كانت الخبيرة الدستورية والقانونية المصرية الرائدة في هذا المجال الدكتورة عائشة راتب تقول: «العدالة لا جنس لها.. ولكنها تتحلى بتاء التأنيث»! وفي مؤسسات العدالة البحرينية هناك حضور لافت ومؤثر ومشرف في الوقت نفسه لتاء التأنيث البحرينية، وأعني المرأة البحرينية التي استطاعت خلال فترة قليلة جداً في عمر الزمن، أن تتجاوز الكثيرات من زميلاتها النساء العربيات في الوصول إلى مختلف مرافق الدولة الحسّاسة، والعمل في أجلِّها مكانة واعتباراً وأعظمها أهميةً وأدواراً، وخاصةً ما نحن بصدد الحديث عنه هنا في هذه المقالة وهو العمل في النيابة العامة.
وباعتباري من اللاتي نلن شرف العمل في سلك النيابة العامة في مملكة البحرين، فيعجبني أن أستذكر عبارة الدكتورة عائشة راتب دائماً عندما يكون الحديث عن دور المرأة في المجال القانوني والقضائي! غير أن التجسيد الأكثر مصداقية لهذه العبارة يجري بشكل يومي هنا في البحرين في أجهزة النيابات العامة في المراكز والمحاكم والمحافظات، حيث تتصدّى المرأة البحرينية بكل عزم واقتدار وكفاءة وثقة لتحقيق العدالة، والعمل بجهاد حقيقي من أجلها، وتطبيق مختلف النظريات والمبادئ العلمية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية، وكل المعارف والثقافات والمقدرات المتاحة لها في تحقيق هذا الهدف الأسمى الذي جاءت من أجله الرسالات السماوية والأديان، واجتهدت في سبيله الحضارات والفلسفات والثقافات الإنسانية... وهو تحقيق العدالة في الأرض.
لقد تسنّمت المرأة البحرينية قمماً سامقة ومهمة من المراكز والوظائف والمواقع الحكومية والأهلية، وجاء ذلك في سياق نهضة عامرة شاملة ومسيرة تمكينية متماسكة قادتها بكل جدارة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حفظها الله، قرينة عاهل البلاد المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، وعمل المجلس على تنفيذها وتكريس برامجها وخططها واستراتيجياتها المتعددة، والتي هدفت بمجموعها إلى تمكين المرأة البحرينية في جميع مجالات الحياة والعمل. وكان مجال العمل في النيابة العامة (أو ما يسمى بالإدعاء العام) من أبرز هذه المجالات التي حققت فيها البحرين مؤشرات متقدمة على المستويين العربي والإقليمي، بعد أن كان هذا المجال من أكثر المجالات حكراً على الرجال، وكان محلاً للاختلافات الكبرى الفقهية والدستورية والقانونية وأيضاً الاجتماعية.
لقد حقّقت المرأة البحرينية بقيادة وتوجيه وإرشاد المجلس الأعلى للمرأة، نجاحات باهرة في مسيرتها الوطنية نحو التمكين. ونذكر للمجلس الأعلى برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة هنا، تعدد الميادين التي شملتها خطط وبرامج التمكين، فمن التمكين السياسي، إلى التمكين الأسري والاقتصادي والقضائي والنيابي والبلدي، وصولاً إلى تشبيك كل هذه الميادين والمجالات لتمثل معاً نهضة واسعة وباهرة وواعدة للمرأة البحرينية، التي استوعبت هذه العمليات وساعدت بتنشيطها وتعزيزها بفضل مؤهلاتها ووعيها وتنوع ثقافاتها ومقدراتها التعليمية والدراسية وتفوقها.
وتقوم المرأة في ميدان النيابة العامة بنفس الأدوار والواجبات والمهمات التي يقوم بها زملاؤها الرجال، من دون أية فروق أو امتيازات خاصة أو نوعية. وفي الحقيقة فهذا هو روح مفهوم «التماثل الجندري»، حيث لا مجال لتفضيل أو لتمييز. فيما يكون مجال المقارنة والمنافسة هو أسمى المجالات على الإطلاق، وهو تحقيق العدالة للأفراد والمجتمع، وتحقيقها على المستوى الوطني، والعمل وفق مبادئ وأسس وقوانين العدالة المستقرة في البلاد وفي قوانينها وتشريعاتها ومواثيقها، ووفق ما هو معترف به ومستقر من مبادئ الحقوق الإنسانية.
واليوم هناك الكثير من الزميلات البحرينيات العاملات في السلك القضائي عموماً، وفي سلك النيابات العامة على نحو خاص، وهو كما هو معروف مرحلة متقدمة من العملية القانونية والقضائية، ومرحلة شديدة الأهمية والاحترافية والتقنية من مراحل إحقاق الحقوق وتحقيق العدالة والفصل بين الادعاءات وبيان عوارها ومصداقيتها ومضامينها التكوينية والمطلقة. وهذا الجانب من العمل القضائي والتحقيقي يتطلب إضافةً إلى التخصص العلمي والأكاديمي، كفاءات ومقدرات خاصة وأحياناً مواهب وقدرات نوعية وصفات ومواصفات ذاتية وأخرى مكتسبة تتكافل جميعها لتهيئة رئيس النيابة العامة للقيام بدوره وواجباته على أتم وجه، وبالكيفية القانونية المناسبة، وبما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة ومبادئ الحقوق والحريات ومقتضيات العدالة الإنسانية.
إقرأ أيضا لـ "زينب سلمان العويناتي"العدد 4999 - السبت 14 مايو 2016م الموافق 07 شعبان 1437هـ
مثل شعبي
وما يمدح السوق إلا من ربح فيها !