جاءت زيارة عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لكل من الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية ضمن زيارة جلالته الحالية لجمهورية مصر العربية الشقيقة، ولقائه مع كل من فضيلة الامام الأكبر شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب وقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لتجسد حقيقة الدور البحريني في رعاية كل ما من شأنه أن يحفظ وحدة هذه الأمة وتماسكها، وحرص مملكة البحرين على حماية قيم التسامح والتعايش والحوار التي دعت إليها كل العقائد والأديان، وشكلت القوام الرئيسي لنهج القيادة الرشيدة، وعماد سياسة البحرين ناحية جميع المؤمنين بالقيم الإنسانية العظيمة، وخاصة تجاه المقيمين فوق أرضها الطيبة من جميع الأعراق والأديان.
وتعود أهمية هذه الزيارات الملكية إلى المكانة التاريخية والوطنية التي تحظى بها كل من مؤسستي الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية في نفوس أصحاب الفطر السوية، ليس على مستوى العالم العربي فحسب، بل على مستوى العالم كله، حيث يمثل الأزهر، وعلى مدى أكثر من ألف عام، قلعة الوسطية والاعتدال والفهم الصحيح للإسلام الكامل والشامل، ويعد منارة دينية وعلمية وتوعوية.
والأمر ذاته بالنسبة إلى الكنيسة الأرثوذكسية، التي يمتد عمرها الآن إلى أكثر من تسعة عشر قرناً من الزمان، وتعد من أقدم الكنائس في المنطقة، ومن أعرقها في العالم كله، وتمثل بمواقفها التاريخية والوطنية والقومية المشهودة على مدار التاريخ قيم العقلانية والدفاع عن الحق وحدود الأوطان وسيادتها ومكتسبات أهلها، وتمثل واحدة من بين الكنائس العديدة التي تتشرف البحرين بتواجدها على أرضها، حيث يمارس المؤمنون بها كغيرهم من أصحاب الشعائر الدينية المختلفة حقوقهم وحرياتهم في العبادة.
ومثلت الزيارة الكريمة لجلالة الملك للأزهر الشريف دعمًا لهذه المؤسسة العريقة والكبيرة للقيام بدورها المنشود في مواجهة التيارات المتشددة، والدعوات والنزاعات الطائفية والمذهبية التي توظف الإسلام من أجل تحقيق المزيد من التمدد والتدخل والسيطرة على العالم العربي. وهي مهمة كبرى تدعمها مملكة البحرين وتدعم أي جهد لإحلال السلام والأمن في المنطقة والعالم.
وقد عبر عن ذلك صراحة العاهل المفدى في ثنايا كلمته التي ألقاها أمام الحضور الكريم خلال لقائه شيخ الأزهر وعلمائه الأجلاء، حيث وصف دعم مؤسسة الأزهر للبحرين بـ "الموقف الأصيل"، وأنه "ليس غريباً على الأزهر الشريف وعلمائه المحترمين، الذين عرفوا بالوسطية والاعتدال والحكمة والانتصار للحق"، لافتًا إلى "أن المكانة المرموقة للأزهر ومشايخه في قلوب المسلمين تلقي بالمزيد من المسئوليات التي نثق بأن الأزهر برجاله الحكماء قادر على القيام بها خير قيام".
وواقع الأمر أن الزيارة الملكية لمشيخة الأزهر الشريف تعد تقديرًا لمواقفهم المشرفة التي أكدوها مرارا وتكرارا دعما لسيادة البحرين ووحدتها وعدم التدخل في شئونها الداخلية.
وعبر عن ذلك فضيلة الإمام الأكبر في كلمته يوم أمس، حين وصف الزيارة بأنها "ليست تقديرا للأزهر فحسب، وإنما تقدير وتكريم لأكثر من 100 من دول العالم الإسلامي في القارات الست"، لافتا إلى أن الأزهر الشريف "يقدر للبحرين منزلتها الخاصة في التراث الإسلامي وخصوصيتها في الثبات على الإسلام ودعمه ومساندته منذ أيامه الأولى، وأن الأزهر الشريف يقف اليوم داعمًا لوحدة شعب البحرين واستقلال إرادته، وعدم التدخل في شئونه الداخلية".
