أكد وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة أنه في ظل الأحداث المتلاحقة والمتغيرات المتسارعة التي تحيط بمنطقتنا خاصة والعالم عامة، نحن بحاجة ماسة لاستلهام الدروس والعبر من سيرة المصطفى لتعيننا بعد الله تعالى على الصمود أمام عاصفة الأحداث المتوالية، ولا شك أن وحدتنا وتكاتفنا بعد إيماننا بالله خير معين لنا، وأن الالتفاف حول القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين ، وكذلك ضمن منظومة مجتمعنا الخليجي وقياداته ومساندتهم فيما يتخذونه من قرارات وإجراءات تهدف إلى حماية أمن الخليج واستقرار دوله وتحقيق أمن شعوبه لهو من أهم الأولويات.
جاء ذلك خلال احتفال البحرين بذكرى ليلة الإسراء والمعراج، إذ أقيم الحفل بجامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي يوم أمس الأول، تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وبتنظيم من إدارة الشئون الدينية بوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، بحضور عدد من أصحاب الفضيلة والسماحة المشايخ والقضاة، وعدد من أصحاب السعادة السفراء ورجال السلك الدبلوماسي، وجمع من المواطنين والمقيمين.
وقال معاليه: إن الأمة اليوم بحاجة إلى استثمار العبر والعظات من معجزة الإسراء والمعراج، فما أحوج هذه الأمة إلى تحديد رؤيتها وأهدافها، والتوكل المطلق على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب، فضلاً عن التمسك بهدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وتعزيز قيم التعاون والتكامل والتواصل والإيجابية والتفاؤل والرضى في نفوسهم، والعمل على تحقيق أمن المجتمع وتأكيد أواصر الأخوة، والوقوف على كل ما يحقق للأمة والوطن والمجتمع أمناً وسلاماً واستقراراً.
واوضح أن رحلة الإسراء والمعراج جاءت لترشد الأمة إلى أن بعد العسر يسراً، وأن نور الصباح يأتي بعد الظلام الحالك، كما أن لنا في المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام أسوة وقدوة، حينما لجأ إلى ربه واستعان به راجيًا منه العون سبحانه فكانت رحلة الإسراء الأرضية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم رحلة المعراج العلوية التي انتقل فيها من الأرض مروراً بالسماوات السبع وصولاً إلى سدرة المنتهى، حيث رأى صلوات الله وسلامه عليه من آيات ربه الكبرى، واطلع على جنة المأوى، ثم عاد إلى الأرض بنفس مطمئنة راضية وروح طامحة إلى المزيد من العطاء لنشر دين الله وإنقاذ البشرية والوصول بها إلى بر الأمان.
وأشار وزير العدل إلى أن الإسراء والمعراج حدث عظيم أرسى قاعدة التواصل الحضاري التي تضمن للبشرية جمعاء التعارف والتلاقي، ولا أدل على ذلك من مشهد اجتماع الأنبياء بالأقصى في الإسراء، وصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهم جميعاً، ثم التقاؤه بهم في السموات، ما يؤكد وحدة ما جاء به الأنبياء، وأن رسالة الإسلام هي خاتمة الأديان بما تحمله من قيم الأخوة الإنسانية والسلام، وصولاً إلى تعايش سلمي يحفظ للجميع أمنهم وأمانهم، ويسهم في تنمية المجتمعات وازدهارها.
من جانبه قال خطيب بإدارة الأوقاف السنية الشيخ عبدالناصر محمد الصديقي،، أن في الإسراء والمعراج دروس مستفادة فمن أول هذه الدروس هو الصبر فبعد كل محنة منحة فلابد للإنسان أن يصبر ومهما اشتد البلاء ومهما اشتدت المحن ومهما كانت الحروب، فلابد من يوم أن يأتي الفرج، فبعد العسر لابد من يسر فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج، فضلاً عن عِظم شأن الصلاة ورفعة مكانتها وقدرها حيث أنها فُرضت في السماء العُلا، ونتذكر أيضاً رحمة النبي حينما كان يتردد بين ربه وبين سيدنا موسى حتى خفف الصلاة، وكذلك في الإسراء والمعراج نتذكر مكانة القدس الشريف وأن لها مكانة خاصة في قلوب المسلمين فلا يجوز لأحد أن يتنازل عن شبر من أرض القدس.
