يتعلم نحو خمسين في المئة من اللاجئين السوريين الذين تتراوح أعمارهم من 5 إلى 17 عاماً في لبنان، أو أكثر من 180000 طفل، لا يرتادون المدارس حالياً، وفق ما نقل موقع صدى.
في العام 2015، قدّم المانحون الدوليون أكثر من 1.1 مليار دولار للبنان من أجل مساعدته على التعامل مع أزمة اللجوء السوري – منها 61.3 مليون دولار لوزارة التربية والتعليم العالي والمدارس الرسمية اللبنانية، و260.7 مليون دولار لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) التي تمرّر هذه المساعدات إلى وزارة التربية والتعليم العالي ومجموعة من المنظمات الأهلية الشريكة مثل جمعية إنقاذ الطفل.
لكن مع تدفّق كل هذه المبالغ إلى البلاد، غالباً ما تتنافس الحكومة والمجتمع الأهلي على الموارد، ويرى البعض في الاستجابة لأزمة اللاجئين فرصة للحصول على التمويل. لقد حرمت هذه المنافسة وزارة التربية والتعليم العالي من الخبرة الفنية والفوائد التشغيلية التي يمكن أن تقدّمها المنظمات الأهلية المحلية والدولية.
خلال العامَين المنصرمين، أُحرِز تقدّم كبير نحو زيادة التحاق اللاجئين السوريين بالتعليم النظامي في لبنان، وتستحق وزارة التربية والتعليم العالي التنويه على الدور البارز الذي أدّته في هذا المجال. فمن خلال الدعم من المانحين الدوليين لا سيما الاتحاد الأوروبي، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ووزارة التنمية الدولية البريطانية، والعديد من وكالات الأمم المتحدة – أطلقت الوزارة استراتيجية "توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان" في العام 2014. حدّد هذا البرنامج الذي يمتد على ثلاث سنوات، أهدافاً طموحة، منها تسجيل 200000 لاجئ سوري في المدارس الرسمية واعتماد التعليم القائم على المجتمع لتلقين نحو 45000 طالب المهارات الأساسية للقراءة والرياضيات، من جملة أهداف أخرى. بموجب هذه الاستراتيجية، تضطلع وزارة التربية والتعليم العالي صراحةً بالدور الأول في ضمان الجودة وإدارة التعليم غير النظامي، هذا مع العلم بأنه يجب أن يكون مضمون هذا التعليم مصمّماً بطريقة تساعد الطلاب على الاندماج في التعليم النظامي في المستقبل. حقّق برنامج "توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان" نجاحاً على جبهات عدّة: فعلى سبيل المثال، انخفضت نسبة اللاجئين الذين لا يرتادون المدارس من 78 في المئة في العام 2014 إلى 49 في المئة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. لكن الاستراتيجية لا تحصر مهمة تأمين التعليم غير النظامي بالحكومة اللبنانية، بل تفوّض هذا الدور بدرجة كبيرة إلى المجتمع الأهلي.
عند إطلاق برنامج "توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان" في العام 2014، كان نحو 400000 لاجئ خارج المدارس، وكان هدف البرنامج تسجيل نصفهم في المدارس (أما الباقون الذين كانوا قد تركوا المدرسة لفترة تمتدّ من عامٍ إلى عامَين، فقد اعتُبِروا بأنهم يحتاجون إلى برامج استلحاقية إضافية في اللغة الأجنبية والمهارات الأساسية في القراءة والرياضيات من أجل الالتحاق من جديد بالتعليم النظامي). لكن لم يُسجَّل سوى 158500 لاجئ في المدارس الرسمية بحلول نهاية العام 2015. وتراجع هذا العدد في العام 2016، لأسباب عدة أبرزها تكاليف النقليات والمسافات الطويلة التي يجب قطعها للوصول إلى المدارس التي تستقبل الطلاب السوريين في فترة العصر بعد انتهاء الدوام الدراسي العادي للطلاب اللبنانيين. بما أنه لا تلوح أي نهاية في الأفق للنزاع السوري، تريد عائلات لاجئة كثيرة أن يحصل أولادها على الفرص التعليمية المعتمدة والمرخَّصة التي لا تتوافر لهم سوى في المدارس الرسمية اللبنانية. لكن حتى بالنسبة إلى الطلاب الذين ينجحون في الالتحاق بهذه المدارس، تبقى أمامهم عقبات كثيرة منها المنهاج الذي يُدرَّس باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، والتمييز والاستقواء، ما يؤدّي إلى نسبة مرتفعة من التسرّب المدرسي في صفوف التلامذة السوريين تصل إلى 70 في المئة.
من أجل سدّ هذه الثغرات، تؤمّن العديد من المنظمات الأهلية التعليم غير النظامي في شكل دروس استلحاقية واستدراكية، ودعم للمهارات في اللغة، والتواصل مع المجتمع المحلي، والمساعدة في الفروض المنزلية. حتى إن عدداً كبيراً من المنظمات الأهلية الأصغر حجماً يدير مدارس محلية كاملة المواصفات في مجتمعات اللاجئين حيث المدارس الرسمية بعيدة أو لا تتّسع لتلامذة إضافيين. لكن في التعليم غير النظامي، لا يمكن إعطاء شهادات، وتختلف البرامج إلى حد كبير في الجودة والنطاق. عدد كبير من برامج التعليم غير النظامي يتم بعيداً عن أنظار الدولة، وبعضها على ارتباط بتيارات المعارضة السورية، ويدرّس منهاج الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. عملاً بإطار العمل الخاص بالتعليم غير النظامي الذي وُضِع في كانون الثاني/يناير 2016 – وهو عبارة عن مجموعة إجراءات أكثر تفصيلاً لتلبية الأهداف الأوسع لبرنامج "توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان" – ينبغي على وزارة التربية والتعليم العالي تنظيم جودة التعليم في لبنان وإغلاق المدارس الطائفية أو العقائدية. علاوةً على ذلك، أي منظمة تؤمّن التعليم خارج إطار العمل الخاص بالتعليم غير النظامي تُعتبَر بأنها لا تتقيّد بتنظيمات وزارة التربية والتعليم العالي، ويمكن إغلاقها.
