أكد عدد من مسئولي القطاع الصحي في كوريا الجنوبية، أن قدرة كوريا الجنوبية التنافسية في مجال تقديم الخدمات الصحية عالية جداً، بل إنها متفوقة على ما توفره دول غربية شهيرة معروفة بكونها مقاصد للسياحة العلاجية. وأشار المسئولون إلى أن كوريا الجنوبية تملك من الخبرات الطبية، عدا عن الأجهزة والتقنيات المتطورة، ما جعلها تتصدر مجال السياحة العلاجية في تقديم علاجات متطورة أهمها علاجات أمراض السرطان المختلفة وزراعة الأعضاء والنخاع وجراحات أمراض القلب.
لكن ما الذي يمكن أن يشجع المرضى من خارج كوريا الجنوبية، على تفضيلها كوجهة سياحة علاجية، عن سواها؟. هل هي المستشفيات والمراكز الصحية المجهزة بأحدث الأجهزة والمعدات الطبية، وهل هو توظيف آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، أم إنها كلفة العلاج المعقولة في هذه المستشفيات؟
طرحت هذا السؤال على مختلف الأطباء والممرضات والموظفين الحكوميين ممن التقيتهم خلال زيارتي لكوريا الجنوبية مطلع شهر أبريل/ نيسان نيسان 2016، وهي زيارة جاءت بدعوة من وزارة الثقافة والرياضة والسياحة في كوريا الجنوبية، وركزت في ثالث ورابع أيامها، على الخدمات العلاجية المميزة المتوافرة في مدينة سول، على الأخص تلك المقدمة للمرضى من جميع أنحاء العالم.
التقيت بدايةً المدير العام لمركز تطوير الرعاية الصحية المختص بدول الشرق الأوسط، وانغ يونغ يو. ويعد المركز جزءاً من مؤسسة كوريا لتطوير الخدمات الصحية «Korea Health Industry Development Institute» التي تعمل تحت مظلة وزارة الصحة.
وانغ يونغ يو، الذي يدير مركزاً يروج للسياحة العلاجية في كوريا الجنوبية، أكد أن القدرة التنافسية العالية التي تملكها كوريا الجنوبية في المجال الصحي، هي بسبب المعدات الطبية المتطورة والخدمات عالية المستوى، مشيراً إلى أن كوريا الجنوبية، تتميز بوجه خاص، في تقديم علاجات أمراض القلب والسرطان وزراعة النخاع.
وأضاف «ما يميز كوريا هو كلفة العلاج التنافسية مقارنة بتلك الموجودة في ألمانيا واليابان وأميركا مثلاً، عدا عن ارتفاع نسبة النجاة بعد الجراحة في كوريا، وهي الأعلى بين تلك الموجودة في الدول المتقدمة، كما أننا أصبحنا في السنوات الخمس الأخيرة، على قائمة الدول التي تقدم أفضل الخدمات الصحية في العالم»، وأكد «على المستوى التقني، نفخر بتطور تقنياتنا العلاجية التي تعتبر الأفضل في العالم».
لماذا كوريا؟
بحسب التقارير التي حصلت عليها من وانغ يونغ يو، حققت كوريا أول جراحة لتغيير شرايين القلب العام 1959، ومنذ ذلك الحين أنقد الأطباء الكوريون حياة الكثير من المرضى في داخل كوريا وفي جميع أنحاء العالم. ومع إنشاء مؤسسة كوريا للقلب، سعت كوريا من خلال تقنيات جراحات أمراض القلب لتطوير حلول جراحية للعيوب الخلقية في القلب. وتشير الأرقام إلى أن معدل الوفيات في كوريا بسبب أمراض القلب التاجية انخفض بشكل كبير منذ العام 1990 بنسبة 60 في المئة، بسبب ذلك.
منذ العام 2000 فصاعداً ارتفعت بشكل كبير عدد جراحات أمراض القلب المكتسبة مثل أمراض القلب التاجية أو أمراض الصمامات، واليوم اكتسبت كوريا شهرة عالمية بسبب مهارة أطبائها في إجراء جراحات القلب المتقدمة بسبب تطور التقنيات التي تستخدمها في هذه الجراحات.
