يوجد سوبر ماركت واحد فقط في مخيم الأزرق للاجئين في الأردن.
إنها مساحة كهفية مكتظة بالحشود ومكدسة بالعلب والصناديق. تستعرض سبها، وهي أم لستة أطفال جاءت إلى هنا من حلب قبل أربعة أشهر، البقول المعلبة والبيض والأرز والخضروات الطازجة المتراصة على الرفوف وتجلس على حصصها الغذائية الشهرية المكدسة أثناء اصطفافها انتظاراً لدفع ثمنها.
ولكن سبها لا تُخرج نقوداً من حقيبتها عندما تدفع. إنها تنظر ببساطة إلى آلة سوداء صغيرة، وتشتري البقالة باستخدام عينيها فقط.
تستخدم سبها نظام مسح قزحية العين الجديد الذي تم تدشينه للتو في مخيم الأزرق، الذي يضم نحو 30,000 لاجئ سوري في الصحراء الأردنية.
تأخذ تلك الآلة قراءة مفصلة لعينيها، وتضاهيها بمئات الآلاف من السجلات، ومن ثم تقتطع فاتورة بقالتها من إعانتها الشهرية من برنامج الأغذية العالمي. إنها تقنية رائدة نسبياً، وهي الآن الوسيلة القياسية لتوزيع المساعدات الغذائية في منطقة الأزرق.
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الأردن شذى المغربي: "إنها المرة الأولى ليس فقط بالنسبة للاجئين، ولكن بالنسبة لنظام التسوق بأكمله وقطاع تجارة التجزئة". وسوف تُستخدم الماسحات الضوئية قريباً في مخيم الزعتري، أكبر مخيم للاجئين السوريين في الأردن، ومن المأمول استخدامها في محلات السوبر ماركت في المناطق الحضرية أيضاً، حيث يستخدم 85 بالمائة من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في المدن الأردنية بالفعل نظام الماسحات الضوئية لقزحية العين من أجل سحب الإعانات النقدية من أجهزة الصرف الآلي.
ولكن ليس كل اللاجئين مقتنعين بقيمة هذه التقنية، إذ ترى سبها أنها في الواقع تجعل التسوق أكثر عناءً - كما أن المدافعين عن الخصوصية يشعرون بالقلق إزاءها.
وفي السياق نفسه، قال إريك توبفر من المعهد الألماني لحقوق الإنسان: "حقيقة الأمر أنه نظام قوي جداً. إذا لم يتوقف [استخدام البيانات] عند [توزيع المساعدات] وتم تقاسمها بصورة أكثر تحرراً واستخدامها بسيطرة أقل أو بدون ضوابط ... فإنها يمكن أن تتسبب في أذى".
تقنية جديدة، مشاكل جديدة
إن شبكة بيانات القياسات الحيوية، التي أصبحت الآن جزءاً طبيعياً من الحياة لأكثر من 600,000 لاجئ سوري مسجل في الأردن، هي التي تتيح لسبها التسوق.
يتم تخزين مسح القزحية، الذي يتم إجراؤه عند تسجيل اللاجئين في البلاد، في قاعدة بيانات تحتفظ بها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويُستخدم للتحقق من هوية الأفراد عندما يطلبون المساعدة من المفوضية، وفي الآونة الأخيرة، تستخدمه وكالات الأمم المتحدة الأخرى مثل برنامج الأغذية العالمي.
والجدير بالذكر أن هذا النظام له فوائد كبيرة تميزه عن البطاقات التي سيحل محلها. كما أن الحد من استخدام المستندات الورقية عن طريق ربط المستفيدين مباشرة بالإعانات النقدية التي يحصلون عليها هي طريقة أكثر أمناً لتسليم المساعدات تضمن استخدامها فقط من قبل الأشخاص المخصصة لهم.
وقالت المغربي أن ردود فعل اللاجئين في مخيم الأزرق كانت إيجابية بشكل عام، وكانت هناك مزايا خاصة لكبار السن.
"إنه يزيل المتاعب ووقت الانتظار، ولا يمكن ... أن يضيع مثل البطاقات،" كما أفادت.
مع ذلك، فإن اللاجئين أنفسهم في السوبر ماركت لا يبدون مقتنعين على الإطلاق.
أفادت سبها أن نظام مسح العين جعل حياتها أكثر صعوبة، وليس أقل. "أنا حامل، وأخشى على طفلي الذي لم يولد بعد،" كما أوضحت، مشيرة إلى الفوضى التي تعم السوبر ماركت.
ولتحديدها ربة الأسرة المسؤولة عن المال، فإنها الوحيدة التي يمكنها الحصول على الإعانة النقدية الشهرية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي عن طريق مسح قزحية عينيها.
"إنني أُفضل أن يذهب ابني لإحضار المواد الغذائية بدلاً مني، لكنه لا يستطيع بسبب الماسح الضوئي للقزحية. وأختي تعاني من نفس الوضع. لديها ستة أطفال وكلهم صغار، ولكنها تضطر لأخذهم إلى السوبر ماركت عندما تذهب لإحضار الطعام،" كما أوضحت.
وقد أصبح تظلمها موضوعاً مشتركاً بين المتسوقين الآخرين، ويقول كثيرون أنهم يفضلون البطاقات القديمة، التي كانت تسمح لهم بمزيد من الحرية للتعاون مع الأصدقاء ومناشدة أفراد الأسرة قضاء المهام نيابة عنهم. وحقيقة أن الوصول إلى السوبر ماركت الوحيد في مخيم الأزرق يستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً تجعل الوضع أكثر صعوبة.
ورداً على تلك الانتقادات، قالت المغربي أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل مع نظام المسح الضوئي لقزحية العين يمكنهم أن يطلبوا عدم استخدامه، أو نقل الحساب إلى قزحية أحد أفراد الأسرة.
لكن لا يبدو أن اللاجئين الذين يقومون بالتسوق على دراية بهذا الخيار. وتشير المغربي أيضاً إلى أن نقل القسائم من شخص إلى آخر هو أحد الأشياء التي يسعى النظام لتجنبها.
عندما تكون الإيجابيات هي السلبيات
ليست هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن تتحول القياسات الحيوية إلى عائق.
إن أفضل ميزة تتمتع بها تقنية المسح الضوئي للقزحية هي أنها تسمح للاجئين بإثبات هويتهم من دون أن يحملوا وثائق، وبالتالي يحصلون على الخدمات والمساعدات بشكل آمن. ولكن هذا هو أيضاً ما يجعل احتمال حدوث تجاوزات أو أخطاء أمراً شديد الخطورة.
من جانبه، يشعر إريك توبفر، الباحث في المعهد الألماني لحقوق الإنسان، بالقلق إزاء احتمال أن تحصل جهات فاعلة غير مخولة على معلومات عن اللاجئين، أو أن يتم التفويض باستخدام قواعد البيانات لأغراض جديدة، مثل مكافحة الإرهاب أو تتبع الهجرة.
"نظراً للرغبة المتزايدة لدى الأجهزة الأمنية لمطابقة قواعد البيانات الموجودة من أجل منع سفر" المقاتلين الأجانب" في جميع أنحاء العالم، فإنني أتوقع مخاطر أن يجتذب بناء قاعدة البيانات الضخمة من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اهتمام تلك الجهات،" كما أوضح توبفر.
وبالفعل، فقد حذر رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية في ألمانيا من أن ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية سيرسل مقاتلين متنكرين في صورة لاجئين إلى أوروبا، ولذلك فمن السهل أن نتصور أن وكالات الاستخبارات الأوروبية تود أن تضع أيديها على قاعدة بيانات كهذه.
"بمجرد أن يتم السماح بخروج بيانات اللاجئين من صندوق باندورا وتداولها داخل مجتمع الاستخبارات، أشك في أن يتمكن اللاجئون المتضررون في أي وقت من استعادة السيطرة، وهذا قد يشكل مخاطر جسيمة على المدى الطويل إذا ما وقعت البيانات في أيد غير أمينة،" كما أفاد.
وتجدر الإشارة إلى أن فولكر شيمل، أحد كبار المنسقين الميدانيين في مكتب المفوضية في عمّان، قد لعب دوراً رئيسياً في تطوير نظام مسح قزحية العين، وفكر بعناية في هذه المخاطر.
ويبدو شيمل على غير العادة كلاعب شطرنج يفكر على الدوام في الأبعاد الفلسفية والتقنية والسياسية المتعددة للغز الإنساني، ومثل توبفر، يعلم أن المطابقة شبه المؤكدة التي يتيحها اختبار القياسات الحيوية ستكون بمثابة فائدة وخطر في آن واحد.
وقال شيمل في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية: "لم يتم تطوير أو اختبار السيناريوهات العملية الحقيقية بشأن كيفية إساءة استخدامه، والحمد لله. لكن المخاطر تتراوح بين سرقة الهوية من جهة، والتلاعب بما نراه كهوية كاملة للفرد بغرض استخدام تلك المعلومات من أجل تحديد عدد أكبر من الناس الذين يمكن استهدافهم بسهولة بعد ذلك".
وأضاف شيمل أن "احتمال التلاعب بالهوية أو استخدامها لاستهداف الناس، لاسيما لإلحاق الأذى، سوف يكون موجوداً دائماً في شكل من الأشكال".
مع ذلك، فإنه يعتقد أن المفوضية لديها استراتيجية قوية عندما يتعلق الأمر بتقاسم المعلومات الشخصية، وتؤكد بشكل لا لبس فيه أن بيانات القياسات الحيوية للاجئين لا يتم تقاسمها مع الحكومات.
