العدد 5005 - الجمعة 20 مايو 2016م الموافق 13 شعبان 1437هـ

ثقافة «ريّ الأرض»: طريقة الريّ بالتسكير

السكرة مازالت تستخدم حتى يومنا هذا (Rudolf and alzekri 2014)
السكرة مازالت تستخدم حتى يومنا هذا (Rudolf and alzekri 2014)

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

تناولنا في الحلقة السابقة طرق الريّ من الآبار الارتوازية والتي تخصّ في الغالب، أرضاً زراعية واحدة، أو مشتركة بين أراضٍ صغيرةٍ مشتركة، وبالإضافة للآبار الارتوازية، كانت هناك أراضٍ زراعية تسقى من العيون الطبيعية، وتكون مياه العيون الطبيعية ملكاً للجميع، يستفيد منه من يريد. إلا أن المياه تقسم حسب قوانين (سبق أن تناولناها بالتفصيل) تنظم عملية ريّ كل أرضٍ بحسب مساحتها واحتياجاتها، على أن يتكفّل كل من يستخدم العين بصيانتها ودفع رسوم للقائم عليها.

ويتم تقسيم وقت العين اللازم لريّ أرض معينة بوحدة زمنية تسمى «وضح»، والوضح في اللغة هو الضوء، جاء في معجم تاج العروس (مادة وضح): «الوضَحُ، محرّكة: بَياضُ الصُّبْحِ، وقد يراد به مُطلقُ الضِّوْءِ». ويقصد بالوضح عند العامة في البحرين «نصف يوم»، إما من طلوع الشمس حتى غروبها أو من غروب الشمس حتى نصف الليل الأول، ويكون لكل عين وضحان في اليوم، أي أربعة عشر وضحاً في الأسبوع (Serjeant 1993).

وفي العادة، فإن مياه العيون توزّع على الأراضي الزراعية الكبيرة والتي تحتاج لكميات كبيرة من المياه، أما الأراضي الصغيرة والتي تقع بجوار هذه الأراضي الكبيرة، فإن كانت احتياجاتها المائية قليلة فهي تستخدم مياه الذوب ومياه المنجيات.

مياه الذوب وعملية الريّ بالتسكير

تعتمد طريقة الري بالتسكير على سدّ الساقية الرئيسية التي تتجه باتجاه أرض زراعية معينة؛ وذلك ليتم تحويل المياه لساقية أخرى، وبالتالي توجيه المياه فيها لأرض زراعية أخرى، حتى داخل المزرعة الواحدة يتم توزيع الماء فيها عن طريق التسكير. وتسمّى هذه الطريقة بالهد والربط، والهد أو الهداد هو ترك الماء يجري في السواقي دون أن يوقفه شيء، أما الربط فهي عملية سد السواقي، ويتم ذلك باستخدام ملابس قديمة تعرف باسم «السكرة»، وتسمى عملية السد بالسْكار، وهذه اللفظة وردت في اللغة الأكدية سَكارُ أو سِكيرُ بنفس المعنى (CAD 2000, v. 15, pp. 74 & 210)، وهي كذلك في اللغة الآرامية، ويرجح Holes أن أصل اللفظة أكدي (Holes 2002).

ومن مسميات السكرة، أيضاً، الكراريف أو الضريب، وهناك عدة قوانين تم التعارف عليها تتضمن السكرة، منها أن السكرة توجد دائماً بالقرب من مكان التسكير ولا يجوز أخذها، أو الأخذ منها أو استبدالها بأخرى(Serjeant 1993) .

يذكر، أنه خلال عملية الهد والربط، يكون هناك أحياناً، فائض في المياه، أي تبقى بعض المياه في الساقية وهي تسمى مياه «الذوب» أو «هدة الساقية» أو الشواخل، وهذه إما أن تكون لشخص بعينه أو تكون شراكة بين الجماعة المشتركين في العين، ولا يحق لأحد التصرف فيه، هذا ما نص عليه أحد قوانين الري المتعارف عليها سابقاً (Serjeant 1993)، ونصه كالآتي: «إذا كان نخيل يسقى من الذوب، خاصاً له، فليس لأحدٍ أن يتعدى عليه، إلا إذا كان له شراكة فيه، وكيفيته إذا كان الماء في وقت معين إلى نخل معين في أي يوم من الأسبوع فبعد انتهاء سقي النخيل وصار الماء إلى غيره فيكون فاضل الماء يسمى ذوب أو هدة الساقية كذلك الشواخل التي من وراء سكار النخيل والمياه التي تأتي من المنجيات كل ذلك يسمى ذوب، ويمكن أن يكون النخل واحداً أو أكثر بالشراكة فيها بين النخيل».

ولفظة الشواخل مشتقة من الجذر العربي «شخل»، إلا أن العامة تصرّفت أكثر في اللفظ، وطوّرت من الجذر عدة ألفاظ، منها الشخيل أو ماء المشاخيل، أي الماء الذي يتسرّب من السكار الذي يوضع في الساقية، ومنها عمّم على الماء الذي يتقاطر من قطعة القماش المبلولة بالماء، ومنها الفعل «يشخل» بمعنى يتقاطر.

مياه المنجيات

المنجيات جمع والمفرد منجى، وهو مجرى مائي يحمل الماء الزائد من الأرض الزراعية ويتجه للبحر، وقد سُمّي بالمنجى لأنه ينجي الأرض من الغرق. والبعض يطلق عليه مسمى «ساب» من باب التعميم، فالاسم «ساب» يعمّم على الساقية والمنجى، وبهذه الصورة تصبح لفظة «ساب» بمعنى قناة محفورة في الأرض يمر فيها الماء.

ومثلما للساقية حزمة قوانين منظمة، كذلك للمنجيات قوانين منظمة وردت في قانون ري النخيل (Serjeant 1993)، منها ما ينظم حفر المنجيات وأماكنها، فلو «صار زيادة في الماء عند ملاك النخيل وليس بجواره أرض خالية لأجل تخريج الماء الزائد وبجواره نخيل أو أرض مملوكة فيجب على صاحب الملك المجاور أن يسمح له بحفر منجى في أطراف ملكه من إحدى الجهات التي يختارها مالك النخيل أو الأرض والمصاريف على طالب المنجى».

كذلك توجد قوانين تمنع دفن المنجيات أو العبث بها، فـ»إذا كانت ساقية أو منجى أو ساب داخل نخيل مملوكة أو خارجاً عنها في أرض مملوكة فيجب على مالك الملك الذي فيه هذه الساقية أو المنجى أو الممر ألا يحدث فيها أي ضرر كالدفن أو التضييق أو رمي بعض الأشياء كالكرب أو السعف أو الليف وغيرها، فإذا حدث فيها شيء مما ذكر فهو ملزوم بإزالة ما أحدثه من ضرر لأنه هو المسئول عنه».

وقد يوجد أحياناً، من يستفيد من مياه المنجيات في ريّ أرضه، ويسمى هذا الشخص «صاحب الجادي»، وهذا الشخص له حق التصرف في سد المنجيات القديمة بدون ضرر على النخيل التي تنجى (Serjeant 1993).

الخلاصة، أن هناك قوانين تنظم طريقة الشراكة في مياه العيون، وهذه القوانين دقيقة جداً في عملية التوزيع؛ بحيث أنها لا تفرط حتى في قطرات الماء التي تتسرب من السكار.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً