ليس هناك خلاف على أن تفعيل مؤسسات الحق القضائي في الشأن البيئي كمنظومة قانونية وحقوقية، يمثل ضمانة أكيدة في تنظيم إجراءات القضاء البيئي، وإنفاذ القوانين البيئية بطريقة ميسرة وضمان حقوق المتضرر والمتسبب في المخالفة البيئية، وتحقيق مبدأ العدالة القضائية، وذلك بما يفضي إلى تعزيز الوعي الاجتماعي بضرورة الامتثال المسئول بثوابت مبادئ حماية البيئة، وتنميتها وذلك مخرج مهم ومؤشر استراتيجي ومنهج تفاعلي يسهم في إنجاز جوهر أهداف خطة العمل التنفيذي، لبناء السلوك البشري وإنجاز الأهداف الوطنية للتنمية المستدامة.
الحق القضائي في الشأن البيئي معادلة متداخلة الوظائف والأهداف والحقوق والأثر في ترشيد ثقافة السلوك الفردي والاجتماعي والمؤسسي في العلاقة مع معالم النظام البيئي، وأن تبيان محددات مفاصل مضمون جوهر تلك المعادلة يتطلب إدراك حقيقة القيمة الإنسانية والحقوقية لطبيعة مكونها المتمثلة في مبدأ الحق اﻻجتماعي والعدالة اﻻنسانية في منظومة بنائها القانوني والمؤسساتي ومنظومة مبادئها المرتكزة في بُعد مساراتها الحقوقية والقضائية على مبدأ المساواة والشفافية، كما يتطلب أيضاً فهم جوهر المؤشر الإيجابي لذلك البناء في التأثير على تغيير مسار الواقع البيئي المتمثل في فرض الالتزام الواعي بضرورة مكافحة الأنشطة غير الرشيدة والضارة بالبيئة والإنسان، وتبني ثقافة مؤسسة المناهج والسلوك الرشيد في العلاقة مع النظم البيئية، وصون رأس المال الإيكيولوجي والحد من مظاهر المخالفات البيئية الخطيرة على الأمن البيئي للإنسان.
المنطلقات الرئيسية لمنظومة الحق القضائي في الشأن البيئي تتمثل في قواعد النظام الدستوري والقضائي والتشريع البيئي للدول، وقواعد التشريع البيئي الدولي، والمبادئ والالتزامات التوافقية المحددة في المشروع الدولي البيئي، وفي السياق ذاته الباحث عيد محمد مناحي المنوخ العازمي في سياق معالجة الضمانات الجزائية للإجراءات البيئية في كتاب «الحماية الإدارية للبيئة» الصادر عن دار النهضة العربية يشير إلى أن «هذه الضمانات سواء كانت موضوعية أو إجرائية تجد مصدرها في كافة التشريعات الموجودة في النظام القانوني».
وتُحدّد المصادر القانونية المشار إليها معايير الحق القضائي في الشأن البيئي، وتتمثل في الحق في الوصول إلى حقائق المعلومات والبيانات بشأن الأضرار البيئية والصحية التي تسببها الحوادث والمخالفات البيئية، والحق في التقاضي ورفع الدعاوى القضائية على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، والحق في الحصول على التعويض المادي والمعنوي وتوفير المتطلبات الصحية والعلاجية عن الأضرار التي تصيب الفرد والمجتمع، وكذلك الحق في المطالبة بالتأهيل البيئي للمحيط البيئي للإنسان والمواقع البيئية ذات الأهمية الحيوية لمعيشة المجتمعات المحلية التي تتعرض للتدمير وتدهور نظامها البيئي.