كذلك حققت كوريا الجنوبية أعلى معدل نجاح لعمليات زراعة القلب في العالم، ويبلغ معدل الحياة بعد جراحات أمراض القلب التاجية 99 في المئة على المدى القصير و86 في المئة على مدى الخمس سنوات، وهي نسبة أعلى من أي نسبة أخرى في أي مكان في العالم. ويفخر الكوريون بأن معدل نجاح عمليات الوعاء التاجي لديهم يبلغ 93 في المئة، أما نسبة الوفاة بين مرضى احتشاء عضلة القلب فلا تتجاوز 4.9 في المئة مقارنة بالدول المتقدمة التي تبلغ النسبة فيها 5 إلى 7 في المئة.
وتشير الدراسات أيضاً إلى أن نسبة حدوث مضاعفات سلبية بعد جراحات القلب في كوريا هي 12.7 في المئة وهي أقل بكثير من الموجودة في الدول المتقدمة والتي تبلغ 20 في المئة. كذلك فإن معدلات الوفيات أثناء الجراحة والإجراءات التدخلية لإصلاح العيوب الخلقية في القلب انخفض إلى أقل من 1 في المئة بسبب استخدام علاجات جراحية تدخلية.
ويوجد في كوريا 11 مركزاً لمختلف أمراض القلب أنشأتها الحكومة الكورية، وتوفر هذه المراكز العلاج المناسب لمرضى القلب في مراحله الأولى في الوقت الصحيح كما تعمل على تحسين نوعية العلاج المقدم. بالإضافة إلى ذلك فإن الأبحاث الكورية المستمرة تعمل على تحسين الأداء في هذه المراكز بشكل مستمر.
ومنذ العام 2008، يتزايد بشكل مستمر عدد اختصاصي أمراض القلب الكوريين المدرجة أسماؤهم على قائمة أهم أطباء العالم في هذا المجال، مثل مواقع «Marquis Who’s Who, IBC, Hippocrates».
كذلك حققت كوريا نجاحات كبيرة في مجال الجراحة المفتوحة للقلب على الأخص للأطفال الرضع حديثي الولادة وممن هم دون الوزن الطبيعي، ويعود ذلك للتقنيات المتطورة للغاية المستخدمة في جراحات الأطفال.
أمراض السرطان
يتميز علاج أمراض السرطان في كوريا بارتفاع معدل النجاة من بعض أنواع السرطانات الرئيسة، حتى خمسة أعوام، وهو معدل ارتفع على مدى ثمانية عشر عاماً لتصل نسبته إلى 66.3 في المئة وخصوصاً في حالات سرطان الثدي وسرطان الغدة الدرقية وهما من أكثر أنواع السرطانات شيوعاً حيث وصلت نسبة البقاء على قيد الحياة إلى 91.3 في المئة للثدي و100 في المئة للغدة الدرقية.
ويعد هذا المعدل أعلى من ذلك الموجود في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوروبا واليابان، على الأخص فيما يتعلق بسرطان البروستات حيث تصل نسبة البقاء على قيد الحياة إلى 99.2 في المئة. كذلك تعد كوريا الأفضل في علاج سرطان المعدة، إذ تصل نسبة النجاة إلى 69.4 في المئة مقارنة بـ 27.7 في المئة في أميركا، و25.0 في كندا، و63.3 في المئة في اليابان.
بحسب تأكيدات وونغ يو، يأتي معظم المرضى من منطقة الشرق الأوسط، من دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بناءً على اتفاقية وقعتها الإمارات مع كوريا الجنوبية العام 2012، على أمل توقيع المزيد من الاتفاقات مع دول أخرى في المنطقة من بينها دولتا قطر والكويت. ويشير وونغ يو إلى أن عدد المرضى من الشرق الأوسط بلغ حوالي 5500 مريض تقريباً، من بينهم 27 مريضاً من البحرين يتلقون علاجات مختلفة على نفقتهم الخاصة.
من مركز تطوير الرعاية الصحية المختص بدول الشرق الأوسط، انتقلت لجولة في واحد من أكبر وأقدم المستشفيات الجامعية في كوريا الجنوبية، وهو مستشفى سيفيرانس «Severance Hospital»، وتحديداً مركز الرعاية الصحية الدولية بالمستشفى. يضم المستشفى 5 مستشفيات و7 مراكز متخصصة و16 عيادة، ويستقبل في العام مليون مريض كوري.
