حذر التصنيف المرحلي الجديد للأمن الغذائي (IPC)، لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، من أن الصراع المستمر والانكماش الاقتصادي المرافق للأحداث في جنوب السودان خلّف نحو 3.8 ملايين شخص يواجهون مستويات الطوارئ وطور الأزمة بالنسبة إلى انعدام الأمن الغذائي؛ ويفوق هذا الرقم ما أورده التصنيف السابق الذي أصدرته «فاو» في (ديسمبر / كانون الأول 2014) بمقدار 1.3 مليون نسمة.
ويضيف التصنيف أنه ما لم تتخذ إجراءات لتدارك الوضع فسيتفاقم لتصل هذه الأعداد إلى 4.6 ملايين شخص، أي نحو 40 في المئة من مجموع سكان البلاد بحلول الشهر المقبل.
وتشير معلومات «فاو» التي رصدت الأوضاع إلى (إبريل/ نيسان)، إلى أن معظم الأشخاص المتضررين - ويبلغون ثلاثة ملايين في مستوى الأزمة، و800.000 في طور الطوارئ - يتركزون في شمالي شرق البلاد وهي منطقة أعالي النيل الكبرى الأشد تضرراً من القتال، بينما يعثر على أعداد كبيرة أيضاً في الجزء الغربي بولاية بحر الغزال الكبرى، إذ تواصل الظروف تدهورها نتيجة امتداد النزاع.
وتمخض الصراع عن تعطل موسم الزراعة في العام الماضي في ولاية أعالي النيل الكبرى، مؤدياً إلى تشريد الملايين من رؤوس الماشية وفرار الرعاة إزاء القتال إلى أنحاء متفرقة من البلاد. ومع تصاعد القتال يتواصل تشريد أعداد إضافية، فيما يتجاوز ما سجل بالفعل في العام 2014 بنحو 1.5 مليون شخص في تلك المنطقة. في الوقت ذاته، فحتى في المناطق غير المتضررة من الصراع لم يعد يعمل العديد من الأسواق على نحو كاف، في حين دفع ارتفاع التضخم وهبوط قيمة العملة المحلية بأسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع.
وكشف تقرير «فاو» أيضاً عن أنه بالإضافة إلى 3.8 ملايين شخص يصنفون في مستويات الطوارئ والأزمة، فثمة 4 ملايين بلغوا مرحلة الإجهاد الغذائي. وقال رئيس المستشارين الفنيين في برنامج نظام معلومات الأغذية والزراعة بجنوب السودان الخبير إرمينيو ساكو، إن ذلك يعني «أن السكان لن يكونوا قادرين على إدامة معيشتهم أو تلبية احتياجاتهم الغذائية من دون اللجوء إلى آليات مواجهة سلبية بما في ذلك استهلاك الأطعمة البرية وتخطي وجبات الطعام»، علماً بأن هذا البرنامج هو مشروع «للفاو» يموّله الاتحاد الأوروبي من أجل دعم إرساء أسس مؤسسية متينة لنظم معلومات الأمن الغذائي على الصعيد الوطني وعلى مستوى الولايات الإدارية.
وأضاف أن «الاتجاهات الملاحظة، مثل اضطراب السوق مع زيادة أسعار المواد الغذائية، ستؤدي حتماً إلى دفع هذه الفئة من السكان إلى دوامة من المستويات الحادة لانعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد».
ويشكّل التصنيف المرحلي للأمن الغذائي مبادرة متعددة الأطراف تُطبِّق نهجاً موحداً في قياس مستويات الأمن الغذائي، ولاسيما في حالات الأزمات؛ وتتوقف التقديرات النهائية على الإجماع الفني بين الأطراف ذات الشأن بما في ذلك الحكومات.
سبل المعيشة في خطر والأسعار تواصل صعودها
وبالفعل سجلت أسعار الحبوب والزيوت النباتية والسكر المنتجة محليّاً والمستوردة في عاصمة جنوب السودان وأكبر مدنها جوبا، زيادات تتراوح بين 24و69 في المئة في الربع الأول من العام، في ما يمثل حاليّاً ما هو 90-100 في المئة فوق المستويات الموسمية العادية.
ويستحوذ شراء الغذاء عادة على حصة كبيرة من إنفاق الأسرة وما يصل إلى 85 في المئة من دخل فقراء الحضر. ومع تآكل الدخل والانكماش الاقتصادي على نحو متواصل، سيعجز أشد الفقراء في المناطق الحضرية والريفية عن تلبية احتياجاتهم الغذائية.
ويشير التصنيف المرحلي إلى كيفية تهديد الصراع لسبل المعيشة في الريف، ولاسيما في ولاية أعالي النيل الكبرى مع تفاقم حالة الأمن الغذائي. وعلى سبيل المثال، لوحظ انخفاض كبير في عدد الأسر التي تحصل على دخل من الأنشطة العارضة - والتي تتطلب مهارات أو لا تتطلب مهارات - حيث تراجع المستوى مما يتراوح بين 20 و30 في المئة اعتيادياً الى مجرد 6 إلى 8 في المئة.
وكموارد بديلة، يشارك عدد متزايد بالمناطق الريفية الآن في خيارات مثل بيع المحاصيل والثروة الحيوانية والموارد الطبيعية، مثل الأخشاب والعشب والحطب والفحم النباتي، أو يجدّون سعياً وراء المساعدات الغذائية من خلال علاقات القرابة.
الأمن الغذائي رهن بإنهاء الصراع
وشدد تقرير التصنيف المرحلي على أن تحسن حالة الأمن الغذائي تظل رهناً إلى حد بعيد بحالة الأمن، وحسم النزاعات، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتدفق المساعدات الإنسانية غير المقيدة.
وكجزء من برنامج تدعيم تجاوب السكان في جنوب السودان، تمضي منظمة «فاو» بتصعيد جهودها للوصول إلى 2.8 مليون شخص من خلال دعم سبل المعيشة بتوفير أطقم حالات الطوارئ في العام 2015 بما في ذلك مجموعات المحاصيل، والخضراوات، ومستلزمات الصيد، ووسائل معالجة القطعان. لكن المنظمة تحذر من أن قدرة شعب جنوب السودان على التعافي ستظل هشة ما لم يتمكن السكان من أن يستأنفوا كليّاً إعادة بناء سبل معيشتهم.
وقال ممثل المنظمة سيرج تيسو، إن «المنظمة في جنوب السودان تمضي بتكييف عملياتها وتحديد أولويات تدخلات الطوارئ وصولاً إلى أشد ضحايا انعدام الأمن الغذائي. لكن مصدر القلق الرئيسي يظل السلامة وإمكان بلوغ هذه الفئات في الوقت المناسب».
وأضاف خبير «فاو»، «ولتجنب مزيد من التفاقم في الأوضاع، وذلك إلى حد الكارثة في حالة الأمن الغذائي للفئات الأضعف، فمن الأهمية بمكان أن يواصل الشركاء التوسع في دعم سبل تدبير المعيشة للسكان في حالات الطوارئ، فضلاً عن تدعيم قدرة تجاوب السكان».