أهدت الحياة وردةً وأملاً وقلماً وأحبت الناس، كل الناس على حد سواء منذ طفولتها وكنفها في بيت والدها الفنان القدير عبدالكريم العريض، وعلى الرغم من المفارقات والمسافات الاجتماعية واختلاف توجهات الناس في مدينة المنامة وتنوع دياناتهم ومذاهبهم ومشاربهم وثقافتهم تمكنت الأستاذة المترجمة لونا العريض من رسم طريقها في الحياة تماما مثلما يرسم القمر طريقه بدقة ويفرض نفسه بقوة في كبد السماء وسط مزاحمة مجموعة من النجوم المضيئة والكواكب العديدة والمجموعة الشمسية الشهيرة، أعتبرت العريض نفسها سفيرة لخط حياتي اختارته لنفسها وعشقته واستمرت فيه على الرغم من قساوة الحياة أحيانا ومتطلباتها وظروف العمل التي أفسدت جانبا من هذا التوجه، إلا أن مرونة القلم في يدها وقوة تحصيلها الدراسي باللغة الإنجليزية قبل العربية "اللغة الأم" وترعرعها بين ثقافتين مختلفتين واحتكاكها أو مخالطتها المباشرة مع كل نسيج المنامة الاجتماعي الملّوّن كان أقوى بكثير من الهزة المؤقتة التي تعرضت لها وسرعان ما تلاشت وعادت حياتها في الترجمة من جديد إلى طبيعتها بحسب ما قالته للحضور في الأمسية التي أقامتها اللجنة الثقافية بأسرة الأدباء والكتاب بعنوان "تجربتي في الترجمة" والتي أدارها باقتدار الأستاذ محمد المبارك وذلك في الثامنة من مساء يوم الأحد الماضي في مقر الأسرة بالزنج.
وسلطت الكاتبة المترجمة لونا العريض الضوء على جزء مهم من حياتها وذكرت بأنها ترّبت مع الراهبات اللائي كنّ يعلمن كيف يكون الإنسان محترما لذاته ولمن يتعامل معهم، فكانت الطفلة البحرينية الصغيرة تجد في نفسها البنت العربية في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى تكون شخصا مختلفا وغريبا عن هويته، وجاءت رحلة الترجمة المهمة في حياتها التي مدّت لها الجسور الطويلة ومكنتها من العبور إلى العديد من الحضارات ومساحات التحصيل العلمي والمعرفي وأيقنت بأن الإنسان مهما تعلم من اللغات أو تكلم بها يبقى محتفظا بالتشابه البشري وما يمتلكه الإنسان من مشاعر الحب والرغبة في النمو والتقدم، وبدأت لونا العريض حياتها في هذا الجانب من خلال كتابة المواضيع منذ أن كانت طفلة وساعدها في ذلك وجودها في مدرسة خاصة واقتصار كتابتها على اللغة الإنجليزية فقط وتعلمها المباشر من والدها الفنان الكبير عبدالكريم العريض، الذي كان له دور كبير في ثباتها وصمودها وفي تعزيز قدراتها وإمكانياتها الفنية في ترجمة الكتالوجات منذ أن كان عمرها 15 سنة.
واستمرت لونا العريض في كتابة مذكراتها في فترة الدراسة بالجامعة وبعد التخرج وأثناء العمل في مجال المحاسبة والصراع الروتيني مع الأرقام، التي أفقدتها الحيوية والروح المتوهجة للترجمة وأبعدتها أو فصلتها كليا عن حالة الحماسة التي كانت تعيشها في السابق مع الترجمة، وعاد المربي الفاضل الأب من جديد للتدخل وبث روح النشاط والحماسة من جديد في الجسد المتهالك وفي نفس الوقت المحتفظ بكل مقوماته وأدوات الكتابة التي يحتاجها المترجم حتى عاد العشق للترجمة من جديد فكان تدشين كتاب "المنامة" في 6 فبراير 2010 وهو الثمرة الأولى في مشوار المبدعة لونا العريض، التي تقول عنه أنه جاء بعد مجهود شخصي مضني وبحث طويل في أحياء المنامة ومساجدها وكنائسها وناسها بكل طوائفهم ونسيجهم الاجتماعي الذي كان يميز عاصمة البحرين، وتضيف بأن كتاب "المنامة الإنسان والتراث" حقق نجاحا كبيرا لأنها حرصت على أن تقدم هذه التجربة بلغة بسيطة ومفهومة عند الجميع وعلى أن يكون بعيدا عن اللغة المعقدة.
