يُمعن بعض الناس في ظلم من حولهم بقلوب كالحجر. لا يرفُّ لهم جفن ولا يساورهم ندم، وقد اتخذوا من هذا السلوك عادة لهم.
ظلمٌ متنوع الأشكال، بعضه يطول الفرد، فيما يطول بعضه الآخر المجتمع والشعوب. حتى وصلت فئة من الناس إلى ظلم أقربائهم دون غيرهم، وقد تناسوا قول الشاعر: «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنَّد».
فكثيراً ما تشكو بعض الزوجات ظلم أزواجهن لهن ومعاملتهم المجحفة، فيما هم يتفنون في إبداء أفضل ما لديهم عند تعاملهم مع غيرهن. وقد كشف المجلس الأعلى للمرأة في البحرين، أن الجهات الرسمية سجلت في العام 2015 نحو 955 حالة عنف تعرضت لها الزوجة في محيط العلاقات الأسرية بمختلف أنواعه سواء الجسدي أو اللفظي أو الاقتصادي أو النفسي.
وكثيراً ما يشكو أبناء ظلم آبائهم ممن اعتادوا على اعتبارهم أنداداً لهم، لا أبناء بحاجة إلى العطف والحنان والمودة والرحمة، كما يشكو بعض الأزواج غياب زوجاتهم عن تفاصيل حياتهم، وعدم اهتمامهن بتوفير احتياجاتهم العاطفية والمادية والجسدية، وهو ضرب من ضروب الظلم مادام يرادف التقصير وعدم أداء الواجب.
الكلمة الجارحة نوعٌ من الظلم. إذ كثيراً ما يوسم هذا أو تلك بأنه حاد الكلام، لا يجيد انتقاء ألفاظه فيعرف بأنه سليط اللسان.
القسوة في المعاملة نوعٌ آخر. إذ يتفنن بعض الأشخاص في أشكال قسوتهم على من حولهم حتى أن بعضهم يفاخر بكونه قاسي الطباع حادَّ المزاج.
البخل الماديّ والمعنويّ نوعٌ من الظلم. فكثيراً مّا تشكو بعض الأسر بخل أولياء أمورها وما يترتب عليه ذلك البخل من مشكلات مادية حين يتعلق الأمر بالبخل المادي؛ إذ البخل في الوقت والاهتمام والمحبة وجه آخر لهذي الصفة الذميمة، وقد تكون نتائجه أكثر ضرراً وشدة.
الأذى الجسديّ والنفسيّ الذي تخلّفه طريقة التعامل مع الآخرين نوعٌ من الظلم الذي قد تكون نتائجه طويلة الأمد، يصعب علاجها بسهولة. ظلمٌ يتبدّى في التهجّم على الآخرين جسديّاً عن طريق افتعال الشجار أو الضرب، أو معنويّاً عن طريق التلفّظ بأبشع الكلمات الجارحة والبذيئة وتوجيهها إلى الآخرين، وقد قيل قديماً: «جرح السيف يبرى، وجرح الكلمة ما يبرى».
ولا يمكن حصر الظلم في ظلمنا للآخرين، إذ أقسى أنواع الظلم هو ظلم النفس الذي بسببه يمكن لأيٍّ منا أن يتصرف بطريقةٍ غير لائقة مع غيره؛ لانتقاصه قدر نفسه واعتياده على ظلمها، ما يؤدي إلى اعتباره أي فعل ضد الآخرين هو من باب العادي والممكن.
أن يظلم أحدنا نفسه بالتفريط في راحته وسمعته ومكانته الاجتماعية، والتقليل من شأن نفسه وعدم ثقته بقدراته، وتفريطه في قوة علاقته بخالقه. تلك العلاقة التي من المفترض أن تجنبه كثيراً من الخطأ إذا ما ظل متيقظاً بأنه يراه ويراقب أفعاله.
أيٌّ كان شكل الظلم، وأيٌّ كان نوعه ولونه، سواء كان مما ذكرت أو مما لم أفعل، فإن هذا الفعل أمر مرفوض أخلاقيّاً وإنسانيّاً ودينيّاً، ولا يمكن لحياةٍ سويةٍ أن تستقيم بوجوده. فعن أبي ذر الغفاري، عن النبي (ص) قال فيما يرويه عن رب العزة: «يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تَظَّالموا».
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4996 - الأربعاء 11 مايو 2016م الموافق 04 شعبان 1437هـ
أحسنت! مقال رائع! وهنا رواية للإمام الجواد عليه السلام في قمة المراعاة والإنسانية في آداب العترة الطاهرة....
قال الامام المفدى مولانا الجواد( عليه السلام ) : ( مِن حُسن خُلق الرجل كَفُّ أذَاه ، ومن كرمه بِرُّه لِمَن يهواه ، ومن صبره قِلَّة شَكواه ، ومن نُصحِهِ نَهْيِهِ عما لا يرضاه ، ومن رِفقِ الرجل بأخيه ترك توبيخِهِ بِحَضرَةِ مَن يَكرَهُ ، ومِن صِدق صُحبَتِهِ إسقاطُه المُؤنَة ، ومِن علامة مَحبَّتِهِ كِثرةُ المُوافَقة وَقِلَّة المُخَالفة ) .
الظلم ظلمات والأديان السماوية والدساتير الأرضية كلها تحرّم الظلم وتمقته ولقد توعّد الله الظلمة بالخلود في جهنّم .
هذا امر معروف للأسف اصبح لدينا وفي البحرين بالذات بشرا يطبّلون ويرقصون لظلم بني جنسهم وبعضهم يساهم في انزال الظلم بأخيه وهؤلاء لا يقتصرون على طائفة دون اخرى
ابن العسبول
شكرا اختي الكاتبة علي طرح هذا الموضوع الاجتماعي خاصة / فعلا اصبح ظلم الانسان احيانا لاخيه او لاقرباءه من الامور الاعتياديه في مجتمنا الحالي / فإغراءات هذه الحياة الفانية كثيرة ... مني ما سنحت للانسان الفرصة في قطف بعض المناصب الاجتماعية عن غيره ولو كانت علي حساب صلة الارحام لا يهم ذلك عنده ....فتجده لا يهدئ له البال حتي يتم تصفيت واستهداف من امامه بل وعمل التحشيد عليه من كل جانب و حيث تواجده في المجتمع وصدق قول الشاعر / وظلم بني القربي اشد مضاضة ....
لا في زمننا أصبح الظلم شطارة وفهلوة وذكاء وتبجح بالانتصار بالظلم .. نعم هذا واقع الحال وسلام الله عليك يا أبا الحسن