قال الشيخ محمد صنقور، في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز أمس الجمعة (29 أبريل/ نيسان 2016): «إن المعالجاتِ الأمنيَّة بمقتضى طبيعتِها وأدواتِها لا تكونُ قادرةً على استئصالِ مناشئ الأزمةِ السياسيَّةِ، فإذا كان منشأُ الأزمةِ السياسيَّةِ هو التمييزَ مثلاً فالأزمةُ لن تزولَ إلا بزوالِه».
وفي خطبته، قال صنقور: «حينَ تعصفُ أزمةٌ في بلدٍ مَّا بين أبناءِ ذلك البلدِ أو وبين قِطاعٍ واسعٍ من أبنائِه وبينَ الحكومةِ التي تَرعى شئونَ ذلك البلدِ، فلابدَّ لمعالجتِها من ملاحظةِ طبيعةِ تلك الأزمةِ، فقد تكونُ الأزمةُ أمنيَّةً، وقد تكونُ الأزمةُ سياسيَّةً، ولكلٍّ من الأزمتينِ دلالاتُها التي لا تَخفى، فالأزمةُ الأمنيَّةُ تنشأُ عن مثلِ الحركاتِ المسلَّحةِ التي تسعى لفرضِ واقعٍ بقوةِ السلاحِ أو تنشأ عن مثلِ الحركاتِ الإرهابيَّةِ التي تعتمدُ الإرهابَ كقتلِ الأبرياءِ وسيلةً لفرضِ رؤاها ومتبنَّياتِها الثقافيَّة أو وسيلةً لتحصيلِ مكاسبَ ماليَّةٍ كما هو شأنُ العصاباتِ التي تمتهنُ القَرصنةَ أو قطعَ الطريقِ على الآمنينَ، وقد يكونُ القتلُ والإرهابُ لدى بعضِ الحركاتِ الإرهابيَّة هو بذاتِه غايةً من غاياتِها، لأنَّها ترى أنَّ ذلك هو مقتضى التكليفِ الذي يفرضُه عليها مذهبُها، وإنْ لم يترتَّبْ على ما تُمارسُه من إرهابٍ أيُّ مكسبٍ سياسيٍّ أو ماليٍّ، بل وحتى لو كان الإرهابُ مُفْضياً لوقوعِها في خسائرَ فادحةٍ فإنَّها لا تَحيدُ عن اعتمادِه كما هو شأنُ الخوارجِ في التأريخِ وشأنُ بعضِ الحركاتِ الإرهابيَّةِ في هذا الزمنِ».
وأوضح صنقور أنه «حين يبتلي بلدٌ بمثلِ هذه الحركاتِ فأزمتُها أمنيَّةٌ، أما حينَ تكونُ طبيعةُ الأزمةِ في بلدٍ هي من قبيلِ تملْمُل الناسِ وتذمُّرُهم من وضعٍ سائدٍ، واعتمدوا في التعبيرِ عن تذمُّرِهم الوسائلَ السلميَّةَ، فمثلُ هذه الأزمةِ سياسيَّةٌ، وحينَ تكونُ الأزمةُ سياسيَّةً فعلاجُها يكونُ بالوسائلِ السياسيَّةِ، لأنَّ ذلك هو ما يُفضي لإنهائِها، أما علاجُ الأزمةِ السياسيَّةِ بما تُعالَجُ به الأزماتُ الأمنيَّة فهو لا يُنتجُ القضاءَ على الأزمةِ السياسيَّةِ بل يزيدُ في تعقيدِها والإطالةِ من أمدِها».