وأضاف الصديقي: نحن في شهر رجب وهو من الأشهر الحرم وفي هذا الشهر نتذكر هذه الحادثة العزيزة على قلوبنا جميعاً، حيث أنها نفحة من نفحات الفرج بعد اشتداد الأزمات والمحن فقد اشتدت المحن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بفقده أحبائه، وبعد كل ما ابتلي به، أخذ عليه الصلاة والسلام يُقلب وجهه في السماء ينتظر الفرج من عند الله سبحانه وتعالى، فأتى سيدنا جبريل عليه السلام إلى النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وهو يحمل معه بطاقة الدعوة من الله سبحانه وتعالى دعوة خاصة من السماء لا يشاركه فيها أحداً من الخلق دعوة سرية في الأرض ولكنها كانت جهرية في السماء، فقد أُسري بالنبي عليه الصلاة والسلام دون سرى، دلالة على عناية الله سبحانه وتعالى به، وناداه باسم العبودية وهو أعظم اسم، حيث يقول الإمام البشيري (لما رفعه الله تعالى إلى حضرته القدسية وأرقاه فوق الكواكب العلوية ألزمه اسم العبودية تواضعاً للأمة)، وقد أُسري به ليلاً، وقال الإمام ابن الجوزي (لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سراج والسراج لا يوقد إلا بالليل)، وكذلك لأن الليل وقت الخلوة ووقت الاختصاص، فلا يكاد ملكاً من الملوك يدعو أحداً بالليل إلا من هو من خاصته فلذلك دعاه الله في الليل.
وتحدث الواعظ بإدارة الشئون الدينية الشيخ فاضل حسين فتيل، حول الفوائد من إسراء نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، قائلاً: أن لإسراء نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فوائد جمة عجز أن يحيط بها المتكلمون وتقاصر دون إحصائها العادُّون، فالفائدة الأولى من إسرائه عليه أفضل الصلاة والسلام هي بيان أهمية احترام المساجد وتعظيمها، فقد ذكر الله تعالى مسجدين هما من أهم المساجد وأعظمها مكانةً ليلفت انتباهنا لمكانة المساجد واحترامها، ويتحقق ذلك بالإهتمام بالحضور إلى المساجد في الصلوات الخمس وعدم هجرانها فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّ المسجد المهجور يشتكي إلى الله يوم القيامة، والإهتمام بنظافتها وتطهيرها ودفع كل ما يشينها ويهينها، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشرائكم)، فضلاً عن عدم استغلال المساجد للمآرب الشخصية، والتجاذبات السياسية والحزبية.
وأوضح فتيل أن التعايش السلمي بين الأمم مهما اختلفت دياناتُهم ولغاتُهم،هي الفائدة الثانية من إسرائه صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ربط الإسراء بين بلدين بعيدين عن بعضهما جغرافياً وتوجهاً وديناً، فجمعهما النبيُّ عليه أفضل الصلاة والسلام، فصلى فيهما في ليلةٍ واحدة.
موضحاً أن الفائدة الثالثة تتلخص في الاحتفاء بسيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فحينما ذكر الله هذه الحادثة في القرآن الكريم أراد لنا أن نحتفي ونتدارس سيرة نبينا الكريم، ففيها من الكنوز والفوائد الفقهية والخُلُقية والآداب السماوية ما يكفل لهذه الأمة السعادة في الدنيا والآخرة، فلا ينبغي لأمة قائدُها وقدوتُها محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أن تختلف ولا ينبغي لها أن تتأخر عن ركب التقدم والإزدهار ولا ينبغي لها التخبط في ظلمات الجهل، بل ينبغي لها التوافق والتآلف والتعايش السلمي وينبغي لها الأخذ بسُبُل العلم والعمل لترتقي إلى أعلى درجات الكمال، وهذا القرآن ينادينا ليلاً ونهاراً قائلاً: (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة).
ودعا في ختام كلمته أن يحفظ الله سبحانه وتعالى قادة وطننا ويوحد معهم كلمتنا، ويحفظ البحرين ملكاً وحكومةً وشعباً بمكتسباتها وأمنها وثقافتها ويبارك للجميع في هذه الليلة الشريفة.
واختتم الحفل بقصيدة للشاعر الشيخ محمود آدم بعنوان: (البُردة البحرينية في مدح خير البريَّة)، حيث تناول فيها الشاعر شوق وحنين الأمة إلى نبيها صلوات الله وسلامه عليها، في وقت أصبحت الأمة أحوج ما تكون إلى الاقتداء بهديه واتباع سنته.