ذكرت الأممُ المتحدة في آخر تقريرٍ لها بمناسبة «اليوم الدولي لإلغاء الرقّ»، أنّ نحو 312 مليون شخص يعيشون تحت شكل من أشكال الرقّ في العالم، وأنّ تجارة البشر تُعدّ ثالث أكبر نشاطٍ إجراميٍّ بعدَ تجارتَيْ السّلاح والمخدّرات، والأسرع نموّاً؛ حيث تصل أرباحُها إلى نحو 27 بليون دولار كلّ عام.
ولا يزال ملفّ الرقّ، من الملفّات الحارقة والخطيرة في إحدى البلدان المغاربية ونعني دولة موريتانيا، إذْ هي تحتلّ، وللأسف، المرتبة الأولى في مؤشر الرق العالمي في العام 2014، من بين 167 دولة تنتشر فيها ظاهرة الاسترقاق، وذلك في أحدث تقرير من نوعه لرصد «العبودية» أعدته المنظمة الحقوقية، الأسترالية»Walk Free Foundation». فإلى أيّ مدى تسعى الجهود الرسمية والحقوقية في موريتانيا إلى القضاء على الاسترقاق في إطار الحملة التي أطلقتها الأمم المتحدة تحت شعار «إنهاء الرق الآن»؟
تعني ممارسة الرق امتلاك بعض الأسر الموريتانية لجوارٍ وخدم لا يخدمون تلك الأسر فقط، وإنّما يجري توارثهم من طرف أفراد الأسرة كما يتوارث العقار والمال، ويُباعون كأيّة ملكية أخرى. ويعتبر قانون الغلبة والسيطرة أهمّ روافد الرق في موريتانيا، إضافةً إلى الخطف والبيع الناتج عن الفاقة والحاجة وتطور النخاسة. وتعتبر قبائل إيزكارن وإيرنكانن، منابع الاستعباد المعروف في البلاد، حسب الباحث «الحسين ولد محنض». في حين يرى الباحث الحقوقي «محمد الأمجد ولد محمد الأمين» في كتابه «مسيرة الحرية أو قصة العبودية في موريتانيا»، أنّ الثقافة الشعبيّة للمجتمع الموريتاني بأمثلتها وشعرها الشعبي، تؤكِّد تَرَسُّخَ إيديولوجية الاستعباد التي هي «عبارة عن مركب من مشتركٍ يتزاوج فيه تراث وتاريخ الممارسات الاسترقاقية البربرية والزنجية والعربية» حسب الباحث.
وظلت الأسر الموريتانية من مختلف المحافظات تملك جواري وخدماً يقومون بخدمتها، ويجري توارثهم من طرف أفراد الأسرة. كما ظلّت الكثير من الموريتانيات يرفضن دخول المطبخ وإعداد وجبات لعائلاتهن، لما في ذلك من انتقاصٍ من مكانتهنّ. وتُعدّ النساءُ المتضرّرَ الأول من حالات العبودية، وفقاً للناشطة الحقوقية الموريتانية «مكفولة إبراهيم»؛ إذ ينظر المستعبِدُ إلى الأنثى المستعبَدة ِعلى أنها كنز أو ثروة، لأنها قادرة على أن تلد عبيداً جدداً، على عكس (العبد) الذكر الذي ليس له حق التصرف بأبنائه، فالأبناء هم أتباع لأمهم المملوكة، وهم جزء من أملاك مالكها الأصلي.
ومن أسباب استمرار هذه الظاهرة في موريتانيا حتى أيامنا هذه، صعوبة تطبيق أي قوانين في الصحراء الشاسعة في البلاد، إضافةً إلى الفقر وعدم قدرة المتحرِّر على إعالة نفسه. كما أنّ المعتقدات تحول دون القضاء على الظاهرة في صفوف الكبار؛ إذْ يعتقدون خطأً بأنّها جائزةٌ شرعاً، وأنّها جزءٌ من النظام الطبيعيّ لهذا المجتمع.
وقد عرفت محاربة العبوديّة في موريتانيا تطوّراً لكنّه بطيء جدّاً؛ فقد حارب المستعمر الفرنسيّ العبوديّة رمزيّاً، فكان أوّل من سنّ قوانين تمنع هذه التجارة. ومع استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960 بدأت الدولة بمحاربة الظاهرة شيئاً فشيئاً. وبعد عقدين على الاستقلال، وتحديداً عام 1981، صدر أوّل نصّ قانونيّ يحرّم ممارسة الرقّ في موريتانيا، حيث وجد العرب البيض (البيضان) أنفسهم لأول مرةٍ، أمام أمر واقع يمنعهم من معاملة العرب السود (الحراطين) كعبيدٍ لهم، كما كان عليه الحال منذ قرون في هذا البلد. وبسبب هذا القانون بادر الكثيرون إلى تحرير عبيدهم لكنّ الممارسة ظلت قائمة، بسبب غياب الترسانة القانونية، ما حال دون معالجة الظاهرة بشكلٍ كاف. وفي العام 2007 ومع وصول أحد الأرقاء السابقين «مسعود ولد بلخير»، إلى رئاسة البرلمان، صدر بالإجماع قانون يجرّم ممارسة الظاهرة، أعقبته قرارات ذات صلة منها إنشاء محكمة خاصة بالنظر في الجرائم المتعلّقة بالعبوديّة.
