أعلنت إيران، أمس الأول (الأحد)، عن افتتاحها لـ «ممر بندر عباس - موسكو - هلنسكي». وقال مدير شركة السكك الحديد الإيرانية محسن بور سيد آغايي خلال مؤتمر «السكك والنفط والموانئ الدولي» إن هذا الخط سيشهد قريباً نقل «النفط من تركمنستان إلى بندر عباس» عبر شبكة السكك الحديد التي بلغت نسبة الشحن فيها خلال العامين 2014 و2015 إلى 100 في المئة كما جاء.
الحقيقة أن هذا الممر الذي أُعلِنَ عنه يُشكِّل أولوية اقتصادية وسياسية كبيرة بالنسبة لطهران، ليس في حدّ ذاته كممر فقط بل في عموم شبكة المواصلات البرية التي تعبر الأراضي الإيرانية وتلك البحرية الماخرة في مياهها الإقليمية.
وتستهدف إيران من هذه الخطوط ربط المنطقة الممتدة من شرق وشمال آسيا بوسطها وجنوبها وبالشرق الأوسط وتحديداً مياه الخليج العربي وصولاً إلى بحر العرب والمحيط الهندي. فضلاً عن الانعطاف شمالاً باتجاه الغرب حيث أقصى شمال ووسط وغرب أوروبا.
ورغم التباينات السياسية حول الأمن والتحالفات في المنطقة والعالم إلاّ أنها لم تؤثر كثيراً على تعزيز الوشائج الاقتصادية التي تجمع دول هذه المنطقة الممتدة من الشرق وحتى آسيا الوسطى، فالخطوط التي تربط إيران وتركمنستان وتركيا وباكستان تعمل بشكل حثيث، وهناك خطط لإشراك أذربيجان في تلك المنظومة. كما أن الممرات التي تربط الصين بإيران وكازاخستان وتركمنستان تعمل هي الأخرى، لربط بكين بآسيا الوسطى وشرق أوروبا.
ويأمل الإيرانيون أن يُحقق لهم مشروع ربط الخليج العربي ببحر قزوين فرصاً قوية لتعزيز حضورهم الاقتصادي والجيوسياسي عندما تصبح أراضيهم إطلالة رئيسة على يُسمّى بممر الشمال - الجنوب، الذي سينشّط لديهم حركة الخطوط الداخلية من مينائَيْ أميرآباد وأنزلي شمالاً (مازندران) ومروراً بموانئ الإمام الخميني وخرمشهر وبندرعباس جنوباً وصولاً إلى مينائَيْ كلانتري وبهشتي في جابهار (جنوب شرق) بالقرب من باكستان وخليج عُمان.
وقبل شهر تقريباً دخلت أول حاوية شحن مُحمّلة بالبضائع إلى الأراضي الإيرانية من منفذ سرخس الحدودي قادمة من مدينة ييوو في مقاطعة تشجيانغ بشرق الصين، بهدف ربط الصين بغرب آسيا، عبر المرور بعدة دول من بينها إيران، التي ترغب أن تكون نقطة تجارية بين طرفَيْ القارة الآسيوية. فهذا الخط مرّ من شرق الصين إلى غربها عبر ألاتاو مروراً بكازاخستان ثم تركمانستان وانتهاءً بإيران مستغرقاً أسبوعين من المسير وقاطعاً مسافة تصل إلى 10400 كم.
والصين تتطلع منذ فترة بعيدة لإحياء طريق الحرير، الذي يخرج من شمالها باتجاه آسيا الوسطى ثم الشرق الأوروبي وشبه جزيرة القرم مروراً بالبحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً لجنوب أوروبا، والمسار الثاني عبر خراسان حتى العراق صعوداً نحو هضبة الأناضول ووصولاً إلى منطقة تدمر التاريخية في سورية ثم مباشرة باتجاه البحر الأبيض المتوسط وانتهاءً إلى الشمال الإفريقي.
في المحصلة فإن تنافس الدول على تقديم نفسها كنقاط مرور للمواصلات الدولية الآمنة والحيوية أمرٌ طغى على الأنشطة السياسية والاقتصادية للدول ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ثم تصاعدت وتيرته بالتغييرات التي جرت خلال العقد الماضي بعد حَربَيْ أفغانستان والعراق، ونشط بشكل أسرع بعد أحداث شبه جزيرة القرم والتطورات في خطوط أنابيب النفط.
العدد 5001 - الإثنين 16 مايو 2016م الموافق 09 شعبان 1437هـ