يحفل العدد 689 من مجلة «العربي»، لشهر أبريل/ نيسان 2016، بموضوعات ثرَّة، جمع فيه ملفات وتحقيقات، واستطلاعات ولقاءات وشهادات، وفنوناً، وأدباً ونقداً ولغة، وتاريخاً وتراثاً وشخصيات، وعلوماً، وموضوعات متفرقة.
خصصت المجلة استطلاعها الثاني لمكتبة الكويت الوطنية، التي تأسست في العام 1923، على يد نخبة من وجهاء الكويت ومثقفيها وأدبائها. في بداية تأسيسها لم تتجاوز أعداد كتبها 1500 كتاب، لتضمَّ اليوم أكثر من 310 آلاف كتاب.
من تأسيس المدرسة المباركية في العام 1911، والأحمدية في العام 1921، مروراً ببداية تبلور الصحافة الكويتية، من خلال مجلة «الكويت» في العام 1928، التي أسسها الشيخ عبدالعزيز الرشيد، والنادي الأدبي في العام 1924، وعودة إلى تأسيس الجمعية الخيرية في العام 1913، والتي منها بدأت مسيرة المكتبات في دولة الكويت. انتقلت مكتبة الجمعية الخيرية لعدم استمرارها إلى ديوانية علي بن عامر، إلى أن تحولت إلى مسماها الجديد: المكتبة الأهلية.
ويشير الاستطلاع إلى أنه في العام 1936، شكلت المكتبة الأهلية مجلسَ إدارة جديداً تكون من كل من: الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، رئيساً، وعبدالله العمران النجدي، ملاحظاً لأعمال المكتبة، وعبدالحميد الصانع مشرفاً على شئون عملها، وكانت تضم وقتها 1500 كتاب.
في العام 1937، احتضنت الحكومة المكتبة الأهلية «وضمّتها إلى دار المعارف العامة، وعلى مدى أكثر من أربعين عاماً أُودعت فيها كتب ومجلدات تعتبر من ذخائر الأدب العربي». وفي العام 1979، تم ضم مكتبة المعارف العامة إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وبلغ مجموع كتبها في ذلك الوقت 50 ألف كتاب بخلاف المجلات والدوريات والمخطوطات النادرة.
جناح للمكتبات الخاصة
مع حلول العام 1994، تم إنشاء مكتبة الكويت الوطنية بموجب مرسوم أميري رقم 52 لسنة 1994، حدد أهدافها وتنظيمها. وتشغل المكتبة مساحة 22 ألف متر مربع مزودة بأحدث التجهيزات والمعدات الهندسية والفنية والأمنية لأنظمة التشغيل، وتتكون من ثلاثة طوابق، وتحتوي على 310 آلاف كتاب ومجلد، وخصص الطابق الأول لمكتبة الدوريات، وتحوي 800 عنوان لدوريات عربية و 150 عنواناً لدوريات أجنبية، وأقسام ثلاثة أخرى لعلوم الاجتماعية واللغات والرسائل الجامعية والمعارف العامة والفلسفة وعلم النفس والأديان، والتاريخ والجغرافيا.
أما الطابق الثاني فيحتوي على قسم المطبوعات الحكومية، ومطبوعات الأمم المتحدة، ومصنفات ثلاثة للفنون والعلوم والآداب والعلوم التطبيقية والعلوم البحتة. وبالنسبة إلى الدور الثالث، فهو معني بالمكتبات الخاصة التي تم رفدها بالكتب التي أوصى بعض أعلام الثقافة والأدب والفكر والإعلام لتكون ضمن محتويات المكتبة الوطنية، ومن بين أبرز تلك المكتبات: مكتبة الشاعر الراحل أحمد مشاري العدواني. كما يحتوي الطابق الثالث مكتبة تضمُّ الكتب النادرة ومكتبة التراث العربي، ويصل عددها غلى 30 ألف كتاب، علاوة على المخطوطات الأصلية من أمهات التراث العربي يصل عددها إلى 2700 مخطوط. وتطرَّق الاستطلاع إلى المشاريع المستقبلية للمكتبة، والأنشطة والفعاليات.
