استدعاءً للفعل الثّقافيّ والجماليّ الذي يعتزّ بالمواقع التّراثيّة والأثريّة كجزءٍ عميقٍ من هويّة الأوطان، واحتفاءً باليوم العالميّ للمعالم والمواقع الأثريّة الذي صادف يوم 18 أبريل الماضي، انطلقت مبادرة للاعتناء بسلسلة التّلال الأثريّة بقرية عالي صباح اليوم السبت (30 أبريل/ نيسان 2016) عبر حملة تنظيف، وذلك بالتّنسيق ما بين هيئة البحرين للثّقافة والآثار وجمعيّة عالي الخيريّة وبلديّة المنطقة الشّماليّة، وبمشاركة واعدة من أهالي القرية.
وتأتي هذه المبادرة ضمن مساعي لإدماج المجتمع المحلّي والأهالي في أعمال الصّيانة الدّوريّة والإجراءات الحفاظيّة التي تقوم بها الثّقافة والآثار.
وقد شكّل لقاءُ الأهالي في منطقة التّلال فرصةً جميلةً للتّعاون والسّعي لإبراز جماليّات وقيمة هذا التّراث الإنسانيّ التّاريخيّ، حيث أطلقت عليه جمعيّة عالي الخيريّة عنوان (مبادرة خير)، وذلك ضمن اشتغالها المتواصل الذي يحمل شعار (عالي تجمعنا).
ويعكس هذا الاندماج في المساعي الحفاظيّة وعي الأهالي بالقِيَم التّاريخيّة والإنسانيّة التي تحتضنها القرية، كما يمثّل تحقيقًا لرؤية هيئة البحرين للثّقافة والآثار التي تسعى بكافّة الأدوات الثّقافيّة أن تعمّق الانتماء الوطنيّ، وتنمّي الحسّ الجماعيّ بالمسؤوليّة اتّجاه المواقع التّراثيّة وأبعاد الهويّة الإنسانيّة في المنطقة.
عبر هذه الحملة، أكّد القائمون من جهة الثّقافة: (نحن الآن أمام خطوة استباقيّة تدعم المساعي العالميّة لتكوين شراكات حقيقيّة وفاعلة ما بين الجهات الرّسميّة المسؤولة عن الآثار وما بين أهالي المنطقة. لا يمكن لأثرٍ أو تراثٍ أن يبقى في مأمن ويحتفظ بقيمته ما لم يؤمن به ناسه وأهله، وخطوة التّنظيف وإن بدت بسيطة في فكرتها، إلّا أنّها في الواقع سلوكٌ يعكس ثقافة المجتمع، وتبدي حرصًا على تفاصيل هذا المكان). وعن مشاركة الأهالي، أوضحت الثّقافة أنّ المواقع الأثريّة والتّراثيّة ترتبط اليوم بمفاهيم واسعة تتعدّى المسؤوليّة الفرديّة والرّسميّة، فكما تمثّل هذه المواقع نتاجًا إنسانيًّا مشتركًا، فاستدامتها تتطلّب سلوكيّات ثقافيّة جماعيّة، أكّدت عليها العديد من المواثيق والاتّفاقيّات الدّوليّة والعالميّة.
تأتي هذه الشّراكة مع أهالي قرية عالي موازيةً للعديد من المبادرات الثّقافيّة المعنيّة بالآثار التي أطلقتها الهيئة في وقتٍ سابق، حيث أنجزت بمعيّة المجتمعات المحليّة العديد من تلك المشاريع، من بينها ترميم جامع بوري القديم الذي يُعدّ من أقدم المساجد في البحرين، مسجد المعاودة في مدينة المحرّق القديمة، مسجد العذّار في قرية كرّانة، ومشروع التّنقيب عن مسجد بمقبرة سماهيج، والذي اكتشف الأهالي أطلاله وبادروا إلى التّعاون مع هيئة البحرين للثّقافة والآثار لإبراز القيمة العمرانيّة الأثريّة له. إنّ هذا الجانب الإنسانيّ الاجتماعيّ يرسّخ ضمانًا حقيقيًّا للرّهان الذي يؤكّد أن الحارس الحقيقيّ لهذا الثّراء الحضاريّ هو إنسان المكان ذاته.
الجدير بالذّكر أنّ تلال المدافن مُدرَجة على القائمة التّمهيديّة للتّراث الإنسانيّ العالميّ باليونيسكو، وأنّ هيئة البحرين للثّقافة والآثار قد أجرت دراسات تفصيليّة وشاملة لصيانة وحفظ التّلال الأثريّة، وتشمل تصوّرًا لإحاطتها بأسوار حماية، وشروحاتٍ تفصيليّة عن تاريخ ونوعيّة التّلال. كما تتضمّن الدّراسة استراتيجيّات لتفعيل التّواصل مع الأهالي، وإدماجهم كشريكٍ من المجتمع المحلّيّ.