بداية الأسبوع الماضي زار إيران رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي. الزيارة هي الأولى لرئيس وزراء هندي لإيران منذ 14 عاماً. لذلك اكتسبت أهمية «خاصة» بالإضافة إلى كونها تأتي بعد رفع العقوبات الدولية عن طهران. وقد جاء في بيان الرئاسة الإيرانية أن الجانبين بحثا «العلاقات الثنائية» وكذلك «قضايا المنطقة وسبل إيجاد حل لأزمات الشرق الأوسط» كما جاء.
وقد وقع الجانبان خلال اللقاء الرسمي بين نارندرا مودي والرئيس الإيراني حسن روحاني على 12 اتفاقية شملت التعاون بين وزارتي الخارجية الهندية والإيرانية (سياسية) وبين وزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية ووزارة العلوم والأبحاث والتكنولوجيا الإيرانية (علمية) وبين الأرشيف الوطني الهندي والمكتبة الوطنية في ايران (ثقافية)، بالإضافة إلى اتفاقيات اقتصادية وتجارية وفي قطاع النقل وتطوير الموانئ. وهو ما يعني دفعاً جديداً في العلاقات الثنائية بين البلدين والتي ساهمت في نموها عوامل عديدة سنأتي عليها في متن المقال.
الحقيقة أن القراءة الصحيحة لهذه الزيارة يجب أن تأخذ الأوضاع الإقليمية (السياسية منها والاقتصادية والأمنية) وبالتحديد في آسيا وجنوبها. فالهند تسعى من خلال الاندفاع صوب إيران إلى ولوج غرب آسيا ومياه الخليج العربي في تنافس واضح مع الصين الطامحة للهيمنة على القارة. ففي الوقت الذي قامت فيه بكين بإنشاء خط تجاري عبر البنجاب على الشطر الباكستاني للوصول إلى منطقة جوادر وكراتشي، تقوم الهند هي الأخرى بفتح طريق لها إلى ذات النقطة المجاورة في الطرف الإيراني حيث تشابهار (جنوب شرق) المطلة على الخليج العربي وبحر عُمان، وخصوصاً أن ميناء هذه المدينة تراه الهند «المحور الرئيسي للتجارة الحرة في المحيط الهندي».
وفي مجال الطاقة، ترى الهند في إيران مصدراً حيويّاً يملك القدرة على تزويدها بالنفط والغاز وعبر طرق وممرات تجارية قريبة وآمنة، حيث يمكن للهند أن تربط مناطقها الجنوبية الغربية في جام نجر وموندرا وبوربندار بمنطقة تشابهار الإيرانية. لذلك كانت الهند تستورد ما مجموعه 260 ألف برميل يوميّاً من إيران خلال فترة العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، وهو ما جعلها أكبر مستورد للنفط الايراني متخطية حصة الصين في كثير من الأحيان.
وبحسب صحيفة «اينديا تايمز» الهندية فإن من أهم أهداف زيارة مودي الأخيرة لطهران هي زيادة واردات الهند من النفط والغاز الإيرانييْن، بالإضافة إلى المساهمة في تطوير أحد الحقول الغازية الكبيرة في الأراضي الإيرانية. من جانبها فإن إيران تمتلك 22 ناقلة نفط مُسيَّرة، 13 ناقلة منها مأهولة بالنفط يمكن أن تتشاطر كل من أوروبا والهند على أخذ حصتها عبر تلك الناقلات.
فالهند تمتلك قوة صناعية كبيرة بدأت في الانتعاش في ظل تراجع مستوى أداء الاقتصاد الصيني العام الماضي ومطلع العام الحالي، وهو ما يجعلها (أي الهند) في حاجة دائمة وماسّة للطاقة. في جانب آخر ربما تأتي المساعي الهندية الحثيثة لاستيراد النفط والغاز الإيرانييْن رسالة منها إلى باكستان للتسريع في مشروع أنبوب السلام الأخضر الذي من المفترض أن يبدأ من إيران ويمر عبر باكستان لتسليمها حصة الغاز قبل أن ينتهي إلى الأراضي الهندية لتزويد دلهي بالحصة الأكبر.
