يعتبر غياب قطاع خاص متطور خارج القطاع النفطي، أحد أبرز أسباب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها إقليم كردستان - العراق، ولكن لا يمكن تنفيذ المبادرات والسياسات الهادفة إلى تطوير القطاع الخاص من دون إجماع سياسي لسنّ قوانين لحماية بيئة العمل التجاري الحر، ومن دون الاستمرار في تخصيص المبالغ اللازمة لتشجيع العمل التجاري، خصوصاً المشاريع التجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة، التي تحتاج مُنتجاتها ترويجاً في أسواق الإقليم، الذي يستورد معظم بضائعه ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "الحياة" اليوم الأحد (22 مايو / أيار 2016).
وأشار تقرير أصدرته «مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث» (ميري) في أربيل إلى «الحاجة إلى تشجيع برامج التمويل الصغيرة كبديل من القطاع المصرفي غير الفعال، وأن يكون كُل ذلك مُرفقاً بتسهيل مساهمة القطاع الخاص في تقديم الخدمات العامة في قطاعات الصحة والتعليم وشبكات المياه والطاقة الكهربائية، التي تعاني غياب المنافسة وسوء الجودة».
ولفت إلى أن «معدلات الاستثمار هبطت نحو 30 في المئة مقارنة بالسنوات الخمس الماضية، إذ تُشير بيانات عام 2015 إلى أن إجمالي الاستثمارات في الإقليم بلغ 10 في المئة مقارنة بعام 2013، مع الإشارة إلى أن المشاريع الاستثمارية المُصدقة عامي 2013 و2014 غير قابلة للتنفيذ في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية».
وأضاف: «تسبب هذا الانهيار في سوق العمل بارتفاع البطالة في شكل ملحوظ في القطاع الخاص، فبعدما استقرت النسبة عند 8 في المئة وفقاً لبيانات تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، تضاعفت اليوم إلى نحو 16 في المئة بين فئات الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و28 عاماً، وفق التوقعات الرسمية لمؤسسة إحصاء كردستان».
وأدى هذا الضعف الشديد في القطاع الخاص، إلى جانب ما يعانيه القطاع العام أيضاً، إلى بدء «اختفاء الطبقة الوسطى» من المُجتمع الكردستاني. فالعجز عن دفع الرواتب للموظفين الحكوميين، إلى جانب ضعف قدرة القطاع الخاص على تشغيل العاطلين من العمل وضخ الأموال، أدت إلى تراجع القوة الشرائية والاستهلاكية للعائلات.
وأظهرت إحصاءات أجريت بين كانون الثاني (يناير) ونيسان (أبريل) 2015، أن نفقات الطبقة الوسطى تراجعت بين 11.4 و14.4 في المئة شهرياً خلال أقل من 4 أشهر، بينما يتراجع المؤشر ذاته ضمن طبقة الأغنياء بنحو 0.3 في المئة فقط.
ولم يُحلل التقرير فقط الوقائع التي تُشير إلى ضعف القطاع الخاص وأسبابه ودوره البارز في الأزمة الراهنة، بل وضع عدداً من التوصيات يجب على حكومة الإقليم إتباعها ليتمكن القطاع الخاص من لعب دور إيجابي في العملية الاقتصادية. ومن بين هذه التوصيات إتاحة الخدمات وفتحها أمام القطاع الخاص، فمُساهمته في مجالات التربية والصحة والمرافق العامة، أدت إلى زيادة مستويات الخدمات المُقدمة، لكن المُشكلة في هذا الإطار كانت في التشريعات والأنظمة التي وضعت منذ عقود، ما عرقل تنامي المُنافسة الحرة في ما بينها ومع القطاع الحكومي، ما حدّ من جودة الخدمات العامة وكفاءتها.
وطالب التقرير بتحسين «الحوافز المُشجعة على العمل في القطاع الخاص، لأن ذلك يؤدي إلى خفض العدد الكبير من الموظفين المدنيين العاملين في القطاع العام، حيث تمتص رواتبهم الجزء الأكبر من الموازنة العامة بما نسبته 70 في المئة». ويسعى معدو التقرير إلى وضع آليتين مُتكاملتين لخلق ديناميكية لاستيعاب القطاع الخاص فائض الموظفين من القطاع العام، الأولى تؤكد أهمية مسودة القانون الذي نوقش في البرلمان ويهدف إلى إنشاء نظام عام للتقاعد والضمان الاجتماعي لكلا القِطاعين، وبحوافز وفوائد لموظفي القطاع الخاص، ما سيعزز جاذبيته.
وقد يكلف هذا المشروع الموازنة العامة نحو بليون دولار، ولكنه يُعتبر استثماراً بحد ذاته ستظهر نتائجه خلال السنوات المقبلة. والآلية الثانية تتمثل في استمرار البرنامج الذي بدأته حكومة الإقليم قبل سنوات ويتيح لموظفي القطاع العام الالتحاق بالقطاع الخاص، وأن يكون غيابهم على شكل أجازات مقطوعة الراتب، يُسمح بها حتى ثلاث سنوات.
وطالب التقرير بأن يُطبق ذلك البرنامج ويُعزز من خلال تقويم نتائجه ورفده بآليات تُساعده في تعزيز دوره في خفض عدد الموظفين في القطاع العام، الذين تجاوزا 1.25 مليون موظف في الإقليم، ونحو 6 ملايين في العراق.
وأشار التقرير إلى أن «كل الخطوات ستبقى جزئية ومحدودة الفاعلية، ما لم تسنّ قوانين جديدة تستند إلى إجماع سياسي يخلق بيئة عمل أكثر حُرية. فكل الإجراءات السابقة التي كانت تستهدف جذب المُستثمرين، كانت تصطدم بقوانين وأنظمة معقدة».