كنا نقول إن لكل شيء وزناً مختلفاً. حتى كلماتنا تتباين في أوزانها. طبعاً لا أقصد من ذلك إيقاع الكلمات أو وزنها من قبيل: فَعَل، يَفْعَل وافْعَل كما كنا نشير، بل الاختلاف في وزن معناها الحقيقي ومدلوله. كذلك الحال بالنسبة لأيام البشر والأمم والدول. فهناك يومٌ «تتناهض» الأحداث فيه، بينما هناك يوم «يهمد» فيه كل شيء، فيمرّ كما يمر العابر على المكان فلا يلتفت إليه أحد.
بالنسبة ليومنا هذا: الرابع عشر من مايو/ أيار يبدو أنه جِدُّ مختلف، فهو ملء بالأحداث التي لا تجعله يوماً عابراً أبداً. ليس ذلك فحسب، بل إن كل شيء فيه يُشَمّ منه رائحة البارود والدّم وتلمّس الحَيْف. فمن ذاكرة البشر حوله أنه شَهِدَ أول ملامح الاستعمار لبلاد الهنود الحمر قبل أربعمئة وتسع سنين من الآن، حيث شُيِّدت مستعمرة جيمستاون. وفي مثل هذا اليوم أيضاً سُفِك دمّ غيَّر من وجه اليابان حين شوهِد أبو الاستبداد المنير مقتولاً، لتنتهي الحقبة الـ «توشيميتشية» هناك.
وفي إحدى لياليه أيضاً، شنَّ النازيون أعنف غاراتهم على لندن خلال الحرب الكونية الثانية مخلِّفين دماراً هائلاً. وفيه تلمَّظت أسماك بحر اليابان والبحر الأصفر دماً عبيطاً اختلط فيه الكاميكازي الياباني بالمارينز الأميركي خلال حرب السفن قبل واحد وسبعين عاماً. وفيه أيضاً أعلِنَ عن تشكيل حلف وارسو، وفيه فجَّرت الصين قنبلة ذرّية، وبكى اليابانيون على ضحايا خط راكيكوغين في شيغا، بل حتى الثوري الأرجنتيني الماركسي البارز إرنستو تشي غيفارا وُلِدَ فيه.
ورغم فداحة تلك الأحداث، إلاّ أنها ظلت تتعاظم في جانب من الأرض والمكان وتخبو في جانب آخر طبقاً لالتصاق تلك الأرض وذلك المكان ومَنْ فيه بالحدث نفسه. فعزاء الهنود الحمر كان أزيد من غيرهم وهم يرون الرجل الأبيض يغزو ديارهم. وأحداث اليابان أدمت شعب الساموراي بشكل قد لم يشعر به سواهم «ربما». وكذلك الحال بالنسبة للندنيين والألمان حين تهارشا على النفوذ في القارة العجوز. وهكذا بقية الأحداث من شرق العالم وغربه، ونحن العرب لسنا استثناءً مما نقول.
لذلك نتساءل اليوم: أين نصيب العرب من أحداث الرابع عشر من مايو/ أيار؟ «قد» يرى «بعض» من أمتنا أن هذا اليوم مَرَّ دون أن ينتبه إليه كبقية السنوات. صحيح فـ «ذلك» البعض لم يفقد عزيزاً له لا في الكرمل ولا في طيرة بني صعب ولا في صبّارين ولا قاقون ولا صفد ولا كفر سابا ولا كفر قرع ولا بيسان ولا مشمار ولا برج الوادي ولا في دير ياسين، فلماذا يتذكر إذاً الـ 14 مايو ذكرى قيام إسرائيل؟!
مضى الآن 68 عاماً على «تشريع» الدولة الإسرائيلية على أرض عربية تبلغ مساحتها 27 ألف كيلومتر جنوب غرب آسيا. وإلى جانب فقدان العرب لأرضهم فقدوا معها قوة التأثير الجغرافي الذي كانت تمثله بلادهم في الربط البري بين آسيا وإفريقيا وصولاً إلى بحرَيْ الأبيض المتوسط والأحمر ثم باتجاه المحيطين الأطلسي والهندي. وهو امتياز أصبح من نصيب «الشعب الجديد» للأسف.
ترى هل أصبح «مرهقاً» أن يبقى هذا الموضوع حاضراً في ذاكرتنا نحن العرب؟! أن نُحيي فينا بشكل دائم أن هناك مَنْ أتَى إلى شعب عربي (أقول شعب وليس شخصاً أو عائلة واحدة) ويرميه في الشتات، ويحلّ معه أناساً جدداً من 140 دولة، لا ليكونوا ضيوفاً عليه، بل أصحاب أرضٍ، يقاتلونه فيها وكأنهم منها وهي لهم! تُرى، هل هذا الأمر صعب أن يتذكره العرب أم أنه أصبح لا يُحتَمل؟! هذا هو الحدّ الأدنى الذي تبقى لنا ولم نعد نتحمّله.