أيضاً فإن الهند وفي الجوانب الاستراتيجية الأخرى، تسعى إلى تثبيت توازنات حساسة في جنوب آسيا عبر تأكيد هيمنتها على خليج البنغال ومن خلفه المحيط الهندي، بعد قيام الصين بتكريس حضورها في بحر الصين الجنوبي عبر استيلائها على ألفَيْ آكر من ذلك البحر، لذلك وجدناها (أي الهند) تعزز من تعاونها العسكري مع إيران فيما خص الأمن البحري كون الأخيرة تمتلك اسطولاً بحريّاً وفي ذات الوقت اعتبارها كوسيط مقبول في الخلاف مع الصين وباكستان.
وقبل شهرين أعلن قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني الأميرال حبيب الله سياري وأثناء استقباله مساعد شئون العمليات في القوات البحرية الهندية أن إيران والهند «ستجريان مناورات عسكرية مشتركة تكتيكية ومناورات إمداد وإغاثة» بهدف تأمين شمال المحيط الهندي. وأعاد التأكيد على هذه المناورات قبل يومين خلال مؤتمر تكريمي للجيش الإيراني والقوات البحرية الخاصة، محدداً الجمعة موعداً لانطلاقها، مشيراً إلى أن القوات والسفن الحربية الهندية التي تتواجد في المياه الإقليمية لإيران «ستشارك في هذه التدريبات وذلك بغرض تبادل الخبرات بين الجانبين».
كذلك ترى الهند أن النزاع في المياه الشرقية لها يدفعها لتعزيز تعاونها في المناطق الغربية حيث إيران، بعد أن ضمنت تواجداً أميركيّاً في 48 جزيرة فيتنامية اصطناعية وثماني جزر أخرى فلبينية وخمس ماليزية وواحدة تايوانية للحد من المساعي الصينية في تلك المنطقة، وبالتالي ضبط إيقاع الطرق التجارية الحيوية بدءًا من بحر الصين الجنوبي مروراً بمضيق مالقا وحتى خليج البنغال.
بالتأكيد هناك أمر آخر تسعى الهند إليه من خلال تعزيز علاقاتها بطهران وهو حاجتها الماسة للوصول إلى دول آسيا الوسطى بدءًا من قرغيزستان حتى تركيا، وكذلك التموضع الاقتصادي في بحر قزوين، الذي سيفتح لها علاقات أرحب مع دوله المتشاطئة: روسيا (شمال غرب) وكازاخستان (شمال شرق)، وتركمانستان (شرق)، وأذربيحان (غرب). ففي الوقت الذي تطل فيه الصين من جهة الغرب على تلك المناطق يمكن للهند وعبر إيران أن تصل إلى دول آسيا الوسطى وروسيا كذلك.
في المحصلة، فإن مثل هذه الأسباب والتوازنات هي التي تخِيط سياسات الهند تجاه إيران في هذه المرحلة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5012 - الجمعة 27 مايو 2016م الموافق 20 شعبان 1437هـ
الهند خير شريك لايران ولدول اخرى لان سياستها اخذ وعطاء
شكرا على المقال الثمين ...
اوضاع ايران الداخلية أيضا تستحق الكتابة ، خصوصا صعود الشيخ جنتي ، ووضع الاطراف حاليا في ايران ، وضع ايران وحلفائها في الاقليم . امور تحتاج لتسليط النظر
بالنسبة للاقتصاد هناك سؤال عن مدى قوة الاقتصاد الايراني ، اذ لا يبدوا ان هناك تحسنا ملحوظا رغم مرور اشهر على الاتفاق التاريخي ؟؟
هل الالتفاتات والمراوغات الامريكية على مكاسب الاتفاق تعني ان الايرانيون خدعوا بقسوة ؟؟
أم ان الاقتصاد الايراني نفسه ضعيف ويحتاج أكثر من اتفاق لعلاجه ، كونه اقتصاد نفطي في الأغلب ؟
شؤون ومشاكل البلد أهم