حكايات الأمل لا تنضب على أرض أوال، فـ «السميّان»، ابن المحرق الشاب محمد صالح الحمري، وابن سار سيدمحمد صالح الساري، حكايتان جديدتان تستكشفهما «الوسط» ضمن سلسلة متلاحقة من الحكايات التي تطل برأسها لتؤكد أن «ثمة نقطة ضوء، نهاية كل نفق».
وتزامناً مع عيد العمال العالمي، اليوم الأحد (1 مايو/ أيار 2016)، اختار الحمري والساري الاحتفال بالمناسبة، عبر توجيه ضربة بحرينية بدت قاضية للعمى، يعبر عنها الحمري بالقول: «من خلال تجربتي، أؤكد أن العمى لا يشكل أي عائق»، فيما يدين الساري للعمى بالفضل في كل ما تحقق له من نجاحات.
على هذا النحو من الرضا، بدا المواطنان اللذان التقتهما «الوسط»، كلاً على حدة، لينطقا بلسان واحد، قدما من خلاله نصائح تركزت حول التأكيد أن «لا مستحيل في القاموس، مادام قلب المرء ينبض بالحياة».
يبدأ الحمري، الشاب الكفيف منذ ولادته، والحائز مؤخراً الجائزة الذهبية في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون في البحرين، عن البرنامج الإذاعي «يداً بيد»، يبدأ حديثه بالإشارة إلى «إمكانية الحياة بلا بصر»، ويضيف «مادامت البصيرة والإرادة حاضرتين، يمكنك ككفيف ترك العمى خلف ظهرك، والمضي قدماً ناحية النجاحات».
ويتحدث الحمري عن نجاحاته، ليقول: «بداياتي كانت في مجال قضايا ذوي الإعاقة، ولكوني من هذه الفئة، فقد كانت معرفتي جيدة باهتماماتها»، مضيفاً «في العام 2003، وعمري وقتها 21 عاماً، كانت البداية، تحديداً عبر البرنامج التلفزيوني «شباب»، والذي كان يتطرق لمختلف قضايا الشباب بالتعاون مع مجموعة من الطلبة الجامعيين الذين قدمت معهم برنامجاً يتناول قضايا الشباب بما فيها قضايا أشخاص ذوي الإعاقة».
ويتابع «في العام 2012، كانت التجربة الثانية عبر إتاحة العمل لنا لتقديم برنامج في تلفزيون البحرين، وذلك بإشراف المستشار آنذاك بهيئة شئون الإعلام إيلي فلوتي، الذي تولى عملية الإشراف على البرنامج، وترك بصمته على البرنامج، ولا أنسى هنا الإشادة بالتعاون الذي تحصلنا عليه من قبل مدير الإذاعة يونس سلمان، والوزير الحالي علي الرميحي الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب مدير عام الهيئة».
ويواصل «في العام 2013، كانت الفكرة التي خرجنا بها لتقديم برنامج «يداً بيد» عبر إذاعة البحرين، وعبره كنا نتناول مختلف قضايا ذوي الإعاقة، ثقافياً، تربوياً، اجتماعياً، وكل ما يرتبط بهذه الفئة ويقدم لها من خدمات، مصحوباً ذلك بدعم كبير من قبل هيئة شئون الإعلام، الأمر الذي هيأ لنا الاستمرار في إعداد وتقديم البرنامج الذي كان يقدم عبر الإذاعة على مدى 3 دورات تقريباً، وكان التقديم من قبلي ومن قبل زميلتي لطيفة البوعينين، أما الإخراج فكان لمحمد الحسن، فيما كانت التقارير مهمة الزميلة مريم فقيهي، وفي الإشراف سبيكة الشحي، حتى حصدنا الجائزة الذهبية في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون الذي أقيم مؤخراً في البحرين».
وتعليقاً على السؤال عن توقعاته بالفوز بالجائزة، يقول الحمري: «رغم تميز البرنامج إلا أن قوة المشاركات المنافسة أمر لم يكن بمقدورنا تجاهله، فتم اختيار البرنامج نظراً لتطابقه مع معايير لجنة التحكيم وهذا في حد ذاته حافز لنا، حيث حصدنا الفوز عن جدارة واستحقاق، لا المحاباة»، مضيفاً «قدمنا عبر البرنامج ما لا يقل عن 50 حلقة، وبجانب ذلك فقد كانت لي مشاركة في برامج أخرى من بينها برنامج «مساء الخير يا شباب»، إلى جانب المشاركة في إعداد وتقديم برنامج الانتخابات 2014، بما معدله 8 برامج إذاعية وتلفزيونية».
ويرى الحمري أن «طريق الإنجازات لم يكن معبداً بالورود»، مبيناً أن «الإصرار والعزيمة وتذليل الصعوبات، أتاح لنا المجال للمشاركة في مختلف الفعاليات»، لافتاً إلى أن الإعاقة ومن خلال تجربته المباشرة، لا تترك أي تأثير سلبي، فـ «حياتي جداً طبيعية، أسرياً واجتماعياً ومهنياً».
