العدد 5013 - السبت 28 مايو 2016م الموافق 21 شعبان 1437هـ

البنك الدولي: التقنيات الرقمية خفضت نسبة «الدخل القومي» الموجهة للعمال بالدول النامية

قال البنك الدولي إنه مع أن التقنيات الرقمية تزيد الإنتاجية وتعزز مستويات الرفاهية عموماً، فإن ما يصيب أسواق العمل من اختلالات قد يكون مؤلماً ويؤدي إلى زيادة التفاوتات وعدم المساواة، وتكشف الاتجاهات العالمية عن بعض المؤشرات، وأحدها هو أن نسبة الدخل القومي التي تذهب إلى العمال، ولاسيما من يقومون بأعمال روتينية، انخفضت بشدة في الكثير من البلدان النامية، وإن كانت البرازيل وأوكرانيا استثناء من القاعدة.

وجاء في التقرير الصادر في 23 مايو/ أيار 2016، عن البنك الدولي بعنوان «العوائد الرقمية»: «زادت التفاوتات بدرجة أكبر تُؤثر الإنترنت على وظائف الإداريين المكتبية المرتفعة الأجر أكثر من تأثيرها على وظائف العمال اليدوية. وسيكتسب بعض العمال في المستوى المتوسط مهارات إضافية تتيح لهم التحوُّل إلى وظائف غير روتينية أفضل أجراً، تعزز فيها وسائط التكنولوجيا في العادة رأس المال البشري وتزيد من إنتاجية العمال المهرة، سيستفيد هؤلاء العمال من تعطل بعض الأنشطة بسبب التطورات التكنولوجية».

وأضاف التقرير «في البلدان النامية، تبلغ عوائد التعليم أعلى مستوى لها بين الحاصلين على التعليم الجامعي، وتكون أعلى وتزداد بسرعة أكبر في الوظائف الكثيفة الاستخدام لتكنولوجيا المعلومات والاتصال. ومن لا يمتلكون هذه المهارات سيضطرون إلى البحث عن عمل في الوظائف غير الروتينية التي تتطلب مهارات أقل، مثل خدمات صيانة المباني والضيافة والرعاية الصحية».

وتابع التقرير «قد يزداد الطلب على هذه الخدمات، ولكن ربما ليس بالدرجة التي تكفي لوقف الضغوط على خفض الأجور مع زيادة المعروض من الأيدي العاملة المتاحة في هذه القطاعات. وتتسق هذه الديناميات مع ما نشهده في الكثير من البلدان من ازدياد عوائد التعليم والتفاوت في الدخول».

وذكر التقرير أن نسبة الوظائف التي قد تشهد قدراً كبيراً من الأتمتة أكبر في البلدان النامية مما هي عليه في البلدان الأكثر تقدُّماً التي اختفى فيها بالفعل الكثير من هذه الوظائف، ولكن الأمر سيستغرق على الأرجح وقتاً أطول في البلدان ذات الدخل الأكثر انخفاضاً.

إذ بين أن معظم هذه البلدان مازالت معدلات اعتمادها للتكنولوجيا منخفضة إلى حد ما، إذ إن الثلث فحسب من الوظائف في المناطق الحضرية في عينة من البلدان النامية يستخدم أية أدوات لتكنولوجيا المعلومات والاتصال في العمل، فيما مازالت معدلات الأجور منخفضة، مع ارتفاع نسبة الأيدي العاملة في الوظائف اليدوية غير الروتينية، ولذلك فإن الاستثمارات في التكنولوجيا ستكون أقل ربحية للشركات.

كما أشار التقرير إلى أنه حتى في غياب تحوُّلات ملموسة في التوظيف، تشهد طبيعة الوظائف تغيُّراً نحو المهارات التي لايزال من الصعب على التكنولوجيا محاكاتها، وهي: المهارات المعرفية والاجتماعية العاطفية المُتقدِّمة، لافتاً إلى أنه بالإضافة إلى مراجعة نظم الحماية الاجتماعية، تتمثَّل الاستجابة على مستوى السياسات في تحسين نظم التعليم والتدريب وجعلها أكثر استجابة، وهي مجالات تستغرق فيها الإصلاحات أعواماً طويلة لتؤتي ثمارها.

وذكر التقرير أنه من المنظور التاريخي كان تسريح العمال وفقدان الوظائف نتيجة للتغيُّرات التكنولوجية جزءاً لا يتجزأ من التقدُّم الاقتصادي، وأن زيادة الإنتاجية هي التي تُولِّد النمو وتؤدي إلى تحويل مسار الموارد البشرية والمالية لاستخدامها في قطاعات ذات عوائد أعلى، وتحدّ أيضاً من الحاجة إلى البشر لأداء أعمال شاقة بدنيا أو متكررة أو خطرة.

واعتبر البنك الدولي أن مثل هذه الاتجاهات ستكون مُستحبة في البلدان التي تزيد فيها شريحة المسنين سريعاً أو يتناقص فيها عدد السكان، أو في المهن التي يوجد نقص في المعروض من المهارات اللازمة لها، مشيراً على سبيل المثال، إلى أن التطبيب عن بعد والتشخيص الآلي للخبراء الطبيين يتيح خدمة عدد أكبر كثيراً من الناس حتى عن بعد في المناطق التي تعاني نقصاً في الأطباء.

