على ذات المعاناة التي يحملها عنوان ديوان الشاعر حسين السماهيجي «دم على حافة البياض» التي تولد من رحم الواقع، وخارطة غلاف الديوان المرتبطة بذلك العنوان، كانت التساؤلات التي طرحها حضور ندوة ملتقى المحروس الثقافي تبحث هي الأخرى عن جوانب الغموض في الديوان.
وتحدث الناقدان علي فرحان وكريم رضي في الأمسية التي نظمتها اللجنة الثقافية بأسرة الأدباء والكتاب مساء الأحد (22 مايو/ أيار 2016) بملتقى المحروس الثقافي بشارع باب البحرين، وقدما قراءتهما النقدية للديوان بعد أن استهلَّ الشاعر السماهيجي الأمسية بمختارات من نصوص الديوان اختار منها قصيدة: «وطن.. إخوته يوسفيون جدّاً»، ومنها: «لنا وطن لا يكف عن النزف.. إخوته يوسفيون جدًّا.. وآباؤه أنبياء.. لنا وطن منذ عشرين قرناً يفتش عنا.. لنا وطن عينه مطفأة.. وأحلامه في القصيدة لما تزل مرجاة».
ويدخل الناقد علي فرحان في غربة الذات وغربة الوطن التي يعيشها الشاعر، ففي عدة نصوص تقع ذات الشاعر في الغربة وأحيانًا تكون غربته كغربة النص ليثير سؤال الهوية، وهذا السؤال يتمثل قلقًا ممتدًا في ثنايا الديوان ليرسم الألم والمعاناة المستفيضة التي سرعان ما تنافح عن نفسها في جودات نصية عميقة تجمع بين الإبداع ومتانة الصورة وعمق المعنى، بما يبدو أن الشاعر يؤسس لمفهوم الهوية من خلال حب الوطن الذي تمثل كمعشوقة يغني لها الشاعر، وبرغم هذا الحب، يبقى الشاعر وحيدًا ينزف جراحاته ويتمسك بحقه في الوجود وفي امتداده... تاريخه... عطائه... أجداده... وهو عمق الامتداد والتاريخ وأصالة الانتماء لتراب الوطن، وعمق لا يخلو من المعاناة والألم والصراع تجاه تلك الهوية.
ومع أن النص كتب في العام 2009 لكنه يحكي العام 2011 وما بعده، حتى أن الشاعر الذي ارتبط بمدينة (القيروان) في مرحلة تحضيره لشهادة الدكتوراه، كانت تنبئه بأنها الفتح الجديد فكانت كذلك لما تكتنزه من تاريخ، فهي في الماضي بوابة الفتح للعالم الإسلامي.
ويربط فرحان بين نعي الشاعر للوطن الذي «سيبقى في مخلب الورقة» وبين قميص «يوسف (ع)، حيث تحضر قصته وإخوته في الديوان بقميص عليه دم كذب كشهادة على أكذوبة من أكاذيب التاريخ.
أما الناقد كريم رضي، فيستعيد دواوين الشاعر السماهيجي الستة، فيدخل من بوابة «لغة الشاعر» التي تعبر عن أسلوب ولع يقاوم النهج السائد، فالجمال في القول هو غاية الشعر، وإذا ما مزجت بنية ومضمون الشعر بين المتخيل والواقعي، فنحن أمام إنجاز أسلوبي في دم على حافة البياض. وتحت عنوان الكتابة المقاومة في قراءته للديوان، يشير رضي إلى أن الكتابة لا يمكن أن تكون مقاومة إلا أن تكون «ما بعد حداثية»، لافتًا إلى العبارة النمطية التي يكررها بعض الشعراء: «أنا لا أكتب القصيدة.. بل القصيدة هي التي تكتبني»، وهي من وجهة نظره لا تناسب الشاعر الحقيقي الذي يقود صراعًا في معركة كتابة القصيدة للسيطرة عليها، فهي تشبه سيطرة الصياد الذي يرخي عنان صيده ثم «ينتره نترةً فتعلم أنه من سماهيج.. حيث رأس ريه».
ويرى أن فلسفة الشعر تجعل النص خلاصة الشعر المركز، وفي نصوص «دم على حافة البياض» تأتي القصيدة كأنها جديدة بعد كل بيت، لا هادئة ولا هانئة، وفي دموية صاخبة تعيد الولادة لمقاومة الموت بالحياة.
العدد 5008 - الإثنين 23 مايو 2016م الموافق 16 شعبان 1437هـ