في السنوات الخمس الأخيرة عمدت بعض الجهات في المجتمع على إحداث هزات عنيفة في العلاقات الإجتماعية والإنسانية، كان هدفها إضعاف المجتمع وخلخلة كل الوشائج والروابط الاجتماعية والإنسانية بين كل مكوناته، وإفراغه من كل المشاعر والعواطف الإنسانية، بعد أن كانت راسخة وقوية بين مختلف مكونات الوطن، وكانت السمة الرائعة للمجتمع البحريني على المستوى الخليجي والإسلامي، الذي كان يغبطه عليها الكثير من المجتمعات في العالم.
لم يكن أحد من العقلاء الواعين في مجتمعنا يتصور أن الحال سيكون مأساوياً في العلاقات الإجتماعية والإنسانية، ولم يصدق أحد أن تلك الجهات ستتمكن من العبث في علاقات المجتمع بهذا القدر الكبير. كان أكثرنا يعتقد أن مجتمعنا أقوى بكثير من كل دعوات الحقد والكراهية والإدعاءات والإفتراءات والأكاذيب الباطلة، ولكن ما أحدثته بعض الأيدلوجيات من اختراق واسع للعلاقات الإنسانية، وبسبب أنها لم تؤمن قط بتلاحم كل المكونات الاجتماعية المختلفة تحت مظلة الوطن، فلهذا كانت ومازالت تعمل بعيداً عن مصالح الوطن العليا.
لقد أثبتت ت تلك الجهات العابثة قدرتها الفائقة على التأثير السلبي في علاقات الناس الاجتماعية والإنسانية، وأن المجتمع البحريني كان يعاني من ضعف شديد في التحصين ضد الأمراض النفسية والأفكار الهدامة والحملات الطائفية المسعورة التي تمكنت من تفكيك المجتمع وتحويله إلى فئات وجماعات لا حول لها ولا قوة .
العقلاء الواعون الذين لم ينساقوا وراء الدعوات الشاذة والباطلة التي تدعوا إلى الفرقة بين مكونات البلد، حافظوا على علاقاتهم الإنسانية ورسخوها بينهم ولم يسمحوا لأحد بالعبث بها، رغم محاولات العابثين المستميتة. أكثر من خمس سنوات ومجتمعنا البحريني يعيش في التوترات والتحسسات والتوجسات النفسية، وسوء الظن في العلاقات الاجتماعية والإنسانية. لابد للجميع، مثقفين ومفكرين وأدباء وتربويين وعلماء دين وكتاب أعمدة وإعلاميين وفنانين ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية، وكل فرد مخلص لوطنه، العمل بجد لإرجاع الحال الجميل في العلاقات الإنسانية، الذي كان علامة مضيئة لمجتمعنا الحبيب.
بكل صراحة، إن حال علاقاتنا الإنسانية والاجتماعية غير الوطيدة في وقتنا الحاضر لا يسر أحداً من العقلاء والمخلصين في البلد .فالغيور في بلدنا لابد له أن يبذل ما امكن من جهود، ويعمل بإخلاص لإعادة اللحمة الوطنية التي كانت سائدة بين جميع مكونات البلد. فالمحرق وفريق الفاضل والبديع والقرى المجاورة لها وغيرها من المدن والقرى في مختلف محافظات البحرين، كانت من أروع الأمثلة في المحبة والتآخي والتعاون بين أهلها ومكوناتها، وتأجيل هذا المشروع الوطني أو التسويف فيه أو تجاهله، ستكون نتائجه وخيمة في المستقبل القريب والبعيد، والبدء به الآن أيسر بكثير من تأجيله إلى الغد.
لا ريب أن التاريخ سيخلد اسم كل من يسعى للمّ شمل الوطن، فالوطن لا يحتمل التفكيك والتفتيت الطائفي أو المذهبي أو العرقي، ولا يمكنه أن ينهض إنسانياً واجتماعياً وعلمياً واقتصادياً بالأحقاد ونشر الكراهية، والوطن لا يقوى اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً وسياسياً وعلمياً إلا بتآلف وتكاتف وتعاون وتآزر كل مكوناته وفئاته الاجتماعية .
مخطىء من يعتقد أن بالتمييز وسوء الظن والإقصاء والتهميش يتطور الوطن، وكل التجارب العالمية أثبتت أن السبيل الأوحد لتنمية البلدان هو التعامل مع جميع أبناء الوطن بالعدل والمساواة والإنصاف في الحقوق والواجبات، وأن لا يكون أحدٌ فوق القانون، فالجميع أمامه سواسية، لا فرق لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود أمام العدل الإلهي، فالفارق الوحيد بين الجميع هو التقوى، فالمتقي لله يخاف أن يبخس حق أحد من العباد، أو يظلمه أو يصادر ممتلكاته الخاصة من غير مبرر. فقوة الأوطان لا تأتي إلا بقوة تطبيق القانون على كل مخالف له ولأدبياته وأخلاقياته الحقيقية .
الإنسان في أي بلد لا يريد غير حقه بالعيش الكريم الذي يستحقه، والذي كفله له القانون المحلي والدولي. يريد أن يعيش كريماً عزيزاً في وطنه، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ إنسانية عليا. يريد أن يطمئن على مستقبل أبنائه التعليمي والاقتصادي والإنساني، وأن يكون له دور واضح في التنمية المستدامة ببلده. يريد أن يفيد بلده ويخدمه، ويرفض أن يكون عالةً على وطنه. والمواطن البحريني كأقرانه في كل أنحاء العالم، يتطلع إلى غد جميل له وللأجيال القادمة، ويطمح أن يحقق له وطنه كل متطلبات الحياة الرغيدة، البعيدة كلياً عن المنغصات والمعوقات والتحديات المصطنعة، ويأمل أن لا يؤخر أحد في التعيين أو التوظيف أو الترقيات أو الحوافز أو المكافآت، لأسباب واعتبارات غير موضوعية مخالفة للقانون. ولا نعتقد أن هناك صعوبة في تحقيق هذه الآمال والأمنيات على أرض الواقع لسهولتها .
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4998 - الجمعة 13 مايو 2016م الموافق 06 شعبان 1437هـ