المتنبي... الميكافيللي
«عبقرية المتنبي... وإعادة كتابة التاريخ»، هو حديث الشهر الذي يكتبه رئيس التحرير، عادل سالم العبدالجادر، الذي خرج بمجموعة من الأحكام والنتائج، وهو يستعرض شخصية شاعر العرب الأكبر على مر العصور أبوالطيب المتنبي، بعد أن استعرض أفكار الذين تناولوا شعره وشخصيته ومن بينهم العلامة المحقق محمود شاكر، والذي رأى أنه لم يتوغل في شرح ظروف الزمان والمكان والصراعات السياسية والدينية في زمن المتنبي التي انعكست على حياته وثقافته وشعره، ورأى العبدالجادر أنه «لكي نعرف مكانة المتنبي الحقيقية، لابد لنا أن نبحث في معتقده السياسي والديني».
وفي ربطه الظرف الزمني، يضيء العبدالجادر ما اكتنف القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، من أفكار واعتقادات وحركات سرية وثورات سياسية ودينية وشعوبية، حيث كان المتنبي معاصراً لها، والقرامطة على رأس تلك الحركات والثورات. مثل ذلك التسلسل في الطرح يترك لدى القارئ شعوراً مسبقا بأن العبدالجادر يرمي إلى تأثر المتنبي بتلك الحركات والتيارات، إلا أنه يؤكد عدم جزمه «بأن المتنبي تأثر بالدعوة الإسماعيلية» تحديداً، ليستدرك «ولكن يغلب الظن أن عقيدة ختم النبوة في عصره كان محط نقاش بين (المُعطِّلة) من جهة و (المشبِّهة) من جهة أخرى».
ومن الأحكام التي يطرحها العبدالجادر حول المتنبي تلك التي يرى فيها أنه ميكافيللي في تبرير النزعة النفعية، كما أنه مارس «التقية» للوصول إلى المناصب السياسية وإن لم يفلح.
«الفجيرة... موانئ الأمل»
خصصت المجلة استطلاعها الأول لإمارة الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حمل عنوان «الفجيرة... موانئ الأمل»، يبدأ بالمشاهدات مدعَّماً بإسناد تاريخي يعيد الإنسان في الإمارة إلى العصر الحجري، من خلال بعثات التنقيب التي تمّت قبل أكثر من 30 عاماً في مناطق متفرقة من الإمارة من بينها: مريشيد، وقدفع، والبثنة، ودبا، مع إشارة إلى غلبة الأدوات الصوَّانية المكتشفة في المواقع الساحلية، وهي عبارة عن رؤوس لسهام حجرية يعود تاريخها للألفين الرابع والخامس قبل الميلاد. كما تتواصل الإطلالة التاريخية مع بدء ظهور الإسلام «حيث بعث النبي صلى الله عليه وسلم رسوله عمرو بن العاص برفقة أبي زيد بن السكن الأنصاري، إلى جيفر وعبد ابني الجلندي بن المستكبر الأزدي، وكانا يحكمان المنطقة آنذاك، داعياً إياهما للإسلام».
الاستطلاع يتنقل بين مسجد البدية، مع وصف لموقعه ومساحته ومراحل تجديده، وقلعة الفجيرة التي تقع على أعلى تل صخري في الشمال الغربي من قرية الفجيرة القديمة، وتم تشييدها بين العام 1500 و 1550م، كما يسلط الاستطلاع الضوء على مجموعة من الفنون الشعبية والحرف، والأطعمة المحلية الشعبية والرياضة الأشهر في الإمارة: رياضة الثيران التي تقام فعالياتها عصر كل جمعة في ساحة تطل على كورنيش الفجيرة، وإطلالة سريعة على مهرجان الفجيرة الدولي للفنون، وإضاءة على مينائها الشهير، والذي يعدُّ رئة دولة الإمارات، وخزَّانات النفط العملاقة على أراضيها.
بلند الحيدري
يكتب الشاعر المصري فارق شوشة جوانب من الغفلة الكبرى التي عُومل بها الشاعر العراقي الكبير الراحل بُلَنْد الحيدري، في مقالة تحت عنوان «بُلَنْد الحيدري الرائد الذي أغفلوه»، متناولاً قيمة وثيمة الصمت التي لزمت الكثير من أعمال الحيدري، وكأنه امتياز له من بين جميع الشعراء من جيله، وفي ذلك يتخذ مفتتحاً له للاستشهاد بما كتبه قبل 70 عاماً الناقد والمفكر اللبناني مارون عبود، عن تجربة الحيدري في بواكير كتابته الشعرية «ليس فينا من قدَّر الصمت واستوحاه كما استوحاه هذا الشاعر، وقلَّ في الأدب العربي من أوحت إليه الطريق ما أوحت إلى بُلَنْد الحيدري. أشهد أن ديوان بُلَنْد الحيدري (خفقة الطين) أحفل ما رأيت من دواوين الشباب بالشعر، ولعله الشاعر الذي تحلم به بغداد».