وأرجع المخاوف من «البطالة التكنولوجية» إلى الثورة الصناعية، مشيراً إلى وقوع مفكرين في هذه المغالطة من أمثال الاقتصادي جون ماينارد كينز والكاتب إسحاق عظيموف، إذ تنبأ كينز في ثلاثينيات القرن الماضي بأن ساعات العمل الأسبوعية ستكون 15 ساعة بنهاية القرن العشرين، وتوقَّع عظيموف في مقال له في العام 1964 أن إحدى أكثر المشكلات إلحاحاً التي ستواجهها البشرية بحلول العام 2014 ستكون الشعور بالملل في مجتمع الرفاهية المفروضة.

وجاء في التقرير «على مر القرون، استطاع اقتصاد البلدان التكيُّف مع التحديات الهائلة في أسواق العمل، وأشدها التحوُّل بعيداً عن الزراعة. ومع ذلك، لا أحد يمكنه التنبؤ بالتأثير الكامل للتغيُّر التكنولوجي في العقود المقبلة، الذي قد يكون أسرع وأوسع نطاقاً من العقود الماضية. مهما يكن من أمر، فمن الواضح أن واضعي السياسات يواجهون سباقاً بين التكنولوجيا والتعليم، والفائزون هم من يُشجِّعون على تطوير المهارات حتى يستفيد الجميع من الفرص الرقمية المتاحة».

الرقابة التي تراعي نوع الجنس: الفجوة بين المؤسسات والتكنولوجيا

أكد التقرير أنه كان من المُتوقَّع أن تكون الإنترنت إيذاناً بعهد جديد من الخضوع للمساءلة ومن التمكين السياسي، يشارك فيه المواطنون في وضع السياسات وتشكيل مجتمعات افتراضية ذاتية التنظيم لمساءلة الحكومة، إلا أن هذه الآمال لم تتحقَّق في معظمها، ومع أن الإنترنت جعلت الكثير من الوظائف الحكومية أكثر كفاءة وأيسر تنفيذاً، كان لها بوجه عام تأثير محدود على أطول المشكلات أمداً، وهي كيفية زيادة خضوع مُقدِّمي الخدمات للمساءلة، وكيفية توسيع نطاق مشاركة الجمهور، وإعطاء الفقراء والمستضعفين مساحة أكبر للتعبير عن آرائهم.

وأورد التقرير أن «قدرة المواطنين على استخدام الإنترنت بنجاح في زيادة خضوع مُقدِّمي الخدمات للمساءلة تتوقَّف على السياق والظروف السائدة، والأهم هو قوة علاقات المساءلة القائمة بين واضعي السياسات ومُقدِّمي الخدمات».

وخلص تقييم أُعِد للتقرير وشمل 17 مبادرة للمشاركة الرقمية إلى أنه من بين تسع حالات اشتملت فيها مشاركة المواطنين على شراكة بين منظمات المجتمع المدني والحكومة، حققت ثلاث حالات فحسب نجاحاً، وبين ثماني حالات لم تشتمل على شراكة، مني معظمها بالفشل، وينبِئ هذا بأن التعاون مع الحكومة ليس شرطاً كافياً للنجاح، لكنه قد يكون ضرورياً.

وأكد التقرير أن هناك عاملاً آخر للنجاح هو التعبئة الفاعلة عبر الإنترنت، ولاسيما أن درجة استيعاب المواطنين للوسائط الرقمية كانت منخفضة في معظم الحالات.

وظلت درجة المشاركة السياسية والانخراط من جانب الفقراء - بحسب التقرير - نادرة، ولكن في الكثير من البلدان عادت الإنترنت بالنفع بشكل غير متناسب على النُخَب السياسية وزادت من قدرة الحكومات على التأثير على الخطاب السياسي والاجتماعي، وزادت التقنيات الرقمية في بعض الأحيان من درجة الإقبال على التصويت عموماً، لكن هذا لم يؤدِ بالضرورة إلى تصويت أكثر استنارة أو أفضل تمثيلاً.

وأكد التقرير أنه حتَّى في البلدان المُتقدِّمة، مازال إشراك المواطنين يُمثِّل تحدياً، فلا يشارك من السكان إلا مجموعة فرعية صغيرة لا تُمثِّل المجتمع، ويصعب في الغالب الحفاظ على مشاركة المواطنين، وليس هناك اتفاق بين علماء الاجتماع في مسألة هل تساعد الإنترنت على نحوٍ غير متكافئ في تمكين المواطنين أم النخب السياسية، وهل تؤدي إلى زيادة الاستقطاب، وهل تُعزِّز رأس المال الاجتماعي أم تُضعِفه، أو حتى تُسهِّل في بعض الحالات العنف المُنظَّم.

العدد 5013 - السبت 28 مايو 2016م الموافق 21 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً