كشف استبيان أجراه كل من «بيت.كوم» بالتعاون مع «YouGov» عن أن 60 في المئة من الباحثين عن وظائف من البحرينيين، يرون صعوبة في الحصول على عمل بالمهارات التي يمتلكونها حالياً، فيما وصف 19 في المئة الأمر بـ «الصعب جداً»، فيما حمل خبراء في الشأن الاقتصادي والتنموي أطراف سوق العمل مسئولية تجسير هذه الفجوة المهارية بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
واستعرض استبيان «فجوة المهارات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» الصادر مؤخراً، المهارات التي تبحث عنها الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع مقارنتها بالمهارات المتوفرة، ويغطي الاستبيان جوانب مثل توفر المواهب الجديدة، والمناصب التي تبحث الشركات عن مرشحين لشغلها، والمهارات الأكثر أهمية خلال عملية التوظيف، والمهارات التي يفتقدها الباحثون عن عمل بالصورة الأكبر.
وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يشعر أكثر من نصف المجيبين بقليل (56 في المئة) بالارتياح تجاه قدرة الموظفين في شركاتهم على تحقيق أهداف الشركة خلال العام الجاري. وفي الوقت نفسه، قال أكثر من 1 من أصل 4 مجيبين (28 في المئة) إنهم غير واثقين من ذلك، في حين قال 16 في المئة إن شركاتهم لا تمتلك موظفين موهوبين بالشكل الكافي لتحقيق أهداف الشركة.
وعلى صعيد البحرين، قيّم الباحثون عن وظائف أهمية المهارات المتنوعة في تعزيز فرصهم عند البحث عن وظائف، ووضع معظم المجيبين الباحثين عن وظائف بمناصب عليا مهارات «العمل تحت الضغط» و«التأقلم/ إدارة الأولويات المتعددة» على رأس القائمة (97 في المئة لكل منهما)، أما بالنسبة إلى الباحثين عن وظائف في المناصب الوظيفية المتوسطة/ الابتدائية، فكانت مهارات «التخطيط/ المهارات التنظيمية» (90 في المئة)، و«القدرة على العمل تحت الضغط» (89 في المئة)، المهارات الأكثر أهمية لتعزيز فرص إيجاد وظيفة.
وعند سؤالهم عن المهارات التي يملكونها، أشار المجيبون الذين يبحثون عن وظائف في مناصب عليا في البحرين إلى أنهم يقيّمون «العمل تحت الضغط»، و«التفكير الناقد وحل المشكلات»، و«إدارة مهارات الموظفين»، و«الفعالية»، و«التأقلم/ إدارة الأولويات المتعددة»، و«الشخصية العامة والسلوك»، و«مهارات الاتصال والتواصل»، كمجموعة المهارات الأقوى لديهم (97 في المئة لكل واحدة منها).
كما أشار الاستبيان إلى أن الوظائف التي يفضلها البحرينيون هي في قطاعات البنوك والتمويل (33 في المئة)، واستشارات الأعمال وإدارة الأعمال والإدارة (31 في المئة)، والإعلان والتسويق والعلاقات العامة (27 في المئة)، والاتصالات (24 في المئة)، والموارد البشرية (22 في المئة).
وبحسب الاستبيان فإن نصف البحرينيين يبحثون عن مناصب في المستوى المتوسط أو الابتدائي (68 في المئة)، إذ إن 40 في المئة منهم يبحثون عن مناصب تنفيذية، 31 في المئة عن مناصب تنفيذية عليا، و28 في المئة عن مناصب تنفيذية مبتدئة، فيما أشارت نسبة قليلة من المجيبين إلى أنهم يبحثون عن مناصب في المستويات العليا (20 في المئة)، و11 في المئة يبحثون عن منصب محلّل أو مدير.
وقيّم المجيبون على الاستبيان الذين يبحثون عن وظائف في مناصب ابتدائية إلى متوسطة في البحرين، عند سؤالهم عن المهارات التي يملكونها، «التعاون والعمل ضمن فريق» كالمهارات الأقوى لديهم (97 في المئة)، وتلاها «التفكير الإبداعي» (93 في المئة).
وأكد البحرينيون الباحثون عن وظائف أيضاً أهمية المهارات المتنوعة في تعزيز فرصهم عند البحث عن وظائف، ووضع معظم الباحثين عن وظائف بمناصب عليا مهارات «العمل تحت الضغط» و»التأقلم وإدارة الأولويات المتعددة» على رأس القائمة (97 في المئة لكل منهما).
ولضمان استمرارية مهاراتهم، يلتزم الباحثون عن وظائف في البحرين بحسب الدراسة، بنهج التطوير الشخصي، وقيّم هؤلاء قراءة المقالات والصحف (59 في المئة)، وقراءة الكتب (50 في المئة)، والاطلاع على الأبحاث المتخصصة في أفضل الممارسات في القطاع (46 في المئة)، والمشاركة في دورات إلكترونية (35 في المئة)، كالوسائل الأكثر شعبية لتحقيق تلك الغاية.
إلى ذلك، أيد الخبير الاقتصادي أكبر جعفري ما ذهبت إليه الدراسة في ارتفاع نسبة الفجوة المهارية بين الخريجين البحرينيين، بل وزاد على ذلك بالقول: «قد تكون النسبة أعلى مما ذهبت إليه نتائج الاستبيان وهي 60 في المئة».