ويعترف شيمل بأنه لا توجد وسيلة تشفير غير قابلة للكسر، ولكنه مثل المغربي من برنامج الأغذية العالمي واثق من أن بيانات اللاجئين آمنة إلى حد معقول. ويوضح أن عامل الأمان الرئيسي هو نظام تشفير البيانات الذي يعني عدم نقل معلومات عن القياسات الحيوية بين المنظمات الإنسانية. عندما ينظر اللاجئ إلى الماسح الضوئي عند الخروج من السوبر ماركت، يتم تكثيف الصورة الملتقطة وتشفيرها قبل إرسالها عبر البنية التحتية، ثم فك شفرتها حتى يمكن مقارنتها بسجلات قاعدة البيانات على الجانب الآخر. ويؤكد شيمل أن الصورة نفسها لا تُرسل إلى أحد ولا يتم تخزينها على الكاميرا نفسها.
وتمتلك مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحدها النصف الثاني من مفتاح التشفير المطلوب لمعرفة سجل الفرد، كما أفاد شيمل، مضيفاً أنه حتى الشركة التي تصنع هذا النظام لا يمكنها رؤية السجلات.
ويتم فك شفرة المعلومات باستخدام شفرات المفوضية. ونتائج ذلك - وليس بيانات القياسات الحيوية نفسها - هي التي يتم إرسالها إلى المنظمات الأخرى مثل برنامج الأغذية العالمي.
مسؤولية ثقيلة
وفي مخيم الأزرق، وخارجه، اعترف عدد قليل من اللاجئين الذين تحدثت معهم شبكة الأنباء الإنسانية أنهم يشعرون بالقلق بشأن أمن اختبار التحقق من الهوية عن طريق القياسات الحيوية. وقال عدد قليل منهم أنهم قلقون بشأن تأثيرها على صحة عيونهم.
ولكنهم من ناحية أخرى لا يملكون رفاهية رفض هذه التقنية لأن التسجيل والحصول على المساعدات يتوقف عليها. كما أن السكان المستضعفين مثل اللاجئين الفارين من منطقة حرب لا يملكون خياراً يُذكر بشأن قبول أو رفض تسجيل القياسات الحيوية.
وهذا يلقي مسؤولية كبيرة على كاهل المنظمات الإنسانية عندما يتعلق الأمر بقياس التكاليف والفوائد.
وفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أخبرت مديرة المعلومات شارلوت كرتيت شبكة الأنباء الإنسانية أن المنظمة لم تتبن نظم التحقق من الهوية باستخدام القياسات الحيوية حتى الآن. إنهم يدرسون هذه التكنولوجيا للتأكد من أنها لا تمثل خيانة للمبادئ الإنسانية الرئيسية ولا تُلحق ضرراً. ووصفت هذه الشروط بأنها "المعايير المطلقة".
وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالموازنة بين الاعتبارات العملية العاجلة للاجئين مثل أولئك الموجودين في مخيم الأزرق، والتأثيرات التنظيمية الأوسع نطاقاً، والمخاطر الأمنية التي تنطوي عليها بيانات القياسات الحيوية بالضرورة.
وقالت كرتيت أن اللاجئين يجب أن يكونوا على علم تام بما سيحدث لمعلوماتهم، وأنه لا يجب أبداً أن تُستخدم في أي أغراض أخرى.
"هذا يشبه تماماً ما يحدث عندما نبوح بمعلوماتنا إلى طبيب ولا نتوقع أن نراها في مكان آخر. لا ينبغي أن نجمع شيء لغرض ما، ثم نسمح باستخدامه بطريقة مختلفة، أو حتى أن نكون مهملين فيما يتعلق بكيفية استخدامه".
أما المنظمات الإنسانية، فتشعر بتفاؤل حذر حول مستقبل استخدام بيانات القياسات الحيوية - ويشدد بيان إحاطة جديد صادر عن هيئة تنسيق المساعدات التابعة للأمم المتحدة المعروفة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية على أهمية استخدام البيانات بطريقة "مسؤولة"، وحماية المجموعات السكانية المستضعفة من الأضرار المحتملة. وعلى الرغم من أن القيود القانونية تحد حتى الآن من استخدام هذا النظام في تركيا، فإن الأمم المتحدة تأمل في توسيع نطاق مسح قزحية العين للاجئين السوريين في لبنان، وخصوصاً للحصول على الرعاية الصحية. وهذا يعني المضي قدماً ببطء.
وفي هذا الشأن، قال شيمل: "نحن في وضع جيد الآن، ولكنني أعتقد أنه إذا لاقى رواجاً وأصبح شيئاً يريده المزيد من المستخدمين، سيتعين علينا أن نكون حذرين. ولذلك، فمن المهم الاستمرار في المناقشات والحوارات والانتقادات ... وهذا يمنحنا الثقة في أننا نقوم بالعناية الواجبة وأنها جيدة بالقدر الكافي".