لقد علمتنا التجارب أن النسيان صار وسيلة كي تُنسَى قضايا الشعوب الكبيرة. مرة بخلط الأولويات ومرة أخرى بالقوة الناعمة وجعل الخيارات الحقيقة في أبعد زاوية ممكنة عن تفكير الناس. لذلك هذا الأمر إن حصل في قضايا العرب سيكون حتمياً أن تصبح «القدس» سوتشي أخرى، وفلسطين إلى شركيسيا جديدة بعد جيلين أو ثلاثة عندما يُدمن العرب على نسيانها.
انهارت دول البنادقة والسَّردينيين والياديسيين عندما أصبحت شعوب تلك الدول غير قادرة على استيعاب أن حركة السياسة قد تجعل من دولهم أثراً بعد عَيْن. عوَّلوا كثيراً على الزمن لكنهم اكتشفوا أن الزمن دون فِعْل لا يؤدي إلاّ إلى نسيانهم وبقاء الآخر حتى ولو كان بلا قضية أخلاقية.
قد أرجِع هذا إلى الجدل الذي لم ينتهِ بعد بشأن وسائل إرجاع الأرض ومنع تهويدها وفي كيفية إرجاع ناسها، والذي أصبح كحوار بيزنطي لا ينتهي. لقد قال العرب إننا جرّبنا الحرب مع إسرائيل طيلة ربع قرن (1948 - 1973)، فمات عشرات الآلاف منا ومنهم من دون أن تصل القضية إلى نهاية. نعم هذا كلام صحيح وقابل للمراجعة.
لكن هناك في الجانب الآخر، هناك أشياء تحتاج إلى مراجعة كذلك. فقد جرّب العرب السلام في 12 مبادرة (1978 - لليوم)، فلم تنتهِ إلاّ إلى احتلال في جنوب لبنان (لغاية العام 2000)، وضرب لمفاعل العراق النووي (1981)، واحتلال بيروت (1982) وضرب للبنان في الأعوام: 1993 و1996 و2006، وضرب لغزة في الأعوام: 2008، و2012 و2014! إذاً، المفاضلة هنا ليست دقيقة وتحتاج إلى نظر.
والمحصلة لا تجعل هذين الأمرين سبباً لتكريس النسيان أمام التذكر، بل تدفع باتجاه إعمال العقل والعمل السياسي لاجتراح وسائل أخرى تضمن إرجاع الحقوق للجميع.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4998 - الجمعة 13 مايو 2016م الموافق 06 شعبان 1437هـ
Nice artical
زائر رقم 2
ليش كل الحق من هول الصدمة لم تعرفي ان المقال عن النكبة لان النكبات تتوالى علينا
مااقول الا حسبي الله ونعم الوكيل .. انا معلمه وخدمتي تعتبر بسيطه في الوزاره .. مااتصور اني بشتغل ٢٠ سنه فوق اللي اشتغلته .. بالمختصر تقاعدوا من اشغالكم ودشوا قبوركم .. علشان يوفرون لا يصرفون رواتب ولا غيره .. خطه محكمه يالحكومه ..بارك الله فيكم .. انتو منعمين واحنا مكروفين .. قرارتكم نار تحرقنا وماتصيبكم شراره منها .. وعمركم مابتحسون بهالشعب ..جوفوا جيرانكم شلون مدلعين شعبهم .. ماقول الا إنا لله وإنا إليه راجعونً
رد على زائر 2 / المقال عن فلسطين الله يسلمك مو عن وزارة التربية
عزيزي الكاتب، أنا أختلف معك في هذه النظرة البكائية للأحداث. الغرب وجد في نفسه قوة فأفرغ هذه القوة في استعمار الشعوب الضعيفة. كل الأمم عندما تحس بفائض قوة لديها، تفرغ هذه القوة بالتوسع على حساب الأمم الأخرى.
اليوم المعادلة تغيرت، الغرب، و بالتحديد أوربا لا يعيش أفضل أيامه، فهم يكتوون بمشاكل الشعوب التي استعمروها، فمشاكل الهجرة و الإرهاب صارت تضرب مجتمعاتهم. الغرب شعب متحضر، و دائما الإنسان الأقل حضارة يهزم الإنسان المتحضر، لأن الإنسان المتحضر يؤثر السلام و الهدوء على الحرب و مآسيها.