» بين الدول الثلاث لإيجاد ممرات نقل دولية بينها.
هذا «التموضع» الأفغاني في المحيط الممتد من الهند شرقاً حتى إيران غرباً له تفسير خاص يتعلق بالتوجهات الجديدة للسياسة الخارجية لأفغانستان.
فهذا الموقف الأفغاني الذي قام به الرئيس أشرف غني يشير إلى أن الأخير قد ميَّل الكفة في دفّة علاقات بلاده على المستوى السياسي والاقتصادي من باكتسان إلى الهند، أو لِنَقُل أعادها إلى عهدها الأول. ففي السابق كان غني قد عمل لصالح علاقة جديدة مع باكستان والصين لمساعدته في القضاء على الجماعات المسلحة في بلاده. وكان المراقبون يعتقدون بأن الرجل كان قد منح إسلام آباد وقتاً كافياً كي يتثبّت من تعاونها معه في ذلك الملف الشائك. وعندما لم يجد مثل هذا التعاون قام بإعادة العمل بسياسة سلفه قرضاي (الذي زار الهند 14 مرة) بتوثيق العلاقة مع دلهي، وهو ما حصل خصوصاً بعد تصعيد طالبان لهجماتها في أفغانستان.
تلعب أفغانستان دوراً حساساً في التوازنات القائمة في جنوب آسيا. فهي من جهة لا تستطيع أن تنفك عن التداخل العرقي والديني مع باكستان لكنها وفي نفس الوقت ترى في الهند داعماً اقتصادياً أساسياً لها في تثبيت الدولة، حيث استثمرت الأخيرة قرابة الملياري دولار ضمن الإعانات الدولية هناك وموّلت العديد من المشاريع التنموية فيها آخرها سد سلمى الذي بلغت كلفته 300 مليون دولار، كما وعدت بتوفيرها مروحيات إم آي 25 ودرّبت الضباط الأفغان، وهو عامل ضغط كبير على باكستان التي ترى فيه وجوداً هندياً بجوارها، الأمر الذي قد يُخلّ بميزان القوى بين البلدين.
كما أن الهند قد تشكل عاملاً استراتيجياً بالنسبة لأفغانستان يُصوِّب الكفة مع باكستان، بحيث تضغط كابل على إسلام آباد من خلال التقرب إلى الهند التي تدعم الانفصاليين في بلوشستان ضد الحكومة الباكستانية، وفي نفس الوقت تدفع إسلام آباد لأن تُقدِّم تنازلات في ترسيم الحدود معها وبالتحديد في عدم اعتبارها خط دوراند الفاصل الأخير للحدود بين البلدين. في جانب آخر من الموضوع فإن أفغانستان هي بلد «مغلق» ليس له منفذ على البحر. نعم لديها عدة أنهر لكنها صغيرة وغير قادرة على لعب دور تجاري حيوي، ولا إعطاء أفغانستان موانئ وبالتالي عدم فتحها لخطوط نحو الطرق الدولية، لذلك، فهي تسعى من خلال التحالف مع الهند وإيران أن تكون قادرة على استثمار المناطق الجنوبية الشرقية لإيران للوصول إلى مياه الخليج العربي وبحر عُمان، واستقبال البضائع من البلدين، فضلاً عن الدخول في نظام الترانزيت الذي يمكن أن يدرّ عليها أرباحاً جيدة.
وكابول في هذا الجانب تستثمر حاجة الهند لأراضيها كي تصل إلى آسيا الوسطى وبالتالي طريقها لنقل البضائع إلى هناك، وفي نفس والوقت حاجة كابول إلى إيصال منتجاتها إلى الهند. وبعد الخلاف مع باكستان حول استخدام معبر «واغا» اللاهوري بات من الضروري للأفغان الحصول على طرق أخرى لتسيير تجارتهم نحو الهند وبقية دول الدول، وهو ما حصل في اتفاقية تشابهار في الجنوبي الشرقي لإيران.
العدد 5013 - السبت 28 مايو 2016م الموافق 21 شعبان 1437هـ