في اليوم الواحد، قد تبثّ لنا وكالات الأنباء مئتَيْ خبر. جُلّ هذه الأخبار، ظاهرها مجرَّد «أحداث» أما باطنها فهي سياسات وتحالفات ومصالح. تلك السياسات وتلك التحالفات وتلك المصالح لا تسير على طريق مستقيم، بل متعرّج ومليء بالانعطافات. يحصل هذا حتى بين الدول الصديقة.
بمعنى أنهم قد يتفقون بشأن سياسة عامة ويختلفون في تفاصيلها. أو يتفقون على 40 في المئة من محاورها ويختلفون في الباقي. السبب في ذلك، هو أن السياسات عادة تُبنَى على أثير المصالح. وهذه المصالح تقترب وتبتعد عند كل محطة من محطات العلاقة البينية، وكذلك عند علاقات كل دولة بالدول الأخرى. فالعلاقات الدولية عندما تُجمَع تُرَى على هيئة خيوط متشابكة ومعقدة.
دعونا نطرح أمثلة على ذلك. كوريا الجنوبية واليابان حليفان للولايات المتحدة الأميركية وخصمان لكوريا الشمالية، لكنهما يختلفان في المصالح، وتحديداً بشأن جزر دوكدو (أو تاكيشيما كما يُسمّيها اليابانيون) المتنازع عليها بين البلدين. بل وصل الأمر إلى أن يدخل البلدان في صراع مكشوف على السيادة بشأنها.
باكستان والهند حليفان للولايات المتحدة الأميركية، لكن الأولى تتحالف مع الصين ضد الثانية، والثانية تتحالف مع روسيا ضد الأولى، والصين وروسيا خصمان لواشنطن (وإنْ بدرجات مختلفة)، والسبب في ذلك أن باكستان والهند غريمتان بسبب كشمير والموقف من الحركات الجهادية. والصين تقف إلى جانب باكستان بسبب إعطاء الأخيرة لها امتيازات عسكرية وتجارية.
وفي أحيان أخرى، يتسرّب الخلاف إلى التحالف ذاته القائم بين الدول. أعطي مثالاً على ذلك. لقد دفع الصينيون الباكستانيين لأن يُحكِموا القبضة على الإيغور الانفصاليين المعارضين للصين الذي تبيّن لها أن لهم وجوداً في باكستان. وهو ما شكّل حرجاً كبيراً لإسلام أباد وعلاقاتها بالإسلاميين.
ليس ذلك فحسب، ففي أحيان أخرى، تلقي التحالفات بظلالها على داخل الدول نفسها. على سبيل المثال، وقع خلاف بين الحكومة الباكستانية وحزام كبير من القبائل والأعراق في اقليمَيْ باختونخوا وبلوشستان بشأن طريق تجاري سيربط باكستان بالصين التي ضغطت لتحويل مساره في داخل باكستان، ليمر بالبنجاب وليس من كاشغار حتى جوادار (لدواع أمنية كما قيل).
وفي أحيان أخرى، تتشقق الرؤية الواحدة لتصبح رؤى سياسية تؤمن بها دول من خارج المدار. في مرحلة ما، كان الاتحاد السوفياتي والصين عدوّين على رغم شيوعيتهما (وبالتحديد زمن خروتشوف) بسبب النظرة المختلفة للماركسية والموقف من مبادئ لينين وستالين. وقد انسحب هذا الخلاف على المنظومة الاشتراكية كلها، حيث باتت دول تميل إلى بكين دون موسكو.
هناك أشكال أخرى لتلك التناقضات في السياسة. دعونا نقترب قليلاً من ملفات ساخنة في منطقتنا وفي طريقة تشكيل العلاقات السياسية فيها. فعلى سبيل المثال حين يُراد كسب المغرب أو الجزائر يجب الأخذ في الحسبان الموقف من الصحراء الغربية التي تتنازع عليها الدولتان.
وحين يُراد استقطاب تركيا يجب الأخذ في الحسبان الموقف من مصر وحركة الإخوان المسلمين. وحين يُراد التقرب من إثيوبيا يجب مراعاة العلاقة مع مصر التي ترى في سدّ النهضة الأثيوبي تهديداً استراتيجيّاً لمياهها في النيل. وحين يُراد التقرب من أرتيريا تجب مراعاة العلاقة مع الصومال المتخاصمة معها بسبب الموقف من الأمن في القرن الإفريقي وعموم شرق إفريقيا.
دعونا نأخذ أمثلة أخرى لكن في عمق الأزمة السورية. لقد اتضح للأتراك أن إرخاء قبضة الجيش السوري النظامي على مناطق محاذية لجنوب تركيا سيعني مجيء الأكراد والسيطرة عليها، وهو ما حصل فعلاً خلال هذه الأزمة. والأكراد هم في الأصل خصوم لتركيا وفي الأوان ذاته حلفاء لواشنطن التي تعتبر حليفاً قويّاً وأساسيّاً لتركيا، وهو ما يعني سياسات أعقد في التركيب.
في الجهة الأخرى، رأى الناتو أن على تركيا أن تُغلق 98 كيلومتراً من حدودها مع سورية لمنع تسرب المتطرفين إليها خشية عبورهم إلى أوروبا والقيام بعمليات إرهابية كالذي جرى في فرنسا وبلجيكا. لكن ذلك الإجراء قد يُفقِد المعارضة الممولة تركيّاً القدرة على التحكم أو إعادة السيطرة على خطوط الإمداد من حلب حتى الرقة. وفي الوقت نفسه يجعلهم في صِدَام مع الأكراد السوريين، وبالتالي دفع الأكراد عمليّاً للقتال إلى جانب الجيش السوري النظامي ضد المعارضة!
أمر آخر في هذا الملف. واشنطن تدعم الأكراد منذ معركة عين العرب قبل عامين؛ كونهم يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لكنهم وفي الوقت نفسه، بدأوا يستولون (أي الأكراد) على مناطق من التنظيم تقع على الشريط الحدودي بين سورية وتركيا (يقال إن مساحة تلك الأراضي تزيد على 10 آلاف كيلومتر) وهو ما لا تريده أنقرة بأي حال من الأحوال، كي لا تتصل تلك الأراضي في العمق السوري بأراضي جنوب تركيا وتقوم دولة كردية متكاملة الأركان تهدد الأمن القومي التركي.
ما أريد أن أخلص إليه هنا هو صعوبة وضع السياسات الخارجية والداخلية للدول ما دامت المصالح متنافرة، وفي الوقت ذاته بعيدة عن السيطرة بفعل فروض الجغرافيا والعلاقات المتعددة للدولة أو للعلاقات غير المباشرة. وربما كان هذا الأمر أحد أهم الأسباب التي تفضي عادة إلى بطء تنفيذ الخطط المشتركة للدولة أو ربطها بأجل محدد كون المصالح متباعدة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4984 - الجمعة 29 أبريل 2016م الموافق 22 رجب 1437هـ
مثال على تناقضات السياسة، ايران مثلا:
تقول أنها تحمي الشيعة في كل مكان، إلا في اذربيجان تقف في صف الارمن المسيحيين، ضد الأذريين الشيعة.
المشكلة الكبرى حين تمارس السياسة بأقذر طرقها ثم نسبها للإسلام وربطها بالإسلام وكأن ذلك
خل الي ......
شلون نوازن العلاقات بين الكبرى الي شرقنا والكبرى الي غربنا ثنتينهم لهم أطماع