أطلقت الحكومة المغربية خطة طموحة لمواجهة الفساد بكلفة بليوني درهم (نحو 200 مليون دولار)، بهدف محاربة الانحراف في الإدارات الحكومية ومؤسسات العدل والمحاكم والمستشفيات والتعليم والشرطة والبلديات والضرائب والجمارك ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "الحياة" اليوم الثلثاء (10 مايو / أيار 2016).
وتسعى الخطة إلى القضاء نهائياً على الرشاوى بحلول عام 2026، باعتماد إجراءات جذرية وتعميم التكنولوجيا والشفافية في المعاملات الرسمية، ومنح الرخص والوثائق الإدارية.
وتماشياً مع مقتضيات الدستور ووعي الآثار السلبية لانتشار الفساد على الاقتصاد الوطني ووتيرة نموه، أشارت مصادر حكومية إلى «العمل على تقوية أدوار الرقابة في مؤسساتها وتكريس استقلاليتها وتفعيل توصياتها، فضلاً عن تخليق الحياة العامة ونشر قيم النزاهة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة». وتكلف الرشوة في الصفقات والاستثمارات الحكومية نحو 2 في المئة من الناتج الإجمالي، ما يعوّق النمو ويزيد الفوارق ويضر بالتنافسية الاقتصادية ومناخ الأعمال واستقطاب الاستثمارات. وقُسّمت خطة محاربة الفساد إلى ثلاثة مراحل تُنفّذ كل واحدة خلال ثلاث سنوات، وتتبعها فترة تقويم النتائج عام 2025.
ويدعم البنك الدولي هذه الخطة، ويرى أن نجاحها يساعد في زيادة النمو الاقتصادي وحجم التدفقات المالية وتحسين المستوى الاجتماعي، ويقلص الفوارق ويقوي الثقة في المؤسسات». وقال وزير الوظيفة العامة محمد مبدع، إن الخطة «تحمل تصوراً استراتيجياً متكاملاً بإشراك جميع المعنيين، وتمتد عشر سنوات. ويمكن أن تتعاقب عليها حكومات مقبلة».
وانقسم الرأي العام بين مؤيد ومشكك، خصوصاً أن الخطة تأتي على بعد شهور قليلة من الانتخابات البرلمانية ما يضفي عليها الطابع السياسي. كما أنها لم تحدد طبيعة الفساد ومجالاته خصوصاً تلك المتعلقة بالمشاريع الكبيرة، التي تورط فيها مسؤولون في مؤسسات كبيرة ومحسوبون على هيئات سياسية نافذة.
وأفاد استطلاع للرأي أعدته مؤسسة الشفافية في برلين (غلوبال كوربشين باروميتر)، بأن «نحو 50 مليون شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دفعوا العام الماضي رشاوى لمسؤولين محليين، في مقابل خدمات كان يمكن الحصول عليها مجاناً في مستشفيات ومرافق عامة». واحتل المغرب مراتب متقدمة ضمن الدول العربية التي تضرر اقتصادها من الفساد، إلى جانب الجزائر وتونس ومصر ولبنان والأردن.
وكشفت الدراسة التي شملت نحو 11 ألف شخص، أن من «بين 9 دول عربية شملها استطلاع الرأي 5 منها يدفع مواطنوها الفقراء عمولات في مقابل خدمات أساس، يُفترض أن تكون مجانية مثل العلاجات والتراخيص والوثائق الإدارية وغيرها». وغالباً ما يكون سكان الأرياف والفئات المهمشة في المجتمع والأقل تعلماً، والتي لا نفوذ ومعارف لها، الأكثر عرضة للابتزاز خصوصاً في المستشفيات ومرافق العدل والمحاكم ومخافر الشرطة». وأظهرت الدراسة أن «ثلث المجتمع يتعامل بالرشوة في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط لوجود تعقيدات إدارية، ولعدم نجاعة أداء المؤسسات الحكومية». ويتفادى المتضررون الإبلاغ عن الفساد بسبب ضعف الحماية بما في ذلك وسائل الإعلام».
ولفتت الدراسة الألمانية إلى أن «76 في المئة في لبنان و69 في المئة في الجزائر و64 في المئة في المغرب، و62 في المئة في تونس و61 في المئة في الأردن وفلسطين، و58 في المئة في مصر، يعتقدون بأن الحكومات المحلية «لم تفعل ما يكفي لمحاربة الفساد أو أنها تحميه».
ويتوقف انخراط المواطنين في الإبلاغ عن الرشاوى ومحاربتها، بإشراكهم في برامج التوعية وتعديل قوانين حماية المبلغين وزيادة الشفافية وإعلان الإرادة من قبل الحكومات. ويعتقد 61 في المئة من السكان في منطقة «مينا»، أن الفساد «ازداد العام الماضي، وطاول بنسبة 45 في المئة المؤسسات المنتخبة (البرلمان) والحكومات المحلية والبلديات، وبنسبة 40 في المئة قطاع الأعمال، و34 في المئة الشرطة، ونسبة 33 في المئة القضاة ورؤساء المحاكم، و29 في المئة الأعيان المحليين والوجهاء، و19 في المئة الزعماء الدينيين».
وتميل الدراسات إلى أن «القضاء على مظاهر الفساد المالي والإداري والسياسي في المنطقة العربية، رهن بتطوير حقوق الإنسان والممارسة الديموقراطية وإصلاح الإدارات وسلوكيات المسؤولين». وتخسر دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط «ما بين 2 إلى 5 في المئة من ناتجها الإجمالي، بسبب الفساد الذي يقلص فرص جذب استثمارات ويضعف التنافسية ومردود الإنتاجية».
ويرتبط الفساد بمناخ الأعمال، وفقاً لتقرير البنك الدولي عن ممارسة الأعمال - 2016، «وتحتل ليبيا المرتبة الأخيرة 188، وسورية 173، والعراق 160 والجزائر 161، ومصر 126 ولبنان 121، والأردن 107 والمغرب 80 وتونس 75 من أصل 189 بلداً». وحلت الإمارات في المرتبة 32 عالمياً، وهي أفضل دولة عربية في مناخ الأعمال وضعف الفساد».