وقدمت العريض في 2012 كتابها الثاني "البرزخ" وهو تجربة جديدة ومختلفة جدا عن سابقتها حيث الأجواء الروحية والدينية، مستثمرة في هذه المحطة كل ما تمتلك من قوة في مجال اللغة وما اكتسبته في الجانب الروحاني والديني وتقديم كتاب قيّم يتكلم عن الحيات بعد الموت ويؤكد على أن الروح خالدة فنال الكتاب إعجاب الأجانب الذين اقتنوه وتأثروا به كثير تماما كما تأثرت به الكاتبة وأرادت أن توصل الفكرة إلى الآخرين، وأما التجربة الثالثة فكانت عبارة عن محطة استراحة أدبية مع ترجمة المجموعة القصصية "أيام خديجة" للقاصة البحرينية نعيمة السماك، وتصف المترجمة لونا العريض الكتاب بالتجربة القيمة التي تقدم العديد من الحالات الخاصة بالمرأة وما تمر به من رغبات واحتياجات حياتية، وانتقلت العريض في تجربتها الرابعة إلى تقديم كتاب "رمزية الألوان عند المرأة الشيعية في البحرين" للكاتبة البحرينية أمينة الفردان ويتناول الكتاب علاقة المرأة الشيعية البحرينية مع الألوان كيفية استخدامها للألوان في المناسبات وغيرها وبما يتناسب مع الكثير من المعتقدات الإجتماعية والدينية.
وفي 2013 ولدت تجربة الترجمة الخامسة مع كتاب "أيام الفن والأدب" للمربي الوالد كريم العريض، ويتناول الكتاب جانبا من حياته وسفراته ورحلاته ورصد لأصدقائه، كما اشتمل الكتاب على ترجمة جميلة لقصيدة شعرية كتبها ووقعت في يد المترجمة التي تتصدى للكتاب فكان لها نصيب من التدوين والتوثيق، واستمر عطاء لونا العريض لتقدم كتابها السادس "المرأة قبل النفط" واحتاجت الكاتبة والمترجمة العريض من أجل إكمال هذا الكتاب إلى الالتقاء بعشرين أمرأة كلهن رحلن من الدنيا ومن ضمنهن شيخة العريض، وتصف الكاتبة جميع النسوة بأنهن رائعات وعلى قدر كبير من الطيبة والبساطة ودماثة الخلق والبعد نهائيا عن التعالي على الرغم من ثراء بعضهن وهذه حالة نادرة الآن، وتضيف أن الكتاب يضم حكايات وقصص مؤلمة وبعضها حزين ومؤثر، وسجلت العريض تجربتها السابعة في الترجمة مع كتاب "مأوى الفؤاد" الذي يحتوي على مجموعة من الصور الجميلة والمعبرة للمراقد المقدسة.
وعلى صعيد آخر كان للمترجمة المتميزة لونا العريض نشاط متجدد في مجالها عبر العديد من المقالات التي قدمتها إلى مجلة البحرين الثقافية ومنها "المرأة والتطبيب الشعبي"، "سوق الفن في البحرين"، "البراءة السريالية"، "الإجهاد وأثره على الإنسان" لمجلة الخفجي السعودية، إضافة إلى مشاركتها في كتاب "لحظة الذبح" الذي يتناول طريقة الذبح عند المسلمين وكان ذلك بناء على رغبة وطلب مجموعة من الباحثين الإستراليين الذين قدموا إلى البحرين خصيصا لهذا الغرض وبهدف التعرف على الأسلوب المتبع لذبح الطير أو الحيوان بهدف الأكل بالطريقة الإسلامية التي تراعي أمورا كثيرة خلاف لما هو سائد لديهم، كما قدمت ترجمات في بحوثها ومنها "علاقة المسيحية والإسلام في البحرين"، موضوع كتبته عن "معنى التضحية" وهو معروض في أستراليا وكتابتها لأكثر من 100 قصة أفرغت فيها الشحنة الحياتية المكتنزة في جسدها وتقول عن هذه التجربة القصصية بأنها أشبه بالعلاج والتطبيب الذي يفرغ المشاكل والعقد من العقل والجسد.