تتكرّر دعوات الساسة الأميركيين من الحزب الجمهوري لكَسْر «الاتفاق النووي» الذي وقّعته الدول الكبرى مع إيران في صيف العام الماضي. تبشيرهم هو أنهم سيسعَون إلى تقويضه، أو على الأقل إلى تعديل بنوده كي يكون أكثر صرامةً مع إيران التي يرون أن الإدارة الحالية في البيت الأبيض منحتها فرصاً سيا/اقتصادية كبيرة نتيجة لتلك الصفقة دون مراعاة للأمن القومي الأميركي.
الحقيقة أن هذا الاتفاق بين إيران والغرب يُمكن أن يكون «وديعة أوباما» لأميركا طيلة 15 عاماً قادمة كي تأمن إيران «مُقلَّمة» وأن تبور مساعيها للحصول على سلاح نووي. وعلى رغم ذلك فإن الإدارة الأميركية التي استطاعت أن تُبرِم هذا الاتفاق مع إيران نهاية يونيو/ حزيران 2015 تواجه ضغوطات من المؤسسة التشريعية في الولايات المتحدة لدفعها نحو انتهاج سياسات متشددة تجاه إيران.
ومؤخراً استُقطِع مبلغ مليار و650 مليون دولار من الأموال الإيرانية المجمّدة في البنوك الأميركية نتيجة قيام المحكمة العليا الأميركية بإلزام إيران بدفع ذلك المبلغ لأسر ضحايا تفجير ثكنة المارينز في بيروت العام 1983 وهجمات أخرى اتُهِمَت فيها طهران.
هذه السياسات دفعت بالمتشدّدين في البرلمان الإيراني (ونواب آخرين أيضاً) ليُصبح صوتهم مسموعاً، ويوجّهوا مزيداً من اللوم لحكومة الرئيس حسن روحاني فيما يتعلق بـ «سلطة» الاتفاق النووي على تلك السياسات الأميركية. وقد صرّح رئيس اللجنة النووية في البرلمان الإيراني إبراهيم كارخانه إي أن «إجراء التخصيب بنسبة 20 في المئة سيكون رد طهران على الأموال الإيرانية المصادرة من قِبَل» الولايات المتحدة فضلاً عن اتخاذ إجراءات من شأنها حجز أموال أميركية كردّ مماثل.
يعتقد البعض أن هذه السياسات المتبادلة من شأنها أن تهزّ المثلث المتوازي النسب (والذي بفضله تمّ إبرام الاتفاق النووي). لكن هل هذا ممكن في ظل الملاحق القانونية التي أكّد عليها الاتفاق والتي تنصّ على أنه مُحصّن لـ 15 عاماً، أي أنه ينقضي في يونيو من العام 2030؟
إن هذا الأمر جِدّ مهم لمناقشة ما يجري. فالأطراف التي وقعت الاتفاق كانت قد وضعت في حساباتها تغيُّر الإدارات السياسية التي قد تأتي إلى البيت الأبيض في واشنطن والقصر الجمهوري في طهران على حدّ سواء. فبالمقدار الذي كانت فيه إدارة أوباما متخوفةً من أن يأتي متشددون إلى الحكم في إيران بعد انتخابات الرئاسة القادمة في يونيو 2017، كان للإيرانيين خشية من أن يحصل ذلك في واشنطن بعد نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. لذلك وُضِعَت ضوابط تضمن بقاء الاتفاق بمداه المتفق عليه، ما خلا بعض الأمور التي تُرِكَت لـ «هامش» السياسات المتغيرة القائمة ركيزتها على العقوبات الأميركية المنفردة، إلاّ أن صلب الاتفاق باقٍ. إلاّ أن ذلك «الهامش» وإنْ كان هامشاً، إلاّ أنه هو كعب أخيل الثقة في الاتفاق النووي. كيف؟
عندما بدأت المفاوضات تتقدّم بين طهران وواشنطن، قالت الأخيرة أنها ستُعالج مسألة العقوبات الأميركية المنفردة التي كانت تُقرّها وزارة الخزانة الأميركية ضد إيران. فهذه العقوبات عادةً ما تحكمها «النوايا والتوجّسات» في مسألة التعامل التجاري مع طهران، كون النظام المصرفي الإيراني منغلق وغير مفتوح ما يُمكِّن أطرافاً في إيران وفي طليعتها الحرس الثوري، لأن يستثمروا عدم الوضوح في التعاملات البنكية لتمويل أنشطة تراها واشنطن بأنها «محظورة».
هذا الموقف الأميركي هو ما تتوجّس منه البنوك والشركات الأوروبية التي تتقدّم خطوةً وتتراجع أخرى فيما خصّ التعامل مع النظام المصرفي الإيراني، خشية وقوعها في فخّ العقوبات الأميركية.
وقد أشار إلى ذلك روجر كوهين في الـ«نيويورك تايمز» قبل أيام حيث ذكر أن كثيراً من البنوك الأوروبية قد تكبَّدت خسائر فادحة نتيجة تلك العقوبات الأميركية، والتي بلغت في مجملها 12 مليار دولار في بحر 4 سنوات. وهو ما يجعل من عملية قياس الربح بالخسارة بالنسبة للأوروبي مع الجانب الإيراني مسألة غير متوازنة، إذْ تذهب الأرباح جُلها للغرامات التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية.
نعم، استطاعت شركات أوروبية وأميركية عملاقة من إبرام «صفقات القرن» مع الإيرانيين كـ«أيرباص» و«بوينغ» التي يبدو أمر مسارها القانوني صحيحاً، لكن الحديث هو بشأن مسائل تجارية أكثر تنوعاً من صفقة طائرات.
إلاّ أن التطور الجديد اللافت الذي حصل قبل أيام (الجمعة 20 مايو/ آيار)، هو أن بياناً مشتركاً لكل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا صدر بعد مباحثات في بروكسل جاء فيه: «إن اهتمام الشركات الأوروبية والأخرى العالمية في إيران كبير، وأن هناك فرصاً اقتصادية كثيرة لإقامة أعمال» في إيران وأن «القوى الغربية تشجّع مصارفها ومؤسساتها الخاصة على تنمية أنشطتها» هناك، في خطوة تطمينية للشركات الغربية التي كانت تخشى من عقوبات وزارة الخزانة الأميركية.
وقد سبق «بيان الجمعة» اجتماع عُقِدَ الأربعاء، جَمَعَ المنسقة العليا لشؤون السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بوزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظرائه البريطاني فيليب هاموند والفرنسي جان مارك أيرولت والألماني فرانك فالتر شتاينماير لمناقشة الأمر.
الحقيقة أن اجتماع «الأربعاء» وبيان «الجمعة» في بروكسل هو باعتقادي «المكمِّل الجديد» للاتفاق النووي في جانبه الاقتصادي، والذي تنظر إليه إيران على أنه «الأهم» بالنسبة لها، نظراً لارتباطه بالتحسن المعيشي وزيادة النمو وتقليل التضخم، بذات المقدار الذي كانت تنظر فيه الولايات المتحدة إلى الجانب التقني في الاتفاق على أنه «الأهم» بالنسبة لها.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5007 - الأحد 22 مايو 2016م الموافق 15 شعبان 1437هـ
اللهم انصر المسلمين الفقاره على اليهود والنصارى
Thanks Mohammad ..... Great artical