هذه قصة فتاتين شقيقتين مجتهدتين، من كرّانة، إحدى القرى الوادعة على الساحل الشمالي من جزيرة البحرين، فيها الكثير من العبر والدروس التي لا نتعلّمها من المدارس والجامعات، وإنما نتعلمها من مدرسة الحياة.
إنَّها واحدةٌ من عشرات القصص، التي دأبت «الوسط» على نشرها في الأشهر الأخيرة، وبشكل شبه يومي، لشباب وشابات، تعاكسهم الحياة، ويدفعون ضريبة السياسة، التي تصيب بأوضارها البريء والمتهم، تهميشاً وحرماناً وإقصاءً متعمداً، ولكنهم يُصرُّون على البقاء كالنخيل مرفوعي الجباه؛ لأنهم من عشاق الحياة.
الشقيقتان تعملان في خياطة وتطريز لباس الحج والصلاة منذ طفولتهما، وقد ورثتا هذا الفن من جدتهما التي علمتهما استخدام الإبرة والخيط يدويّاً. وبعد رحيلها (رحمها الله)، اتخذت الأم هذه المهنة مصدراً لرزقها والصرف على عيالها، باستخدام مكنة الخياطة اليدوية، وبعدها الكهربائية. وكان حلم الدراسة يراود الشابة مهدية، لكن لم تستطع إكمال دراستها بالجامعة لوفاة والدها، فانسحبت من الجامعة على أمل الرجوع بعدما تتحسن ظروف العائلة المعيشية.
لم تنتظر مهدية، وإنّما بادرت إلى الالتحاق بجمعية الهلال الأحمر، لتعلّم التفصيل والخياطة والتطريز، وتخرّجت من الدورة بامتياز، وبدأت باستخدام مكنة خياطة والدتها، حتى قام شقيقها بإهدائها مكنةً بمناسبة تخرّجها. وبدأت بخياطة ملابس الأهل والصديقات، وعمل حقائب المدارس والولادة. ومع أول سانحةٍ، انطلقت لتكمل دراستها في معهد البحرين، وأقنعت شقيقتها زهرة بدراسة الخياطة حيث لم تكمل دراستها الجامعية للظروف نفسها. وتعلمت زهرة فن التطريز والخياطة، وأقدمت على فتح محل تجاري صغير، لكن الأزمة اضطرتها إلى إغلاقه لقلة الدخل، وعادت الشقيقتان إلى المربع الأول، بالعمل مجدّداً في المنزل.
يراود الشقيقتين حلمٌ بأن يكون لديهما مشغل صغير تزاولان فيه العمل بكل راحة واستقلالية، وتطمحان إلى الحصول على مكانٍ في مشروع الأسر المنتجة ليمكنهما العمل والتوسع. فلماذا لا تسهّل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عملهما بتوفير هذه المساحة في الأسر المنتجة؟ ولماذا لا يفكّر الصندوق الخيري بدعمهما برأسمالٍ ليقف مشروعهما على رجليه، وينتج ويثمر، فمثل هذه السياسة من أفضل ما يمكن أن تستثمر فيه الصناديق الخيرية بدل الطريقة التقليدية في تقديم المساعدات، على رغم أهميتها في سدّ النواقص للأسر المحتاجة، وكما تقول الحكمة الصينية، أن تعطي المرء سنّارةً وتعلّمه الصيد خيرٌ من إعطائه سمكةً كل يوم.
من هاتين الفتاتين العفيفتين الشريفتين، نتعلّم الكثير... تقول مهدية: «أتمنى من كل فتاةٍ لديها هواية، أن تستغلها وتحوّلها بقدر الإمكان، إلى مهنةٍ بجانب عملها الوظيفي لتضمن الاستقلالية والاعتماد على النفس». وهي نصيحةٌ لو اتبعها الكثيرون رجالاً ونساء، لتحسّنت أوضاع الكثير من الأسر ماديّاً ومعنويّاً.
