لا يوازي موضوع قصف حلب والمآسي الإنسانية التي يعاني منها سكاَنها في الأهمية، محلياً، سوى التكهنات التي تدور حول إعادة تنظيم مزايا التقاعد الحالية، وذلك لسببٍ أصبح المسئولون يتحدثون عنه بشكل متكرر، وهو إمكانية حمل المستقبل لتحدياته لمؤسسة التقاعد، وإذا ما تواصلت المزايا على ما هي عليه فقد يصعب على هذه المؤسسة أن تفي بالتزاماتها المستقبلية تجاه المتقاعدين. الرسائل التي يتناقلها المغرّدون ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، تشير إلى رفع سن التقاعد الاعتيادي والمبكر أيضاً، ووقف شراء سنوات الخدمة، إلغاء مكافأة نهاية المدة ورفع نسبة مساهمة الأفراد وخفض نسبة مساهمة الحكومة في المقابل. الأمر الذي أدّى بدون شكٍ إلى توتر الموظفين، خصوصاً أن العمليات الحسابية التي باتوا يجرونها طيلة النهار تميل الميزان لكفة الخسارة أكثر منها للكسب لو صحّت هذه التكهنات، ما يدعو للتنبؤ بهجمةٍ وشيكةٍ من المشتركين الذي بلغوا سن التقاعد المبكّر لطلب التقاعد قبل تنفيذ ما هو ليس من المعروف إن كان مجرد رسائل كتبها البعض بغرض قياس مدى تداولها كما يفعلون في رسائل مجالات أخرى كـ»إماتة» المشاهير، أم أنه بالون قد أطلق إما لاختبار ردود الفعل وبالتالي «تضبيط» هذه التعديلات المقترحة إلى مستويات قريبة للقبول، أو أنها تسريب للتمهيد من أجل تخفيف الصدمة التي قد تكون آتية لا محالة، خصوصاً لمن يخطّط للاعتماد على مكافأة نهاية الخدمة على اعتبار أنها «تحويشة العمر» لبدء مشروع لمرحلة تقاعده المقبلة.
ليس موضوع التقاعد على أهميته هو الأهم في الأمر، بقدر فقدان الثقة المزمن والمتبادل بين صنّاع القرار ومن يُصنَع القرار من أجلهم، بناء على المعطيات والموارد والمتغيرات المتاحة. فهناك تشكيكٌ متبادلٌ في نوايا الطرف الآخر، وفي صدقية تقديمه للمصلحة العامة ولمصلحة الوطن على أي شيء آخر. وحين الحديث عن الثقة، فالأمر ليس مقصوراً على الوضع المحلي وإنما هو الحال نفسه حتى في أكثر الدول تقدماً. فوفق مسوحات «يوروباروميتر» لقياس الرأي في دول الاتحاد الأوروبي، تبين أن أقل من %50 من سكان دول الاتحاد الأوروبي فقط يثقون في الأرقام والإحصائيات الرسمية، وارتفعت هذه النسبة إلى أكثر %70 في كل من الدنمارك وهولندا، بينما انخفضت إلى أقل من %50 في دول أخرى كألمانيا وفرنسا وإسبانيا. مع العلم أن الدول الإسكندنافية التي تعتبر الأعلى تصديقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن حكومتها، لم تتجاوز نسبة تصديقها لأرقام حكومتها الرسمية الـ %70، برغم أنها تعتبر أكثر شعوب العالم سعادةً ورضا، بحسب مؤشرات الأمم المتحدة للسعادة 2015. السبب في ذلك يعود إلى أن الحكومة، كمؤسسةٍ تعتبر من أقدم المؤسسات التنظيمية للمجتمعات، ليس بالضرورة بمعناها السياسي المتداول الحالي، وإنما كجهة إدارية على مستوى التجمعات الأهلية، والأندية وحتى العائلة، تكتسب سلطةً تعتادها مع الزمن، وقد يغريها وضعها الفوقي بالتلاعب بما قد يصل إلى الفساد. ومن هنا تبدأ عملية التشكيك بين طرفي المعادلة، ولذا ابتكرت الجهات التشريعية في المجتمعات الكبيرة إجراءات وأنظمة رقابية في طموحٍ لمجتمع يلعب أطرافه أدوارهم بنزاهةٍ، واضعين المصلحة العامة أولاً. ذلك لا يعني أن نضع أنفسنا في مقارنات خاسرة مع الدول التي قطعت أشواطها في التقدم، ولا أن نركن إلى المراكز المتأخرة التي بلغناها في مؤشرات العيش السعيد، فلكل كيان أنظمته التي تشبهه وتناسبه تماماً، ومتى ما أراد تجميلها لابد من أن يكون ذلك من خلال معايير يصيغها من فكره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وعودة لموضوع التقاعد، فقد يكون استثنائي الأهمية والقلق أيضاً، فالموظفون لم يأتمنوه على أموالهم ومدخراتهم في صورتها الصماء، بل على أحلامهم المؤجلة بحياة كريمة في أيام الحصاد من عمرهم الذي قضوا أجمله في خدمة الوطن من مواقع مختلفة. وهذا لا يعني أن لا يُعاد مراجعة أوجه الإنفاق كلما اشتدت وطأة الضائقة الاقتصادية التي تمر بنا، إلا أن اختيار مواقع شد الحزام يجب أن يتم ترتيبها وفق مدى احتمالها ومكانتها. ففي عائلاتنا الصغيرة نؤجّل تحميل كبارنا وزر ما لا طاقة لهم بتحمله، بعد أن أدّوا دورهم في تربيتنا وسلّمونا راية مواصلة المشوار، وما الوطن إلا عائلةً كبيرةً يستحق كبارها أن يحظوا بما يليق بهم من حياة كريمة تشيع الأمان بوجود مناطق كرامة لا تُمسّ في هذا الوطن.
