في حديث للمؤرخ الألماني ميشائيل بورغولتِه، نقله موقع «قنطرة»، قال «إنّ العلماء المسلمين ساهموا إسهاماً أساسيّاً في نقل الفلسفة والعلوم اليونانية إلى أوروبا اللاتينية». وشدد الباحث الألماني على إسهامات العلماء المسلمين - مثلاً في بغداد وفي إسبانيا المسلمة - في نقل العلوم اليونانية إلى العربية وترجمتها إلى اللغات اللاتينية قائلاً: «لولا الإسلام لما كان لدينا نظام المدارس والجامعات الموجود في العصر الحديث».
في العصور الوسطى، والتي استمرّت ما بين 500 و1500م، كانت أوروبا غارقة في عصور وُصفت بالظلام، وكان العالم الإسلامي آنذاك يحتوي على مختلف الأفكار والعلوم، وبعضها وجد طريقه إلى أوروبا، مثل كتب ابن سينا وابن رشد، وغيرهما. والملاحظ أنّ الكثير من الفلاسفة الذين تأثر بهم الغرب، واستعان بما ورد في كتبهم للخروج من عصور الظلام، كانوا مرفوضين في مجتمعاتهم الإسلامية، بل إنّ العالم الإسلامي كان يتجه نحو تحريم الفلسفة.
حاليّاً، فإنّ الحركات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام منهجاً انتقلت لتؤثر على أوروبا ولكن بالمقلوب، عبر نشر الرعب والإرهاب، وأصبح القتل هو الماركة المسجلة التي يسعون إلى ربطها بالإسلام. ففي حين كان الغرب يتأثر في العصور الوسطى بالأفكار العقلانية للمسلمين، أصبح غير المسلمين يقلقون من أولئك الذين يلبسون رداء الإسلام ثم يتوعّدون بالقتل والعبث بأرواح وممتلكات الناس.
غير أنّ بعض المؤشرات مؤخراً تعطي صورة أخرى؛ فجاذبيّة القوى الإرهابية تهبط في مقابل جاذبيّة أنواع أخرى من المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من البشر، ويسعون إلى المشاركة الإيجابيّة في تنمية المجتمعات سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً عبر الاندماج في الحياة العامّة، وضمن الأطر الحضارية. نرى كيف أنّ انتخاب صادق خان لمنصب «عمدة لندن» قد تحقق رغم التشويش، ونرى كيف أنّ حركة النهضة في تونس اتخذت خطوة جريئة لتصبح أول حزب له جذور عميقة في الحركة الإسلامية على مستوى العالم ينتقل من تنظيم عقائدي يجمع «الإسلاميين» إلى تنظيم مدني يجمع الملتزمين بالديمقراطية، مع احترامه للخلفية الثقافية الإسلامية، وذلك على نهج الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا. وعليه، فإذا كانت أوروبا استفادت من المسلمين للخروج من عصور ظلامهم، فلربما نستفيد من أوروبا للخروج من عصور ظلامنا.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5006 - السبت 21 مايو 2016م الموافق 14 شعبان 1437هـ