هناك الكثير من الشباب والشابات من أبناء هذه الأرض، مثل هاتين الزهرتين الشريفتين، يبادرون إلى العمل ولا ينتظرون الفرص التي قد لا تجيء، في ظل نظام اقتصادي رأسمالي جشع لا يرحم؛ ونظام سياسي تخلّى عن حماية العمالة الوطنية بتركه سياسة «البحرنة» لصالح تمكين العمالة الأجنبية حتى أصبحت تستولي على 82 في المئة من فرص العمل التي يولّدها الاقتصاد الوطني.
لا تنتظروا الفرص التي يُبخل بها عليكم. أنتم قادرون على خلق فرصكم بتوكلكم على الله وثقتكم بأنفسكم. بادروا إلى خلق فرصكم وصنع مستقبلكم بأيديكم في هذه الصحراء. أيها الشباب القادر على العمل، الممتلئ بالطاقات والأفكار والإبداع والإصرار. كثيرون مثلكم استطاعوا... وأنتم أيضاً تستطيعون.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4995 - الثلثاء 10 مايو 2016م الموافق 03 شعبان 1437هـ
الله يوفق كل إنسان كادح
موفق كاتبنا
الزائر 8
أوافق بالرأي الزائر رقم 8 فيما أبداه من رأي.
السؤال اللي يسدح نفسه ليش المواطن يعاني في الحصول على وظيفه او مساعدة من الدوله في الوقت اللي الاجنبي يجنس ويحصل على بيت ووظيفه قبل ان يرى البحرين اوكيه انتوا حاقدين على فئه من المجتمع بس مو من حقك ان تحرمه من ان يعيش في وطنه بحريه وكرامه ليش تقفون مع الشعوب الاخرى لانها من نفس مذهبكم ولاكن تقفون بالضد من ابناء وطنكم
جزاك الله خيرا سيدنا في الدلالة على طريق الجد والاجتهاد والمثابرة فالتوكل على الله ثم التفكير في مشاريع ذات جدوى هو مفتاح لكل خير للجميع.
التشجيع مطلوب من كل المجتمع فليس الدعم المادّي وحده هو المطلوب بل الدعم في مسألة التسويق والترويج .
الدعم الاعلامي للسلع المنتجة وتحفيز الناس على تفضيلها في عملية شرائهم هي أحد ما يخدم هذه المشاريع وينجحها ويد الله مع الجماعة وقوم تعاونوا ما دلّوا
سيدي العزيز
الاعتماد على الدات هو ما يصنع الفارق. نعم أوافقك الرأي في انه يجب على الصناديق الخيرية تبني مثل هده المشاريع لتساعد المجتمع المطتهد في الوقوف على رجليه.
هناك في المملكة من ينظر إلى المساعدتهم
الله يوفق الجميع
تمنياتي للشباب ان يدخل عالم التجارة فتسعة اعشار الرزق في التجارة وليس عيبا ان يبدأ الانسان من الصفر ومن اول عتبة المهم هو العزيمة والاصرار وعدم اليأس من اول تجربة فشل
منطقي و جميل
قصة واقعية و ليست خيالية .وفيها الكثير من الفوائد و العبر .وكم نحن في أمس الحاجة اليوم قبل الغد إلى هيك صور و مقالات .لأنه لا يحك جلدك غير ظفرك. .. أتمنى لكل ابناء و بنات المملكة كل الخير
بيض الله وجهك يوم تسود فيه الوجوه
نعم كنت مولعه بالتجميل والديكورات والتحقت بالهندسة ولكني لم القس آس مجال للعمل الشركات الجاليه الهنديه والحكومه الواسطه ماعندي فعملت علي تأسيس دراسه الخطط التنفيذيه للتجميل الخارجي وكونت لي شريحة كبيره من الزبائن عن طريق التواصل الالكتروني الحمد لله فنادق بالامارات والدرجه وكذلك الكويت وحاليا عمان والرزق ماشي ومن يتوكل علي الله فهو حسبه الرزق مشروط بالحركه
الكاسر
لا بد من الصناديق الخيرة ان تتمني هدة الفئة ودعمها وتقديم التسهيلات لكي ترتقي ويرتقي المجتمع