في وضعنا المحلي، حيث لا يمكن تجاهل الظروف الضاغطة التي نعاني منها كحال كل الدول المعتمدة اعتماداً شبه كلي على النفط في مواردها القومية حالياً وعلى المستقبل المنظور، كل ما نحتاجه هو استعادة الثقة أو إعادة خلقها من جديد، إن كانت الظروف الصعبة التي مررنا بها قد جعلتها تتآكل في مواقع كثيرة، وأفسحت المجال والسقوف لما شاءت الأطراف من اتهامات النوايا المتبادلة، الخاسر الأكبر فيها هو الوطن ومعه نحن جميعاً الذين يضمنا في حدوده. هذا إن شئنا أن نبحر برضا وسلام ريثما نجتاز ما يعصف بإرثنا على جميع الأصعدة ونصل به يوماً ما إلى بر الأمان.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 4988 - الثلثاء 03 مايو 2016م الموافق 26 رجب 1437هـ
تالع_المتألقة هناء بوحجي.. وبين الصافع والمصفوع بطرح حلول مرجوة تختزل الفراسخ الشاسعة التي تفصلهم.ثم لا يفوتها أن توشح مقالها بمعلومات و احصاءات تدعم الحقيقة كواقع محتوم على الأرجح قد تراءت لها نهايته فلا يسعها إلا أن تعكسه للوعي ليس إلا.فبعد عمر أفنيناه في الوظيفة وبعد أنتظار طويل للمكافئة على ماقدمنا وعلى غفلة منا أو ربما من الزمن الذي مضى بنا نصعق بسحب الحد الأدنى من الأمان الذي ترقبناه .. اين الثقة التي سلمناكم مقاليدها ونحن في عمر الورد .. وأين الأمان .. ماذا عسانا فاعلين بما تبقى من عمر
المتألقة هناء بوحجي ..
غالبا ما تتساقط حروفها على موطن الوجع النازف على ما آل إليه حال الأنسان المترقب لترميم آنسانيته المهتوكة واسترداد شيئ من كرامته بدواء يوقف الجذام الذي يقتطعه قطعة تلو الأخرى والمسلط على ابسط حقوقه في الاستمتاع "بتحويشة عمره" ليفترش الأمان ويلتحف الثقة.
وكثيرا ما تعتمد على فهم عميق يواكب مجريات الساحة محليا وعالميا بمنظور مقارن يجمع الأكثر رضا وسعادة مع من يفتقدها لدرجة تقارب العدم. وهي بذلك تتحدى ادق احداثيات الحس لتمطرنا بتساؤلات ذكية تفرق بين الموجع والموجوع يتبع
ياحبني لها شيخة البديع
تسلم إيدك علي هالمقال
المواطن بكل حقوقه البسيطه أحيل على التقاعد، مشاريع اسكانيه وظائف علاج تعليم أحيلت عالتقاعد، وصارت من نصيب الجدد، فانتظار المواطن لنيل ابسط حقوقه الم6اشيه أسد وأقسى من قانون التقاعد، وماقانون التقاعد الا مكمل .... الى قبر التقاعد الأبدي مع رسالة صريحه ...
صح لسانج اختي هناء ياريت هناك من يسمع وجوف من وزراء و مسؤلين كبار وكل مسؤل يقوم بواجبه وبمصداقية امام بلده و شعبه وفعلا الشعب يحتاج من يقف معه و ياخذ بيده و يضعها بيد المسؤلين لينهضوا بهذا الوطن الي الأفضل رو تطور و الازدهار هناك فعلا عقول و أفكار و شخصيات مفكرة و مبدعة و تستحق من يسمع لها و ينظر في افكارها و ماقالتها الى متى و الى أين تظل الحكومة منعزلة عن شعبها و كانها لا دخل لها في هذا الشعب فقط يهما المصالح الشخصية و يتركون الوطن مبعثر و من اسوء الى اسوء لماذا لا تكون هناك قلوب مخلصة و أمينة
هل المتقاعد عند تقاعده يكون غير محتاج لراتبه الذي كان يتقاضاه أثناء مزاولة عمله؟ هل بتقاعده يكون قد سدد جميع ديونه والقروض الذي عليه وسوف يستمتع بحياة هانئة دون أي مصروفات؟!! العكس هو الصحيح، لأن المتقاعد ستكون حينها عليه ديون أكثر ومتطلبات أكبر ومسؤولية أعظم من قبل، فكيف سيتمكن من كل ذلك وهو سيحصل على نصف راتبه أو أقل ؟! هل المتقاعد يعني أن يموت ببطء كل يوم ويتعذب؟!!