أثارت هذه الخطوات الأخيرة امتعاض المنظمات غير الحكومية وتسبّبت بمأزق حقيقي للمجتمع الأهلي. تأخذ الحكومة على عاتقها توفير التعليم غير النظامي، مع العلم بأن هذا النوع من التعليم يتم، بحكم التعريف تقريباً، خارج نطاق سيطرة الدولة. في الوقت نفسه، تمنع الحكومة الأفرقاء الآخرين من تقديم برامج مماثلة، على الرغم من عجز القطاع العام عن تلبية الأهداف التي وضعها بنفسه. فضلاً عن ذلك، عمدت وزارة التربية في أيلول/سبتمبر 2014 إلى حل مجموعة العمل الخاصة بقطاع التعليم التابعة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، على الرغم من أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأهلية استمرّت في عقد الاجتماعات وتبادل المعلومات في إطار مجموعة "الشركاء التربويين". بما أن الوزارة حلّت مجموعة العمل الرسمية، توقّف نشر المحاضر أو التقارير التي تواكب نتائج التغييرات في السياسات، ما يسدّد ضربة حقيقية للشفافية العامة. وقد استبدلت وزارة التربية مجموعة العمل باللجنة التنفيذية الخاصة ببرنامج "توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان"، والتي تعتبرها الوزارة آلية التنسيق الرسمية الوحيدة في مجال تعليم اللاجئين السوريين، مع العلم بأنها تتألف فقط من وكالات تابعة للأمم المتحدة ومسؤولين في الوزارة ومانحين دوليين – من دون أي تمثيل للمنظمات المحلية غير الحكومية أو المجتمع الأهلي. أُجريَت الانتخابات لاختيار اللجنة الفرعية للمنظمات غير الحكومية في كانون الثاني/يناير الماضي، لكن يبدو أن وزارة التربية والتعليم العالي لم تكن راضية عن اختيار منظمات ليست لديها تجربة سابقة في العمل معها، ولذلك تنوي إعادة النظر في الشروط وإدراج بند بهذا الخصوص قبل إجراء الانتخابات من جديد.1
وذكرت وزارة التربية نفسها، في مقابلات، أن الدور الذي تتصوّره للمنظمات غير الحكومية في المستقبل يقتصر على تأمين التواصل مع اللاجئين والنقل من المدارس وإليها. لكن عندما تأخذ الحكومة اللبنانية على عاتقها التعليم النظامي وغير النظامي، تُضطَرّ إلى تمويله من المبالغ المخصّصة لخدمات اجتماعية مهمة أخرى. بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، ارتفع الإنفاق العام على التعليم في لبنان من نحو 5.73 في المئة من مجموع النفقات الحكومية في العام 2011 إلى 8.5 في المئة في العام 2013. لكن حتى قبل الأزمة السورية، كان 30 في المئة فقط من الأولاد في لبنان مسجّلين في المدارس الرسمية التي تديرها وزارة التربية. فضلاً عن ذلك، غالباً ما تكون السياسات الحكومية متناقضة، ففي حين تفتح وزارة التربية أبواب المدارس الرسمية أمام اللاجئين السوريين، يشنّ الأمن العام اللبناني مداهمات في المناطق والمخيمات حيث يقطن هؤلاء اللاجئون.
بإمكان المنظمات الأهلية الدولية، من جهتها، أن تساهم في استكمال الجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم العالي عبر التركيز على مجالات استراتيجية تملك خبرة فيها. فعلى سبيل المثال، تعاني برامج التعليم الثانوي والعالي من نقص شديد في الخدمات. بحسب التقديرات، اثنان في المئة فقط من اللاجئين السوريين مسجَّلون في المدارس الثانوية، لأسباب عدة أبرزها القيود المفروضة على تقديم الامتحانات الرسمية، وترك الأولاد المدرسة للالتحاق بالقوة العاملة أو الزواج. لا يلُزِم برنامج "توفير التعليم لجميع الأطفال في لبنان" وزارة التربية والتعليم العالي بتأمين التعليم الثانوي، كما أن تركيز المانحين على التعليم الأساسي جعلهم أقل استعداداً لتمويل التعليم الثانوي وما بعد الثانوي. إلا أنه بإمكان المنظمات الأهلية المساعدة على سدّ هذه الثغرة أيضاً عبر تأمين برامج قصيرة الأمد لتعليم المهارات المهنية والحياتية أو تقديم منح دراسية للتلامذة السوريين للالتحاق بمدارس ثانوية خاصة. عدد كبير من المنظمات غير الحكومية هو مصدر موثوق ومشروع للتعليم داخل مجتمعات اللاجئين، وبإمكانه تقديم الدعم في تعلّم المنهاج الدراسي، والمساهمة في تدريب المعلمين، ووضع برامج تعلّمية بديلة للتلامذة الذين توقّفوا عن الدراسة لسنوات عدة. نظراً إلى محدودية الإمكانات والموارد في القطاع العام، تشكّل الشراكات القوية بين وزارة التربية والتعليم العالي والمجتمع الأهلي في لبنان عاملاً أساسياً لتوسيع هذه الخدمات.