ويجري مستشفى سيفيرانس العدد الأكبر من الجراحات الروبوتية في قارة آسيا، كما اكتسب سمعة بكونه المستشفى الأفضل والأشهر لإجراء هذا النوع من الجراحات. وبدأت الجراحات الروبوتية في المستشفى العام 2005، ومنذ ذلك الحين، أجرى المستشفى عشرة آلاف جراحة روبوتية. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 بدأ المستشفى تطبيق نظام دافنشي للجراحة الروبوتية، النظام الأحدث في مجال هذه الجراحة، وهو ما يعد انجازاً فريداً على مستوى العالم.
ويتم تنفيذ الجراحات الروبوتوية في مجال جراحات البروستات والغدة الدرقية وسرطان المعدة وغيرها، وأجرى المستشفى 800 جراحة روبوتية في الغدد الصماء، 600 جراحة في المسالك البولية، 140 عملية جراحة روبوتية لعلاج سرطان المعدة.
في العام 2005 تم طرح معدات طبية حديثة هي آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا مثل الأجهزة المستخدمة في الجراحات الروبوتية وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي. ومع وجود هذه الأجهزة التي تعد الأكثر تطوراً في العالم، أصبح المستشفى متفوقاً على المستشفيات العالمية بعلاجاته المبتكرة وبإجرائه لأكثر من 10 آلاف جراحة روبوتية للمرة الأولى في العالم.
ووظفت هذه الجراحة في حالات خاصة مثل سرطان البروستات، وجراحات الغدة الدرقية وسرطان المعدة وسرطان القولون والمستقيم. بالإضافة إلى ذلك أدخلت التقنية في قسم الأنف والأذن والحنجرة، وفي جراحة القلب المفتوح وجراحة القلب والأوعية الدموية، وفي أمراض النساء والولادة، وفي جراحة الأعصاب. تتضمن نجاحات وإنجازات المستشفي في أن 96 في المئة من مرضى سرطان البروستات الذين يخضعون لجراحات روبوتية يتعافون من المرض.
إنجازات أخرى
يعد المستشفى أول مستشفى يحصل على اعتماد اللجنة المشتركة الدولية العام 2010 وفي 2013، كما حصل على شهادة برنامج الرعاية الطبية في مجال علاج السكتة الدماعية الأولية وذلك في العام 2010. ويمنح هذان الاعتمادان للمستشفيات التي تحقق إنجازات كبيرة في التزامها بتقديم رعاية طبية نوعية وحفاظها على سلامة المرضى. ويعتبر الاعتماد انجازاً مهماً لكوريا أدخل كوريا عهداً جديداً تقدم فيه رعاية طبية عالمية متميزة، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا المستشفى حاصل على التصنيف الأعلى على قائمة مؤشر رضا العملاء الوطني للعام لثالث على التوالي، وذلك في العام 2013.
مركز الرعاية الصحية الدولي
نهاية جولتي في المستشفى كانت في مركز الرعاية الصحية الدولي، المختص بتقديم كل أنواع الرعاية الصحية للمرضى من جميع أنحاء العالم، والذي بدأ عمله العام 1999، ليتم تطويره بعد عام واحد فقط بإضافة مبانٍ جديدة وذلك نظراً للإقبال الكبير على تلقي خدمات المركز من المرضى من جميع أنحاء العالم.
كذلك تمت إضافة خدمات ترجمة لعدد من اللغات وصلت إلى سبع لغات هي الإنجليزية والروسية والمنغولية والعربية والإسبانية والصينية والفرنسية، وذلك لتلبية الحاجات المتزايدة للمرضى وتنوع لغاتهم.
وبحسب هان يونغ كيم، الطبيب بالمركز، استقبل المركز 2500 مريض من دول الخليج العربي منذ العام 2010، يأتي معظمهم من الإمارات حيث تصل نسبتهم إلى 90 في المئة من مجموع المرضى الخليجيين، ويقبل المرضى من الخارج في العادة على الحصول على علاجات أمراض السرطان والقلب وزراعة النخاع.
