واظبت عوضيه محمود كوكو طوال عقدين على بيع الشاي على قارعة الطريق تحت شمس الخرطوم الحارقة مع حلم بقي يراودها بتحسين أوضاع زميلاتها في العمل وغالبيتهن مثلها ينحدرن من مناطق النزاعات، غير أنها لم تكن تتخيل أن هذا الأمر سيقودها إلى البيت الأبيض.
فبفضل نضالها من اجل تحسين أوضاع النساء الفقيرات بائعات الشاي والأطعمة في الخرطوم، نالت عوضيه "جائزة المرأة الشجاعة" من وزير الخارجية الأميركي جون كيري في واشنطن الشهر الماضي.
وقالت محمود في تصريحات أدلت بها بعد زيارة استمرت عشرة أيام للولايات المتحدة تسلمت خلالها جائزتها "شعرت بفرح عارم عندما تسلمت الجائزة".
وأشاد كيري بجهودها لتطوير الوضع القانوني وتحسين الظروف الاقتصادية للنساء في السودان.
وفور عودتها من الولايات المتحدة، استأنفت عوضيه عملها في جمعيتها التعاونية الصغيرة بمنطقة السوق الشعبي بالخرطوم في تقديم المساعدة القانونية للنساء اللاتي يتعرضن للمضايقات من الشرطة ويعانين من الوصمة الاجتماعية في حقهن.
وقد ازدانت باحة الجمعية بلافتات تظهر صورتها مرتدية ثوبا تقليديا خلال تسلمها الجائزة من كيري. وهي تأمل في الاستفادة من هذا التكريم لتوسيع شبكة تعاونياتها في سائر أنحاء السودان.
وأضافت "هذا العمل لا يعني الخرطوم وحدها بل كل مناطق السودان".
وتعمل آلاف النساء في بيع الشاي والوجبات الخفيفة في شوارع الخرطوم. وتحصل هؤلاء، وهن في كثير من الأحيان من النازحات إلى الخرطوم من مناطق النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، على دخل يومي لا يتعدى خمسين جنيها ما يعادل أربعة دولارات بحسب سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق السوداء .
وتعاني هؤلاء العاملات من الوصمة الاجتماعية كما يتعرضن في أحيان كثيرة إلى التحرش الجنسي.كذلك يخشين شرطة النظام العام التي تصادر معداتهن في حال لم يظهرن بطاقة تفيد أنهن خضعن لفحص يؤكد عدم أصابتهن بأمراض ما يجبرهن على دفع مئات الجنيهات السودانية. وأمضت عوضيه عقدين من الزمان في بيع الشاي من وراء كشك معدني صغير تحت أشعة الشمس الحارقة.
وولدت عوضيه في عام 1963 وهاجرت مع أسرتها خلال الطفولة إلى الخرطوم من منطقة جنوب كردفان الممزقة بسبب النزاعات.وعقب زواجها بدأت عملها كبائعة للشاي سنة 1986 لمساعدة أسرتها الصغيرة بعمل هو الوحيد المتاح لامرأة لم تصل في تحصيلها العلمي الى ابعد من التعليم الأساسي.
وقالت "نجلس طوال اليوم تحت أشعة الشمس وليس هناك دورات مياه نستخدمها".وأثناء تعدادها للسنوات الصعبة في بيع الشاي وهي تجلس في جمعيتها التعاونية، تتوقف عن الحديث لتقديم الطعام او الشاي والقهوة للزاور من أعضاء الجمعية.وقد عقدت عوضيه العزم على تحسين أوضاع زميلاتها من بائعات الشاي والطعام .
في عام 1990 ساعدت عوضيه في إطلاق جمعية تعاونية بمنطقة الحاج يوسف في الجزء الشرقي من الخرطوم حيث يقيم مهاجرون من جبال النوبة.وقدمت الجمعية للمنتسبات إليها في مقابل اشتراكات رمزية مساعدة قانونية إذ كانت ترسل أعضاء من الخاضعين لتدريبات قانونية من منظمات غير حكومية لمساعدة زميلاتهن على استعادة أوانيهن المصادرة من جانب الشرطة.بعدها افتتحت الجمعية فروعا إضافية وانضمت إليها مئات النساء وقدمت تدريبا في مهارات أخرى.
لكن عوضيه ومعها عدد من مديرات التعاونية أودعن السجن لأربع سنوات بسبب عجزهن عن تسديد ديون مترتبة بسبب استثمار غير مربح.وعادت إلى عملها في عام 2010 لتصبح رئيسة لشبكة الجمعيات التي تضم ثمانية ألاف امرأة في الخرطوم.
وقالت وهي تضحك مع اثنتين من زميلاتها في مقر الجمعية بالسوق الشعبي بينما تصب إحداهن القهوة إنها تأمل أن تحسن جائزتها صورة بائعات الشاي .وأضافت "نظرة المجتمع لبائعة الشاي سلبية لكن هذا غير عادل بائعات الشاي نساء محترمات".