احتضنت تونس، الخميس 5 مايو/ أيار 2016، الدورة 34 لمجلس وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي، والذي يضمّ كلاً من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
وقد هيمن ملفّ الإرهاب على نقاشات الاجتماع في ظلّ الظرف الأمني الحسّاس الذي تشهده منطقة المغرب العربي وجوارها الإقليمي، ظرف أمنيّ ترتّبت عنه الكثير من المخاطر وعلى رأسها الظّاهرة الإرهابيّة التي أصبحت تهدّد أمن دول اتحاد المغرب العربي واستقرارها. وقد تصدّر الوضع في ليبيا جدول أعمال الاجتماع لبحث المساندة الدبلوماسيّة للدول الأعضاء لحكومة الوفاق الوطني الليبي، ومساعي تقريب وجهات النظر لوقف الانقسام الداخلي، وتوحيد جهود الليبيين في محاربة التنظيمات الإرهابية، وإحلال السلم بالبلاد والمنطقة بصفة عامة.
وقد تأسس اتحاد المغرب العربي في العام 1989، في إطار موجة التكتلات الإقليمية التي عرفها العالم لمواجهة تحديات العولمة. وقد مرّ مسار التأسيس بمحطات مهمّة في جهود بناء اتحاد المغرب العربي؛ ففي أبريل/نيسان 1958 انعقد لقاء طنجة بين زعماء الحركة الوطنية في كل من المغرب والجزائر وتونس، بهدف الشروع في بناء اتحاد المغرب العربي، ودعم استقلال الجزائر، وفي يونيو/ حزيران 1988كانت قمة زرالدة بين زعماء الدول الخمس للتحضير لتأسيس اتحاد المغرب العربي. وفي فبراير/ شباط 1989، وقّع في مدينة مراكش رؤساء الدول الخمس معاهدة اتحاد المغرب العربي.
ويهدف اتحاد المغرب العربي إلى تعزيز علاقات الأخوة التي تربط بين الدول الأعضاء وشعوبها، بحكم العوامل المشتركة مثل «التاريخ المشترك والدين واللغة» و»التطلعات المستقبلية العميقة والقوية» إلى «إنشاء اتحاد»، كما جاء في ديباجة المعاهدة من أجل تحقيق التقدم والرفاه لشعوب المغرب العربي وحماية حقوقهم. كما يسعى الاتحاد إلى الوصول التدريجي إلى حرية تنقل الأشخاص والخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين الدول الأعضاء، فضلاً عن اعتماد سياسات مشتركة في جميع المجالات.
وقد انعقد الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية لدول اتحاد المغرب العربي في إطار التجاوب مع مستجدات المرحلة الحالية، عربياً وإقليمياً ودولياً، وما تطرحه من تحديات مشتركة على جميع الأصعدة، ولا سيما الصعيد الأمنيّ؛ لذلك أولى الوزراء جل اهتمامهم لسُبُل دعم حكومة الوفاق الليبية في مكافحة الإرهاب الذي يتزعّمه تنظيم «داعش»، وقد شدد مجلس وزراء الخارجية على ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة تراب ليبيا، وتلاحم نسيجها الإجتماعي، مجدداً رفضه لأي تدخل عسكري، مع التأكيد على ضرورة تحمل المجموعة الدولية مسئولياتها في دعم حكومة الوفاق الوطني التي يقودها فايز السراج، باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة للشعب الليبي. كما ناقش المجتمعون عدة ملفات أمنية، أبرزها تبادل المعلومات بشأن الإرهاب، وسبل دعم التعاون في تكوين الأمنيين في مقاومته.
لكن، لاتزال حصيلة العمل المشترك بعد 27 عاماً من تأسيس الاتحاد المغاربي متواضعة؛ فسِجِلُّ الاتحاد لم يرق، في سياق عالميّ يتسم بتجمعات إقليمية قوية، إلى مستوى تطلعات شعوب بلدان الاتحاد. وقد انتهى اجتماع مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي الأخير دون أن يحمل جديداً لمستقبل المنطقة، واكتفى بدعم الدول المغاربية لحكومة الوفاق الوطني الليبي، على رغم أهمية الاجتماع سواء من ناحية التوقيت أو المرحلة؛ ذلك أنّه لم يخرج عن السياق المعتاد أو على الأقل المتوقع فيما يخص القضايا الحساسة والأمنية بالأساس خاصة الوضع في ليبيا وسورية، وكيفية مساعدة حكومة فايز السراج على بسط سيطرتها. وإذا أمعنا النظر في نصوص الاتفاقية نلحظ بيسر تنفيذ عدد قليل منها من أصل سبعة وثلاثين، لذلك لم يتمكن اتحاد المغرب العربي من الإقلاع، وهو في انتظار أن تنفخ فيه الحياة بشكل قويّ من جديد.
من أجل ذلك لا بدّ من مضاعفة الجهد واستدراك الفرص الضائعة لتحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها اتحاد الدول المغاربية حتى يصبح لها وزن اقتصادي وسياسي في العلاقات الدولية، وحتّى تغدوَ شريكاً فعالاً لمختلف التكتلات الإقليمية والعالميّة. وقد لا يتحقق ذلك إلاّ بإلغاء الحدود وتوفير وسائل المواصلات لخلق حركة للمبادلات السلعية وللخيرات والخبرات ولرؤوس الأموال. كما أنّه من الضروريّ تحديث مؤسسات الاتحاد ومراجعة منهجية عمله، وكذلك إعادة النظر في كافة النصوص القانونية المعتمدة بما فيها معاهدة التأسيس من أجل الإسراع في عملية إصلاح حقيقية وواعية لمنظومة اتحاد دول المغرب العربي.
إنّه وعلى رغم أهمية اتحاد المغرب العربي كخيار استراتيجي إلا أن الخلافات السياسية كانت ولاتزال عقبة أمام تفعيل هذا الاتحاد، ما يستوجب الإسراع في عملية إصلاح حقيقية وواعية لمنظومة الاتحاد على غرار التطورات التي تشهدها التكتلات الإقليمية والدولية الناجحة، لذلك على دول اتحاد المغرب العربي أن تراهن على الوحدة المغاربية كخيار استراتيجي، وتحرص على دعم مسيرة اتحاد المغرب العربي وتفعيل آلياته، وتتخلّص من الخلافات البينية من أجل الدفع بالعمل المشترك بما يستجيب لتطلعات شعوب المنطقة إلى الإندماج والتكامل.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4994 - الإثنين 09 مايو 2016م الموافق 02 شعبان 1437هـ
شكرا استاد على المعلومات عن المغرب العربي هذا الجزء العزيز من وطننا العربي
هذا نعم نقد بناء
لكن، لاتزال حصيلة العمل المشترك بعد 27 عاماً من تأسيس الاتحاد المغاربي متواضعة؛ فسِجِلُّ الاتحاد لم يرق، في سياق عالميّ يتسم بتجمعات إقليمية قوية، إلى مستوى تطلعات شعوب بلدان الاتحاد. وقد انتهى اجتماع مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي الأخير دون أن يحمل جديداً لمستقبل المنطقة،
مسك الكلام:
على دول اتحاد المغرب العربي أن تراهن على الوحدة المغاربية كخيار استراتيجي، وتحرص على دعم مسيرة اتحاد المغرب العربي وتفعيل آلياته، وتتخلّص من الخلافات البينية من أجل الدفع بالعمل المشترك بما يستجيب لتطلعات شعوب المنطقة إلى الإندماج والتكامل.