وأكد أن ما يمكن أن يشجع المرضى من جميع أنحاء العالم الإقبال على تلقي العلاج في هذا المستشفى، بالإضافة إلى الخدمات العلاجية الراقية والخدمات المصاحبة الأخرى التي يوفرها المستشفى، هو كلفة العلاج التنافسية في كوريا مع أوروبا وأميركا، وكذلك مستوى الخدمات الصحية.
وعن المرضى من الشرق الأوسط، قال: «نستقبل الكثير من المرضى من الإمارات، ومستشفانا هو أول مستشفى يستقبل المرضى الإماراتيين، على الأخص من مرضى القلب، الذين ترسلهم الحكومة الإماراتية لتلقي العلاج في كوريا في حال عدم توافره في الإمارات».
مستشفى جامعة سول الوطنية
المحطة الثالثة كانت في مستشفى جامعة سول الوطنية Seoul National University Hospital SNUH وهو أول مستشفى تأسس في كوريا وذلك منذ أكثر من 50 عاماً. ويفخر العاملون في المستشفى بأن تاريخ افتتاح المستشفى يتزامن مع تاريخ الطب في كوريا، وبأن المستشفى الرائد في مجال الابتكارات الطبية في كوريا، وهو الأول في عدد التجارب السريرية المسجلة على قاعدة بيانات معهد الصحة الوطني الأميركي NIH.
ونظراً للطلب المتزايد على خدمات المستشفى من جميع أنحاء العالم تم افتتاح مركز الرعاية الصحية الدولية للمرضى من جميع أنحاء العالم، وهو قسم له شهرة عالمية. وتنتشر في القسم صور لأشهر الشخصيات العالمية التي تلقت علاجها فيه، أهمها المستشار الأسبق هنرى كيسنجر، والسفير الأميركي في كوريا.
وأشار المدير التنفيذي للمركز، الطبيب وانغ وونغ لي، إلى أن المركز، يزوره يومياً 150 مريضاً من جميع أنحاء العالم، وأنه منذ العام 2012 بدأ في استقبال المرضى من منطقة الخليج العربي، على الأخص من دولة الإمارات، إذ تم استقبال 290 مريضاً إماراتياً لحد الآن في العام 2016 فقط و586 مريضاً في العام 2015.
ويضم المستشفى أقساماً عديدة من بينها قسم أمراض السرطان، الذي أسس العام 2014 ويضم أكثر من 500 سرير وتجرى فيه أكثر من 18 عملية جراحية يومياً. ويحتل قسم أمراض السرطان مبنى متعدد الطوابق، يضم أقساماً متخصصة لجميع أنواع العلاجات السرطانية، من بينها قسم للعلاج النفسي وإعادة التأهيل. ويستقبل المركز يومياً 300 مريض مصاب بمختلف أنواع أمراض السرطان.
حاجز اللغة
الممرضة بمستشفى جامعة سول الوطنية قالت إن الحاجز اللغوي يمثل أهم حاجز يواجهه المرضى القادمون من منطقة الشرق الأوسط، لكنها أشارت إلى أن المستشفى يعمل على زيادة المترجمين من وإلى اللغة العربية، وأضافت أنه إلى جانب ذلك يعمل طاقم المركز الدولي بالمستشفى على توفير كل سبل الراحة للمرضى من الدول العربية وذلك بضمان توفير الطعام الحلال في مطعم المستشفى وبتطوير قائمة الطعام بالمستشفى لتشمل الوصفات التي تتناسب مع ذوق المرضى من دول الخليج العربي والشرق الأوسط.
الممرضة ين يونغ بارك من مستشفى سيفيرنس، أشارت هي الأخرى إلى أن حاجز اللغة هو الحاجز الأهم للمرضى من الشرق الأوسط، وأن اختلاف الطعام يأتي ثانياً، مشيرة إلى أن المستشفى يعمل على تدريب الطهاة في مطعم المستشفى على تحضير الوصفات العربية، مستعيناً في ذلك بطهاة عرب، كما أنه تم إحضار بعض المكونات التي تدخل في هذه الأطباق من الدول العربية.
وأضافت أن المستشفى قام بتجهيز غرفة للصلاة في المستشفى، بالإضافة إلى كثير من الكتيبات الإرشادية المكتوبة باللغة العربية، والتي تضم بعض المعلومات المهمة للزوار الأجانب كما تحوي بعض العبارات الكورية المهمة التي قد يحتاجها الزائر.