يقف شوشة طويلاً على عدد من النصوص، متناولاً جمالياتها، ولغتها والرؤى المكتنزة بها، وعلى مقربة من ثيمة الصمت التي بدأ بها مقالته، مختتماً مقاله بالقول «بين عامي 1926 و 1996، عاش بُلَنْد الحيدري، كُتب عليه أن يولد في كردستان العراق، وأن يُوارى في لندن، وعبر هذه السنوات السبعين كانت رحلة حياة وشعر، لإنسان رائع من البشر وشاعر متفرد من شعراء العراق الأفذاذ، وخفوت صوت ونبرة لدى من أغفلوا شعره ولم يجعلوه في موضعه المتقدم من ديوان الشعر العراقي والعربي الحديث، فظلموه مرتين حياً وميتاً (...)».
الأكاديمي جابر عصفور يتناول «سيرة وعي ناقد أدبي»، فيه الكثير من مخزون الذاكرة، وتقترب من السيرة الذاتية التي لم يشأ أن تكون ضالعة فيها بالمعنى الحرفي، لكنها تتضمن وقوفاً على العلامات الأولى، وما اكتسبه من خبرات منذ دخوله الجامعة، والدور الذي لعبه أعلام الثقافة العربية والمصرية في تكوينه الثقافي والفكري، من طه حسين، محمد مندور، ولويس عوض، ومركز الجذب الأكبر الذي مثَّله عميد الأدب العربي في مسيرة عصفور الثقافية والأكاديمية. تناول تلك السيرة لم يخْلُ من تقعيد لبعض المفاهيم النقدية، وتأصيل لبعض الإشكالات التي انتابت الممارسة النقدية العربية. ويقف على تعريفه للنقد الأدبي، في جانبه التحليلي الأخير بأنه «عملية مساءلة متعددة الأطراف والأوجه (سواء بالمعنى الأفقي السنتجماتي - ويرتبط بالحقل الدلالي لكلمة ما فتمثله كل الكلمات التي لها علاقة بتلك الكلمة، سواء كانت علاقة ترادف أو تضاد أو تقابل جزئي أو كلي... فكل مجموعة نسميها الحقل، و الحقل هو المعنى العام الذي يشمل كل الوحدات، بحسب تعريف الأكاديمي عبدالسلام المسدِّي - أو الرأسي الباراجماتي - العملي -)».
الأسئلة التاريخية... الانتظار
الأكاديمي الكويتي عبالمالك خلف التميمي، في ورقته «أسئلة تاريخية تنتظر الإجابة»، يبحث فيها بداية التأثير الذي يلعبه الماضي على حاضر البشر، وارتباطهما بالتأثيرات والتغيرات التي ستطال المستقبل بالضرورة. كما يبحث التميمي المشكلات التي تواجه دارس التاريخ، وضرورة امتلاكه فهماً عميقاً له ومنهجية للبحث، كما يثير قضية الوثيقة التاريخية، وهل يمكن التسليم بكل ما تأتي به وتحمله، أم نذهب في اتجاه البحث، وخصوصاً أن بعض وثائق الحدث التاريخي الواحد مضادة لبعضها «بحسب المصادر التي تناولت ذلك الحدث».
ورقة التميمي تثير الأسئلة المفصلية المتعلقة بهذا الملف ذي الأهمية الكبرى والتأثير البالغ حتى على طبيعة اللحظة الراهنة، من بينها: هل يعيد التاريخ نفسه؟ وماذا عن إعادة كتابة التاريخ، الإجابة على الشق الأول: حوادث التاريخ لا تعيد نفسها، فإعادة الحوادث يعني أن الأوضاع لا تتطور، وفي ذلك سكونية، والسكونية علامة التخلف، وبالنسبة إلى الشق الثاني، هو يرى أن إعادة كتابة التاريخ، تمت إشاعتها من قبل بعض الأنظمة الدكتاتورية حتى تلمِّع عهودها «من خلال تجنيد هواة الكتابة التاريخية السياسية، ولإخفاء جرائم وتخلُّف تلك الأنظمة (...)».