بدوره، كان المواطن سيدمحمد صالح كاظم الساري (45 عاماً)، يتحدث عن حكايته، بدءاً من معاناته مع الضعف في البصر وهو في المرحلة الإعدادية، حتى فقده بنسبة 95 في المئة قبل 8 سنوات، وذلك بعد تشخيص الأطباء لحالته بـ «العشى الليلي» الذي تدرج ليتحول لعمى تام.
يقول الساري، الذي يمتهن إصلاح الأجهزة الكهربائية والتعامل مع الأجهزة الإلكترونية: «اخترت (التبريد والتكييف) تخصصاً لي في المرحلة الثانوية، واجتزته بنسبة تفوق بلغت 98 في المئة لأحصد المرتبة الأولى على مستوى القسم، ولأعمل بعدها في عدد من الشركات قبل أن أتقاعد، آخرها شركة دلمون للدواجن التي عملت فيها لمدة 17 عاماً وشغلت منصب رئيس قسم التبريد والتكييف».
وبشأن تجربته مع العمى، يقول: «مع بلوغي الـ 17 من عمري، كانت المعاناة النفسية شديدة، تحديداً بعد عجزي عن الرؤية ليلاً. لحظتها كنت أعتقد أن الدنيا اسودت في عيني وأن المستقبل أمامي حالك ومظلم، وبسبب ذلك كانت الفرص الوظيفية تمر من أمامي وأنا عاجز عن استغلالها، بما في ذلك فرصة العمل في وزارة الصحة بنظام النوبات، وفرص التدريب داخل البحرين وخارجها».
ويضيف «كنت مع كل رفض لهذه الفرص أعود للبيت باكياً، فقد كنت أشعر بحجم الخسارة جراء عدم استثماري لتلك الفرص، حتى تقاعدت عن العمل في العام 2007، وافتتحت ورشة لتصليح الأجهزة الكهربائية، لم يكتب لها الاستمرار بسبب صعوبة الحركة والتنقل، فأصبحت بعدها حبيس البيت».
حالة العجز هذه، لم تستمر، حيث يقول الساري: «كانت نقطة التحول لحظة استماعي لبرنامج إذاعي. كان ذلك في العام 2008، وحينها كنت أشعر بنهاية العالم، حتى استمعت عبر البرنامج لحديث مدير المعهد البحريني السعودي للمكفوفين، وهو يكشف عن توزيع المعهد جهاز حاسب آلي لكل كفيف».
ويضيف «على الفور، تواصلت مع مدير المعهد، فطلب مني الحصول على عضوية في جمعية الصداقة للمكفوفين، ولهذه الأخيرة كانت وجهتي التي كانت محطة رئيسية لا بل فاصلة في حياتي».
أبعد من ذلك، يؤكد الساري بلوغه مرحلة الاستقرار النفسي، وامتنانه للعمى، الذي تركه خلف ظهره، بعد أن كان سبباً حفزه لتحقيق ما لديه من نجاحات.
ويضيف «بفضل العمى، بدأت أشعر بجدية الحياة مبكراً. كنت أتعامل معها بمنطق «أكون أو لا أكون»، فكنت أرى أن أمامي وقتاً محدداً لتحقيق الإنجازات وأن لا مجال لتضييعه، وبفضل من الله أنا اليوم أسكن في منزلي الخاص مع أسرتي، وعملي لا ينقطع، ومؤخراً نلت رخصة مسعف بعد اجتيازي لدورة في الإسعافات الأولية».
ويتابع «أنا مدين لأكثر من شخص، لوالدتي وزوجتي بشكل رئيسي، فبفضلهما كانت الانتشالة من الحالة النفسية الصعبة باتجاه المزيد من التماسك والنهوض»، مستذكراً في هذا الصدد عبارات والدته وزوجته له «لست أول ولا آخر من يصاب بالعمى، ومن يدري، قد يكون هذا الابتلاء فرجاً لك».
بجانب ذلك، لا ينسى الساري الإشارة لدور التكنولوجيا الحديثة في تيسير عمله، من بين ذلك اعتماده على جهاز صوتي في عمليات التصليح، وعلى هاتفه المحمول «آي فون»، بما يحوي من برامج ناطقة وبرنامج لـ «طلب مساعدة»، حيث يوفر له هذا الأخير التواصل عبر كاميرا الهاتف مع مبصرين متطوعين.
واليوم، يقول الساري الذي يعمل برفقة مساعدين، إن لديه حالة تشبع من الزبائن في قرى عديدة مجاورة، ويختتم حكايته ناصحاً «فرص الرزق متاحة، ولا وجود لشيء اسمه «ما في أشغال». الطموح لا يتوقف مادامت الحياة، والانتظار بالجلوس في البيت، لن يجلب لك الفرص».
العدد 4985 - السبت 30 أبريل 2016م الموافق 23 رجب 1437هـ
سبحان الله .. الاعاقه لاتكون في الجسد وانما في الروح المنهزمه .. نتمنى لهما كل التوفيق والسعاده