المجتمع الدولي تعزيزاً لمبدأ العدالة القانونية ضَمَّن مبادئ وثيقة إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية - 1992 بالقواعد التي تجسد القيمة الإنسانية والقانونية لذلك النهج، إذ تجري الإشارة في المبدأ «10» إلى ضرورة أن « تعالج قضايا البيئة على أفضل وجه بمشاركة جميع المواطنين المعنيين، على المستوى المناسب، وتوفر لكل فرد فرصة مناسبة على الصعيد الوطني للوصول إلى ما في حوزة السلطات العامة من معلومات متعلقة بالبيئة، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالمواد والأنشطة الخطرة في المجتمع، كما تتاح لكل فرد فرصة المشاركة في عمليات صنع القرار. وتقوم الدول بتسيير وتشجيع توعية الجمهور ومشاركته عن طريق إتاحة المعلومات على نطاق واسع. وتكفل فرصة الوصول بفعالية إلى الإجراءات القضائية والإدارية، بما في ذلك التعويض وسبل الإنصاف».
العدالة القانونية المحور الاستراتيجي في مبادئ منظومة العمل الدولي الموجهة لصون الحق الإنساني والقانوني للفرد والمجتمع، وصارت جوهر مقاصد القرارات الدولية المعاصرة ويمكن تبين ذلك في خريطة أهداف التنمية المستدامة التي تبناها المجتمع الدولي في (سبتمبر/أيلول 2015)، وتشير ديباجة وثيقة الأهداف إلى أن الهدف «16 - السلام والعدل والمؤسسات القوية» من أهداف التنمية المستدامة الجديدة، مخصص لتشجيع وجود المجتمعات السليمة الشاملة للجميع تحقيقاً للتنمية المستدامة، وتوفير إمكانية اللجوء إلى القضاء أمام الجميع، والقيام على جميع المستويات ببناء مؤسسات فعالة خاضعة للمساءلة، ويجرى التأكيد في مقاصد الهدف على التوجه في «تعزيز سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي وضمان تكافؤ فرص وصول الجميع إلى العدالة، وإنشاء مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات، وضمان اتخاذ القرارات على نحو مستجيب للاحتياجات وشامل للجميع، وتشاركي وتمثيلي على جميع المستويات، وكفالة وصول الجمهور إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية، وفقاً للتشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية، وتعزيز القوانين والسياسات غير التمييزية لتحقيق التنمية المستدامة».
القراءة المتمعنة لمعادلة تفعيل منهج الحق القضائي في الشأن البيئي المرتكزة على المعايير الدولية الحديثة والملتزمة بمبدأ المساواة والشفافية في معالجة قضايا العلاقة القانونية والمسئولية الاجتماعية في تبني السلوك البيئي الرشيد، تجعلنا نتبين حقائق مخرجات فوائد اعتماد مبدأ العدالة القانونية في نظام المرافعات القضائية، ومعايير التحقيق الجنائي والضبط القضائي في الشأن البيئي، والأثر الإيجابي في بناء علاقة تفاعلية في معادلة المسئولية القانونية في فرض الالتزام بثوابت قيم المسئولية الأخلاقية والقانونية، ومبادئ السلوك الرشيد في العلاقة مع المعالم البيئية.
الوعي الاجتماعي والمؤسسي بمسئولية صون معالم النظم البيئية، وبناء الشراكة المسئولة للمجتمع المحلي في الرقابة والكشف عن المخالفات البيئية، والتزام الشركات والمؤسسات بالمعايير البيئية، والحرص على الكشف عن الأخطاء المهنية التي تتسبب في حدوث الضرر البيئي، جميعها تمثل في جوهر مضامينها مخرجاً فعليّاً بوجوب الالتزام في تبني سياسة قضائية عادلة ومتفاعلة في تطبيق مهنية مبادئ الحق القضائي في الشأن البيئي، وما يترتب عليه ذلك من إرساء قيم العدالة القضائية، وتعزيز ثقة الفرد والمجتمع والمؤسسة بنزاهة القضاء والإنصاف في تحقيق العدالة القضائية، ويؤدي ذلك إلى تعزيز خطط العمل التنفيذي في إنجاز أهداف التنمية المستدامة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5011 - الخميس 26 مايو 2016م الموافق 19 شعبان 1437هـ