لا تبعد الأسئلة التي يطرحها التميمي في ورقته عن استشراف المستقبل في محاولة الإجابة عنها، ووضع اليد على الأخطاء الكبرى التي راكمت تاريخاً من التخلف والاستبداد، وفي الوقت نفسه تتلمس تلك الأسئلة الطريق إلى مواجهة أخطاء الحاضر، تلك التي كلما تأبَّدت مع مرور الوقت والزمن تصبح جزءاً لا يتجرأ من القبول بها، والنظر إليها باعتبارها قدَراً لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه.
السمَّان: ريبورتاج الموت
من بين موضوعات العدد، في باب التاريخ: «الزنكيون والأيوبيون... من الإمارة إلى مشروع الدولة»، لعادل سالم العبدالجادر، و «وجهاً لوجه»، ضم لقاء أجراه الكاتب العراقي عِذاب الركابي مع الروائية والكاتبة السورية غادة السمَّان، تناول مراحل من تجربتها الروائية والقصصية، إضافة إلى استنطاقها في موضوعات تتعلق بما قبل/ بعد الكتابة، والدور الذي تلعبه في ترتيب نفسية الإنسان، وكذلك المحيط من حوله. تم تناول موضوع الموت الذي قالت عنه إنه «فيروس يصيبنا لحظة ولادتنا ولا شفاء منه... وبين شهقة الولادة وشهقة الاحتضار نعربد، وبعضنا يمشي في الأرض مرحاً، لكننا جميعاً، الطغاة والعبيد نعيش في صالة الترانزيت بانتظار النداء علينا لنركب الطائرة إلى كوكب آخر لم يعد منه أحد ليكتب ريبورتاجاً مصوراً عن مشاهداته».
كما تضمَّن العدد ورقة للناقدة والكاتبة الجزائرية فضيلة عبدالكريم عنوانها «دراسة تأويلية في معارضة شعرية تفاعلية»، وورقة للأكاديمية اللبنانية ريتا عوض تناولت فيها «النظريات الرئيسة في تاريخ الأدب الغربي ونقده»، وعن مشروع الكاتبة والقاصة الكويتية ليلى العثمان، جاءت ورقة الأكاديمي المصري إيهاب النجدي «ليلى العثمان وكتابة الذات»، وساهمت الكاتبة المصرية رضوى فاضل الأسْود بورقة عنوانها «(الطلياني) بين الجائزة والخطابية»، ويرسم الأكاديمي اللبناني ميشال جحا، بورتريهاً للشاعرة العراقية لميعة عباس، مع وقوف على بعض نصوصها، وإضاءة يقدمها الأكاديمي اللبناني محمد أمين فرشوخ، بعنوان «شاعر الشعب، عمر الزعني... الرسام بالكلمات».
كما احتوى العدد نصوصاً شعرية لكل من: مجدي بن عيسى، من تونس، ياسين الأيوبي، من لبنان، محمود فرغلي، من مصر. وتم تخصيص باب الموسيقى لمسيرة الموسيقار المصري «رياض السنباطي عملاق الموسيقى العربية المعاصرة». وفي باب «ثقافات»، يساهم الكاتب الفلسطيني محمد الأسعد بورقة حملت عنوان «ظلال الدم وصراع الثقافات»، وفي باب العلوم، نقرأ «الرياضيات... منهجاً للتفكير»، للأكاديمي السوري محمود باكير، و «الديسيلكسيا... خلل جيني في التطور الجنيني» للأكاديمي المصري أمير ذكي، وفي الاتجاهات التربوية، تساهم الكاتبة والمترجمة البحرينية المقيمة في مصر أمينة التيتون بورقة حملت عنوان «المجتمع المستدام»، وغيرها من الأبواب الثابتة في العدد.
منذ 58 عاماً، ومجلة «العربي» الكويتية، علامة مضيئة في سماء الثقافة العربية، بما قدَّمته من أسماء ونصوص ومباحث ودراسات ورحلات وإضاءات على مناطق مغيَّبة في الجغرافية العربية وجغرافية الشرق، وبالأهمية نفسها، استطاعت أن تواصل مشوارها على رغم المعوقات والأحداث التي مرَّت على الشرق عموماً، ومنطقة الخليج العربي خصوصاً. ظلت قادرة على المحافظة على خطوطها الرئيسة والمنهجية التي اتخذتها منذ حضورها الأول وانتشارها في الجهات العربية الأربع.