وأرجع جعفري ذلك إلى ما اعتبره «تركيبة نظام التعليم العالي وحتى الثانوي في البحرين»، وقال: «للأسف أن النظام التعليمي في البحرين يركز على التدريس، وأثناء الدراسة في الجامعات وفي المعاهد، يكون الطالب البحريني محصوراً في الصفوف والكتب والدفاتر، وحتى وإن كانت هناك مشروعات بحثية، فإن أغلبها أكاديمية».
وأضاف: «كصاحب عمل، فأنا أحرص على أن أوظف في مؤسستي الطلبة وهم في أول مرحلة دراسية جامعية، ونتبع في المؤسسة نظام (Sandwich Course)، والذي يقسم التدريب بين الأسلوب النظري والعملي في مواقع العمل. والمشكلة تكمن في أن انكشاف الكثير من المواد الدراسية في التعليم على الواقع محدود جداً».
وأشار جعفري إلى أن أصحاب الأعمال يحتاجون إلى إنتاج، وأنهم وإن لم يمانعوا تدريب من يتم توظيفهم على المهارات المطلوبة للوظيفة، إلا أن ذلك الأمر قد يستغرق بين عامين إلى أربعة أعوام، مؤكداً في هذا الإطار على ضرورة أن يتم تقوية الارتباط بين المؤسسات التعليمية من جهة وواقع العمل من جهة أخرى، معتبراً أن العلاقة بين هذين الطرفين في الوقت الحالي لا ترقى لمستوى الطموح.
وذكر أن الغالبية العظمى من المؤسسات التدريبية هي مؤسسات تدريسية تهمش الجانب التدريبي، بينما يتم التدريب في مواقع العمل، على الرغم من أن الجانب التدريسي هو الأقل أهمية، على حد تعبيره.
أما الباحث في شئون التنمية والتخطيط ميثم العريبي، فأرجع الفجوة المهارية لدى الخريجين البحرينيين بسبب عدم اعتماد المهارات جزءاً رئيسياً من العملية التعليمية منذ المرحلة التعليمية الأولى.
وقال: «تزويد الأفراد بالمهارات يجب أن يتم منذ المرحلة التعليمية التأسيسية، والاعتماد على التعليم المبني على التفكير النقدي لا على التعليم، والفجوات المهارية في سوق العمل البحريني، قد لا ترجع بالضرورة إلى افتقار البحريني لهذه المهارات، وإنما جزء منها يرجع إلى طبيعة سوق العمل وضوابطها».
وتابع: «مسار مهارات التعليم والتدريب يجب أن يتماشى مع مسار إصلاح سوق العمل، ولا يمكن مطالبة البحريني باكتساب كل هذه المهارات، في الوقت الذي لا تتوافر فيه الأرضية العادلة في المنافسة مع الأجنبي، وتركه رهينة لجشع القطاع الخاص، وخصوصاً مع توافر العوامل التي تجعل العامل الأجنبي الخيار الأفضل من قبل أصحاب الأعمال».
ولا يجد العريبي صعوبة في إمكانية سد الفجوة المهارية لدى الخريجين البحرينيين، وذلك في حال تم إدخالهم في دورات تعزيزية لا نظرية، باعتبار أن هذه المهارات تتعلق بالجانب التطبيقي لا النظري، محملاً جميع الأطراف ذات العلاقة مسئولية تجسير هذه الفجوة، بما فيها «تمكين» ووزارة العمل والقطاع الخاص.
واستدرك بالقول: «في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، لا يمكن تحميل القطاع الخاص المسئولية كاملة، والأمر نفسه ينطبق على الخريج البحريني الذي لا يتحمل المسئولية هو الآخر، وإنما يجب أن تكون هناك شراكة مجتمعية بين كل الأطراف المعنية بسوق العمل لتحمل هذه المسئولية، والواقع أن (تمكين) تقوم بدور جيد على هذا الصعيد».
من جانبه، علق الباحث الاقتصادي خالد شهاب على نتائج الاستبيان، بالقول: «الكثير من التقارير تتوصل إلى ذات النتيجة، أن هناك فجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، وهذا أمر بحاجة إلى علاج حقيقي، وبطبيعة الحال فإن الأمر يتطلب إعادة تأهيل البحرينيين لسد هذه الفجوة، ناهيك عن الحاجة إلى إعادة تحديث الاتجاهات الاقتصادية أو طبيعة الوظائف الموجودة في البحرين، وخلق البرامج المناسبة من خلال مؤسسات التعليم العالي والمهني».
وأشاد شهاب في هذا الإطار بجامعة البوليتكنك التي تقوم فكرتها على معالجة هذه الفجوة المهارية، كما تتيح الفرصة لطلبتها بأخذ التجربة العملية، بما يمازج بين التعليم النظري والتطبيقي بأسلوب «On Job Training».
وقال شهاب: «أي عمل له خصوصية تحددها طبيعة العمل، وما تحتاجه البحرين في هذا الإطار هو شيء أكبر من الاحتياجات الحالية».
وختم حديثه مستشهداً بالتجربة السنغافورية، بالقول: «سنغافورة كانت لديها رؤية في التعليم، من خلال وضع برامج تعليمية لوظائف غير موجودة حاليا أو خدمات أو منتجات أو تقنية غير موجودة بعد. إذ سبقت الزمن لإيجاد المؤهلين القادرين على خلق وظائف جديدة، وهذا ما نحتاجه لدعم الاقتصاد، ولاشك أن هذا الأمر يرتبط بعوامل أخرى لا تقتصر على التعليم، وإنما في الحاجة إلى بيئة جاذبة لصناعات أو خدمات تنافسية على مستوى المنطقة والعالم».
العدد 5003 - الأربعاء 18 مايو 2016م الموافق 11 شعبان 1437هـ