جبال شامخة في سلسلة الأطلس الصغير في المغرب تحمل علامات حضارة زراعية باهرة، يمكن قراءتها على المنحدرات المهيأة بمدرجات لا تحصى تضفي على المكان مظهر الطبيعة «المشيدة». ويعود إنشاء بعضها إلى مئات، وربما آلاف، السنين.
المدرجات الزراعية خاصية جغرافيـة للمناطق الجبلية الوعرة في أنحاء العالم، حيث يتم تحويلها إلى مساحات قابلة للاستغلال الزراعي وتلبية الحاجات الغذائية. ويلاحظ أن المزارعين في هذه المناطق المتضرسة ابتكروا حلولاً تقنية وتنظيمية متشابهة لمواجهة الظروف الطبيعية، على رغم اختلاف انتماءاتهم الثقافية والتاريخية والجغرافية، إذ نجد الآلية ذاتها تقريباً في المكسيك والصين ودول البحر المتوسط وغيرها.
تحولت بعض المنحدرات في الأطلس الصغير إلى سلسلة متتالية من المدرجات تدعى بالأمازيغية المحلية «إغرامان»، للدلالة على الجدار الحجري الداعم للتربة في حقول المدرجات، كما توحي الكلمة بالدفاع والحماية والتحصين. وليست هناك زراعة ممكنة على تلك المنحدرات من دون هذه التقنية الممتازة.
يتطلب العيش والإنتاج في هذه المناطق الوعرة تدبيراً متكاملاً للموارد والوسائل وتسخيراً مبتكراً للتقنية والمعرفة، في إطار مؤسساتي وتنظيمي خاص. فبعد استقرار الإنسان هناك ونمو الحاجة إلى الغذاء، تم اللجوء إلى إنشاء المدرجات لتوسيع المساحات المزروعة بحسب عدد الأسر المستفيدة منها. وعلى رغم صغر هذه المساحات وصعوبة التضاريس، تمكن السكان من تحقيق إنتاج زراعي متنوع من أشجار مثمرة وخضر في المدرجات المرويّة، وشعير ومحاصيل موسمية وأشجار أخرى تحتمل الجفاف في الأراضي البعلية المعتمدة على مياه الأمطار.
يقول منسق مشروع إعادة تأهيل المدرجات لتعزيز قدرات التكيف مع تغير المناخ في المجتمعات القروية الهشة في الأطلس الصغير، الباحث عبدالرحمن آيت الحاج، إن معظم المدرجات الزراعية في منطقة سوس في جنوب المغرب تشهد إهمالاً ملحوظاً، خصوصاً مع ازدياد تواتر الجفاف، نظراً لانخفاض مردودية المحاصيل وانجذاب الشباب إلى أنشطة أخرى. ذلك أن دخل سكان قرى الأطلس الصغير يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية والزراعة وتربية المواشي، فضلاً عن استغلال شجر الأركان والمدرجات.
يعد بناء المدرجات الزراعية الوسيلة الأكثر نجاعة لحماية التربة واستغلالها، مقترنة مع تجميع مياه الأمطار. وتتميز هذه المناطق بقلة الأمطار وتذبذبها، مع سقوطها غزيرة أحياناً. وللمدرجات دور مهم في التكيف مع هذه المتغيرات، وهي من ركائز «اقتصاد الندرة» الذي يعتمد أيضاً على تخزين البذور والمؤن واعتماد آليات الري التقليدية المقتصدة. وتسهل المدرجات نفاذ الفائض من الماء إلى التربة، وتقلل من سرعة جريانه على السفوح، مع الحد من التعرية وضياع التربة بفعل هذا الجريان.
لكن هذه المدرجات تستوجب العناية والتطوير لتستمر في دعم قدرات السكان والنظم البيئية، وخصوصاً لما تعرفه المنطقة اليوم من تغيرات مناخية وما يترتب عنها من عواقب. وقد كان للجفاف وقلة الأمطار أثر سلبي على المدرجات، بحيث انخفض مستوى استغلالها والعناية بها. ويرتبط التخلي عن استغلال هذه المدرجات بالمردودية الاقتصادية المتناقصة لممارسة الزراعة، مقارنة مع بدائل كالهجرة وأنشطة اقتصادية أخرى، وقد أدى إلى تدهور ملحوظ في هذه المدرجات ازداد حدة مع تواتر الأمطار الطوفانية مؤخراً. وأثر ذلك على بنيات أخرى، كتوحل السدود وانهيار الطرقات وانجراف التربة، مما بات يهدد بانهيار المدرجات واندثارها كلياً. وهذا يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة لتفادي فقدان هذا النظام البيئي والموروث الزراعي للأطلس الصغير.
ويعمل مشروع إعادة تأهيل المدرجات، بتعاون بين المرصد الجهوي للبيئة والتنمية والمديرية الإقليمية للقلاعة في أكادير والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، على تنفيذ برنامج تدريبي وإعلامي لتقاسم المعرفة في منطقة عدد من القرى، وقام بإعادة تأهيل المدرجات وغرس أنواع نباتية ذات فائدة من قبيل أشجار الأركان واللوز والصبار، فضلاً عن برنامج توعوي سنوي يدمج إشكالية تغير المناخ والتكيف مع آثاره في الأنشطة المدرسية.
العدد 4985 - السبت 30 أبريل 2016م الموافق 23 رجب 1437هـ