ونبه صنقور إلى أن «المعالجاتِ الأمنيَّة بمقتضى طبيعتِها وأدواتِها لا تكونُ قادرةً على استئصالِ مناشئ الأزمةِ السياسيَّةِ، فإذا كان منشأُ الأزمةِ السياسيَّةِ هو التمييزَ مثلاً فالأزمةُ لن تزولَ إلا بزوالِه، وكذلك حينَ يكونُ منشأُ الأزمةِ هو الفسادَ أو الإقصاءَ أو الازدراءَ فإنَّ معالجتَها لا تتمُّ إلا باستئصالِ هذه المناشئِ. نعم قد يقعُ الاختلافُ فيما هي الآلياتُ السياسيَّةُ المناسِبةُ لاستئصالِ مناشئ الأزمةِ، وتسويةُ هذا الاختلافِ إنَّما يتمُّ بالحوارِ الجادِّ الذي لا يحرصُ فيه كلُّ طرفٍ على المغالبةِ وتسجيلِ الأهدافِ بل يحرصُ فيه الجميعُ على الخروجِ من الأزمةِ خروجاً ليس معه عودةٌ».
وفي خطبته، تحدث صنقور كذلك عن يومِ العمَّالِ العالميِّ، وذكر أن «مشكلةُ البطالةِ ومشكلةُ تدنِّي الأجورِ، وهما مشكلتانِ عريقتانِ، وتُؤرِّقانِ أكثرَ الأُسرِ البحرينيَّةِ، فالأسرةُ التي لا تشكو مِن البطالةِ فإنَّها تشكو من تدنِّي الأجورِ، وكلٌّ من المشكلتينِ تُلحَّانِ على المَعنيينَ بذلَ أقصى الجهدِ من أجلِ التخلُّصِ منهما، وذلك نظراً لتأثيرِهما المباشِرِ على أوضاعِ المواطنينَ المعيشيَّةِ، ولأنَّهما تَحولانِ دونَ تمتُّعِهم بحقِّهم في العيشِ الكريمِ».
وأوضح أن «الذي ينبغي أنْ يقالَ في المقامِ أولاً هو ضرورةُ تحييدِ هاتينِ المشكلتينِ والنأيِ بهما عن المناكفاتِ السياسيَّةِ والطائفيَّةِ، إذ أنَّ واحداً من أسبابِ تعثُّرِ الحلِّ لهاتينِ المشكلتينِ المُزمنتينِ هو التوظيفُ السياسيُّ والطائفيُّ، فالعملُ وتحسينُ الأجورِ حقٌّ وطنيٌّ يستحقُّه كلُّ أبناءِ الوطنِ على قدمِ المساواةِ وعلى قاعدةِ تكافؤِ الفُرصِ، والأمر الثاني هو تشريعُ فرضِ الأولويَّةِ للمواطنِ على الأجنبيِّ في مختلفِ المواقعِ، ورفدُ هذا التشريعِ بالرقابةِ الصارمةِ المشفوعةِ بالشفافيَّةِ الكاملةِ والقادرةِ على كشفِ أيِّ تجاوزٍ لذلك، واعتبارُ التجاوزِ لذلك من صنوفِ الفسادِ الذي يُجرِّمُه القانونُ».
ورأى صنقور أن «توظيفَ الأجنبيِّ في أيِّ موقعٍ ينبغي أن ينتهيَ بمجرَّدِ وجودِ الكفاءةِ الوطنيَّةِ القادرةِ على أنْ تَسُدَّ مَسَدَّه. ويكونُ العملُ جادَّاً على خلْقِ هذه الكفاءاتِ الوطنيَّةِ وتأهيلِها لتكونَ في المواقعِ الوظيفيَّة التي يشغلُها الأجنبيُّ».
وبين أن «الأمر الثالث: هو أنَّ الأعباءَ التي يفرضُها الوضعُ الاقتصاديُّ في الظرفِ الراهنِ ينبغي أنْ لا يتحمَّلَ ذوو الدخلِ المحدودِ شيئاً منها، فإنَّ تحميلَهم لشيءٍ من هذه الأعباءِ يُفاقمُ من الوضعِ المتردِّي أساساً لأحوالِهم المعيشيَّةِ».
العدد 4984 - الجمعة 29 أبريل 2016م الموافق 22 رجب 1437هـ
الله يحفظ شيخ محمد ويعزك