وأقرّت الحكومة الموريتانيّة سلسلة من الإجراءات للقضاء على مخلّفات العبوديّة في سياق تنفيذ خريطة طريق تبنّتها سنة 2014 للقضاء على مخلّفات الرقّ، وتنصّ الخريطة على مراجعة النصوص القانونيّة المتعلقة بتجريم الاستعباد، إلى جانب استحداث وكالة لمحاربة الاستعباد، وهي جهاز حكومي برتبة وزارة دولة، لاجتثاث بقايا الظاهرة وتنفيذ برامج إنمائية لمصلحة الأرقاء السابقين.
وتحقيقاً لبنود خريطة الطريق، وفي العام 2015 أقرّت الجمعيّة الوطنيّة (الغرفة الأولى في البرلمان الموريتاني)، قانوناً يعتبر أنّ الجرائم المرتبطة بالاسترقاق جرائم ضدّ الإنسانيّة لا تسقط بالتقادم، تلا ذلك قرار مجلس الوزراء الموريتانيّ إنشاء ثلاث محاكم على كامل التراب الموريتاني مختصّة في قضايا الرقّ. وينصّ القانون الجديد على إلزام القاضي المتعهّد بجريمة تتعلّق بالعبوديّة بالمحافظة على حقوق الضحايا في التعويض، هذا بالإضافة إلى تنفيذ الأحكام القضائيّة التي تتضمّن تعويضاً لضحايا العبوديّة دون الالتفات إلى الاستئناف أو المعارضة، حسب القانون.
ولا يمكن الحديث عن ظاهرة الرقّ في موريتانيا بمعزلٍ عن الفتاوى الشرعية، سواءً الصادرة عن المجلس الأعلى للفتوى والمظالم، أو عن رابطة العلماء الموريتانيين. هذه الفتاوى رافقت تاريخياً صدور هذه القوانين والقرارات، وكانت مؤثرةً ومحلّ انتقاد الكثير من المنظمات والهيئات والحركات المطالبة بتحرير المستعبَدين ولا سيما مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا)، وهي أشهر حركة مدافعة عن حقوق أبناء الأرقاء السابقين، وكذلك المرصد الموريتاني للتنمية والحقوق الناشط في مجال الدفاع عن الأرقاء السابقين.
وبفضل هذه الجهود متضافرةً، وكذلك بضغط من المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية، تطوي موريتانيا صفحات مظلمة من تاريخ الرق في البلاد، لتدشّن عهداً جديداً تسعى من خلاله إلى التخلّي عن مرتبتها الأولى عالمياً على مؤشر الرقّ العالميّ. غير أنّ هذه التشريعات وتلك الفتاوى، وذلك الضغط الذي تمارسه الحركات الحقوقية المحلية والدولية، لا يمكن أن يجتثّ إيديولوجية الاستعباد من الأذهان إلا بعمل دؤوب داخل المؤسسات الإعلامية والتعليمية والدينية والثقافية الرسمية والأهلية وخاصة في القرى النائية في المناطق الصحراوية.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5001 - الإثنين 16 مايو 2016م الموافق 09 شعبان 1437هـ
وأقرّت الحكومة الموريتانيّة سلسلة من الإجراءات للقضاء على مخلّفات العبوديّة في سياق تنفيذ خريطة طريق
لكن بين النية والعمل بون شاسع
بلد المليون شاعر
بلد البداوة الضاربة في القدم
بلد نسبة الأمية فيه عالية
بلد تنهشه الصراعات السياسيّة وتدني موارده الاقتصادية
طبيعيّ أن نجد الإنسان فيه يهان ويباع ويشترى
لكن دعنا من موريتانيا
ما رأيك أستاذي في ما يحدث في الولايات المتخذة .صاحبة الصفر أمية كما تدّعي يُجبَر عمالها على ارتداء الحفاظات بدل الذهاب إلى الحمامات، وويل لكلّ من تسوّل له نفسه الذهاب إلى دورة المياه، فمصيره سيكون الطرد دون سواه.
لا نبرّر.. هذا أو ذاك ..لكن الجاهل يفعل بنفسه ما يفعله العدوّ بعدوّه أم العالم ........
وبفضل هذه الجهود متضافرةً، وكذلك بضغط من المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية، تطوي موريتانيا صفحات مظلمة من تاريخ الرق في البلاد، لتدشّن عهداً جديداً تسعى من خلاله إلى التخلّي عن مرتبتها الأولى عالمياً على مؤشر الرقّ العالميّ.
مويتانيا دولة عربية تستحق مكانة أفضل مما هي عليه في مجال الحقوق والحريات
لكن للأسف العقلية الاجتماعية طاغية ومسيطرة