تجدّد النقاش في المغرب حول وضع الإنجليزية، اللغة الأجنبية الثانية في البلاد بعد الفرنسية، إثر مراسلة لوزير التعليم العالي حسن الداودي، للجامعات ومؤسسات التعليم العالي باعتماد الإنجليزية في مناقشة بحوث الدكتوراه، في وقت لا تزال حصص الإنجليزية قليلة سواء في التعليم الأساسي أو الجامعي بالمغرب مقارنة بحصص الفرنسية والعربية.
وقال موقع قناة "سي ان ان" إنه حضر النقاش ضمن باحثي الدكتوراه بشكل خاص، نظرًا لأن القرار الجديد الذي سيبدأ تنفيذه في سبتمبر/أيلول 2017 يمسهم. وينص القرار على أربعة شروط جديدة لقبول أطروحات الدكتوراه، هي نشر مقالة واحدة على الأقل باللغة الإنجليزية، واعتماد مراجع بهذه اللغة، وكذا إنجاز ملخص للدكتوراه بالإنجليزية، وإشراك أستاذ داخل لجنة المناقشة يتقن هذه اللغة.
وقال الحسين المزواري، طالب باحث والمنسق الوطني للتنسيقية المغربية للدكاترة والطلبة الباحثين إنه رغم الأهمية الكبيرة للغة الإنجليزية في تطوير مؤشر البحث العلمي، إلّا أن القرار الوزاري "كان فجائيًا ومتسرّعًا ولا يستثني الطلبة المسجلين حاليًا في الدكتوراه، فلا يمكن إجبار باحث لم يدرس الإنجليزية بشكل مستفيض أن ينشر مقالًا بهذه اللغة، وكان يجب أن يلزم القرار فقط المقبلين الجدد على التسجيل في سلك الدكتوراه".
وزاد المزواري لـCNN بالعربية أن تعلّم اللغة الإنجليزية لا يرتبط بالباحثين أنفسهم، بل "هو مشكل بنيوي مرتبط بالتخبط في اللغات داخل النظام التعليمي، خاصة مع ضرورة إتقان الفرنسية في جلّ مراحل التعليم الأساسي والجامعي ووجود طلبة لم يدرسوا الإنجليزية أبدًا في مرحلة التعليم الأساسي"، متحدثًا عن إمكانية وجود هدف غير معلن من الوزارة، وهو تأجيل تخرج عدد من الباحثين بسبب أزمة البطالة.
وتابع المزواري أن قرارًا من هذا القبيل كان يجب أن يصحبه إلزاما للجامعات بتقديم تكوينات مجانية ومعمقة للطلبة الباحثين في مادة اللغة الانجليزية، عوض جعلتهم يبحثون عن ذلك في المدارس الخاصة، لافتًا إلى أن الكثير من باحثي الدكتوراه يلزمون بشروط القرار منذ مدة في عدد من التخصصات وفي كليات معينة، غير أن ذلك كان "عرفيًا" وليس محددًا بقرار رسمي كما عليه الحال الآن.
ويستند كلام المزواري على عدم تمكن الكثير من التلاميذ المغاربة من دراسة الإنجليزية لغة أجنبية ثانية في التعليم الأساسي، وذلك بسبب تقسيم كان سائدا فيما مضى، يقسّم التلاميذ في الثانويات العامة إلى صنفين، صنف يدرس الإنجليزية، وصنف آخر يدرس الإسبانية، مع وجود صنف ثالث في حالات قليلة يدرس الألمانية، زيادة على أن عددًا مهما من تخصصات التعليم العالي لا تتوفر سوى على جزء ضئيل للغاية من دروس الإنجليزية، ممّا يحتم على الطلبة الاستنجاد بالدروس المدفوعة أو وسائل أخرى خارج الجامعة.
ويوافق عز العرب العلوي، أستاذ جامعي في مادة السينما، ما جاء على لسان المزواري من كون القرار كان عليه ألّا يلزم الباحثين الذين شرعوا منذ مدة في بحث الدكتوراه، وأن ينحصر فقط على المسجلين في السنوات القادمة، بيد أن العلوي أشار إلى هذا القرار أتى متأخرًا، وأنه كان يجب أن يخرج إلى الوجود منذ مدة طويلة.
وتابع العلوي لـCNN بالعربية أن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم ولغة البحوث الأكاديمية، وأن العديد من باحثي الدكتوراه يعانون في سبيل فهم المراجع الإنجليزية، ممّا يجعلهم يلجؤون إلى ترجمات هذه المراجع دون التحقق من أنها تعبّر حقًا عن الأصل، معتبرًا أن الطبيعي هو أن يتقن طالب الدكتوراه اللغة الإنجليزية ولا يبحث عن المبرّرات للاستغناء عنها.
وزاد العلوي أن معدل دراسة الدكتوراه الذي يصل إلى خمس سنوات أو أكثر يتيح للباحث تعلّم اللغة، وأن هذا القرار الصادر يجب أن يكون بوابة لجعل الإنجليزية لغة أجنبية أولى في المغرب بلد الفرنسية التي وصفها المتحدث بـ"إرث المستعمر"، وبـ"اللغة المفروضة قسرًا على الطلبة والتلاميذ رغم تراجعها العالمي".
ويعدّ قرار الوزارة الجديد جولة جديدة من نقاش قديم-جديد في المغرب حول مكانة اللغة الإنجليزية، إذ أوصى المجلس الأعلى للتربية والتعليم قبل مدة بتدريس ثلاث لغات في التعليم الابتدائي هي الفرنسية والعربية والأمازيغية، ثم الإنجليزية في المرحلة الإعدادية، وذلك في أفق إدخال الإنجليزية هي الأخرى إلى التعليم الابتدائي.
وظهرت في السنوات الأخيرة عدة مطالب في المغرب تنادي بتوجه أكبر نحو الإنجليزية وجعلها لغة أجنبية أولى بدل الفرنسية، غير أن هذه المطالب تصطدم باستمرار الحضور القوي للفرنسية في الاقتصاد ولدى النخب السياسية والاقتصادية، في حين تظهر مطالب أخرى تحث على اهتمام أكبر باللغتين الرسميتين، أي الأمازيغية والعربية.