تعود تربية النحل في الجزائر إلى نحو 2500 سنة حسب كتب التاريخ. ولاتزال بعض العائلات تستعمل خلايا تقليدية. ولكن منذ استقلال البلاد عن الاحتلال الفرنسي تم اعتماد خلايا «لانغستروت» لتربية النحل بطريقة عصرية.
وبحسب إحصاءات وزارة الفلاحة الجزائرية، يبلغ عدد مربي النحل التقليديين نحو 8500، ينشطون من خلال 120 ألف خلية. أما الذين يمارسون الطرق العصرية فقد بلغ عددهم 18 ألفاً، يعتنون بنحو 920 ألف خلية. وأفادت فيدرالية مربي النحل أن الإنتاج الجزائري من العسل بلغ نحو 30 ألف طن العام 2014، متوقعة ازدياد عدد خلايا النحل إلى 1.4 مليون خلية لتنتج 100 ألف طن سنة 2020.
لكن وزارة الفلاحة حذرت من أن الخلايا التقليدية باتت تتعرض للأمراض وتتسبب في انتشار العدوى إلى الخلايا الحديثة. ومن الأمراض الأكثر انتشاراً في النحل الجزائري مرض «الفاروا» و«ديدان الشمع».
صرخة النحّالين
زارت «البيئة والتنمية» منطقة البويرة في شمال الجزائر، المعروفة بجبالها وكثافة غاباتها ووفرة نباتاتها، وبنشاط عدد كبير من مربي النحل. وقد اشتكى هؤلاء من تحويل مساحات واسعة من المروج إلى أراض زراعية تستخدم فيها كميات كبيرة من المبيدات، ما يؤثر سلباً على تربية النحل ويهدد إنتاج العسل وسلامته. وقال النحال عبدالله قاسمي إن معظم شكاوى مربي النحل تأتي لغياب وسائل وآليات ناجعة توقف هلاك أعداد كبيرة من النحل، إما عن طريق مهاجمتها من الحشرات المعادية وإما بسبب الضرر الكبير الذي خلفـه استعمال بعض المبيدات الزراعية السامة.
وقد أعلنت الفيدرالية الجزائرية لجمعيات النحالين منع 20 مستحضراً كيميائياً كانت تستخدم كمبيدات ترش بها الأشجار والنباتات، وثبتت أضرارها الجسيمة على حياة النحل الذي يعتمد على أزهارها لإنتاج العسل، وخصوصاً بعد أن طالبت منظمة «غرينبيس» بسحب 7 مبيدات من التداول لأضرارها على البيئة وتربية النحل. وأشارت الفيدرالية إلى أن الاتحاد الأوروبي خصص نحو 3.3 ملايين يورو لإنجاز مختبر مرجعي خاص بحماية تجمعات النحل من آثار المبيدات.
أما في الجنوب، فقد عبر عدد من مربي النحل عن تخوفهم من تراجع قطاع تربية النحل وإنتاج العسل في المواسم المقبلة بسبب المشاكل التي تعترضهم. ومنها الانتشار الكبير للحشرات المعادية للنحل، والجفاف الذي يعاني منه الجنوب المعروف بصحرائه الشاسعة ومناخه الحار، حيث تصل الحرارة إلى 60 درجة مئوية، ما أدى إلى هجرة أسراب النحل. كذلك يعتبر التقصير في تسويق العسل وتنظيم تصديره من أهم المشاكل التي تهدد بزوال مهنة تربية النحل.
وأوضح النحّال والباحث في علوم تربية النحل عبدالحميد سوفات أن مشكلة رئيسية تؤثر على تربية النحل في الصحراء، وهي ارتفاع درجات الحرارة وانعدام الرطوبة ما يتسبب في عدة أمراض للنحل. لكنه أكد أن الحل موجود، وأنه نجح شخصياً بتربية النحل في مزرعته في الجنوب الصحراوي من خلال تبريد صناديق النحل بأكياس من القماش وجريد النخيل.
نحلة فينيقية ونحلة صحراوية
تربّى في الجزائر سلالتان رئيسيتان من النحل. الأولى هي النحلة التلية (Apis mellifica) الأكثر شيوعاً، وتتميز بكثرة إنتاج العسل ومقاومتها للأمراض ولدرجات الحرارة المنخفضة، لكنها شرسة وكثيرة التفريخ إلى حد غير مستحبّ. وتنتشر بشكل أساسي في المناطق الشمالية والسهبية من البلاد، ويطلق عليها البعض تسمية «النحلة الفينيقية» نسبة إلى الفينيقيين القدماء الذين استقروا في سواحل شمال إفريقيا.
السلالة الثانية هي النحلة الصحراوية (Apis mellifica saharien) التي يروي اختصاصيون زراعيون في الجزائر أن «الراهب آدم» اكتشفها في ثلاثينات القرن الماضي، ووصفها بأنها تتأقلم جيداً مع المناخ الجاف الذي تتميز به المناطق الصحراوية في جنوب الجزائر. ونظراً إلى أهميتها ومميزاتها، يجري معهد تربية الحيوانات الصغيرة بحوثاً حول أماكن تواجدها في الصحراء بهدف إكثار سلالتها واستغلالها.
يحذر علماء دوليون من انقراض معظم أنواع النحل خلال بضعة عقود بسبب التغيرات المناخية وانتشار الفيروسات والطفيليات والاستخدام المكثف للمبيدات. وهذا يدعو المجتمع العلمي والسلطات في دول العالم، بما فيها الجزائر، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب هذا الخطر الذي بات هاجساً يقلق مربي النحل.
العدد 4985 - السبت 30 أبريل 2016م الموافق 23 رجب 1437هـ