ويتأكد ذلك أكثر عند الإشارة إلى هذا الاتفاق في الرؤى بين مملكة البحرين ومؤسسة الأزهر الشريف ومساعيهما للتنسيق المشترك من أجل تحقيق التضامن الإسلامي ومواجهة التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي الآن، وخاصة أن هناك خطوات عديدة تم تحقيقها في إطار التعاون الديني والعلمي والثقافي بين الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية والعلمية بالبحرين، حيث يقوم الأزهر بدعم البحرين في مجال التعليم والدعوة، وتدريب الأئمة، وأهل مملكة البحرين على تواصل دائم مع الأزهر الشريف منذ زمن طويل في شتى المناحي العلمية والدينية والثقافية والمعرفية.
كما تدعم مملكة البحرين جهود الأزهر في توحيد كلمة المسلمين، ومواقفه تجاه القضايا العربية والخليجية خاصة، ومساعيه لتوحيد الصفوف والتي تأتي انطلاقاً من الدور التاريخي للأزهر الشريف لوأد الفتنة ودرء المخاطر التي تحدق بالأمتين العربية والإسلامية، وتتطلع إلى تعزيز دور الأزهر القيادي في دعم المنبر لأداء رسالته السماوية في خدمة الإسلام والمسلمين والنأي به عن أن يكون منطلقًا للشقاق والتفرقة والتطرف في إطار الخط المتزن والمعتدل للأزهر الشريف والذي جعله منارة إشعاع فكري وثقافي.
يذكر هنا ان شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب قام بعدة زيارات لمملكة البحرين منها زيارته في (إبريل/ نيسان 2013) في إطار توطيد العلاقات بين مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية بصفة عامة، وبين الأزهر والمؤسسات الدينية في البحرين بصفة خاصة، وأكد خلالها الإمام الأكبرأن الأزهر الشريف سيظل دائما داعمًا لمملكة البحرين قيادة وشعبًا في ظل سعيها الحثيث لتحقيق النهضة والتقدم.
وعبر جلالة الملك عن مكانة الأزهر الشريف لدى لقائه آنذاك فضيلة الإمام الأكبر، حيث أكد أنَّ "وسطية نهج الأزهر الشريف ظلت عبر العصور منارة يؤمها كل راغب في العلم والفكر المستنير من شتى أرجاء عالمنا الإسلامي، وكان لأهل البحرين حظ وافر من ذلك، حيث يُكِنُّ أهلُها للأزهر الشريف وعلمائه ومفكريه كل حب واحترام".
ولعل مواقف شيخ الأزهر المشرفة في دعم ومساندة مملكة البحرين والدفاع عن عروبتها واستقرارها، دليل على ذلك، حيث عبر فضيلته في المناسبات كافة عن تقديره لمملكة البحرين والحرص على استقرارها ودعم الإصلاحات فيها، ولاشك أن من أبرز المواقف المشهودة هو ما عبر عنه في خضم الأزمة التي مرت بها البحرين، حيث كان موقفه واضحا بلا مواربة في دعم الشرعية والحرص على استقرارها ورفض التدخل الخارجي في شئونها والعبث بأمنها وإثارة الفتن بين طوائفها الكريمة، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده فضيلته بمشيخة الأزهر في (19 إبريل2011)، كما أكد فضيلته الموقف ذاته في (11 مايو/ أيار 2011) خلال استقباله بالقاهرة وفدا من تجمع الوحدة الوطنية البحريني حيث صرح بأن "من يستهدف أمن البحرين فهو يستهدف ثغراً من ثغور الإسلام".
وامتدادا لمواقفه الواضحة في رفض التدخل الخارجي في شئون مملكة البحرين، أبلغ فضيلة أحمد الطيب وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته القاهرة في (10 يناير/ كانون الثاني 2013) رفض الأزهر التام التدخل في شئون مملكة البحرين، كما أكد صراحة للرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد خلال لقائه به على هامش زيارته القاهرة في (5 فبراير/ شباط 2013) رفضه التام للتدخل الإيراني في الشأن البحريني، كما أكد في بيان أصدره في وقت لاحق، ثوابت الأزهر الشريف ناحية البحرين بـ "ضرورة احترام البحرين كدولة عربية شقيقة، وعدم التدخل في شئون دول الخليج كافة".
ولم يتوانَ شيخ الأزهر في دعم حوار التوافق الوطني في البحرين، وذلك من منطلق إيمانه بأن الحوار هو السبيل الأمثل للارتقاء بالدول، وفى هذا الصدد أشاد أحمد الطيب لدى استقباله بالأزهر يوم (8 أغسطس/ آب 2011) وكيل وزارة العدل فريد يعقوب المفتاح بالمرئيات التي توصل إليها المشاركون في حوار التوافق الوطني. كما أبدى ترحيبه خلال استقباله في القاهرة وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة في (8 فبراير 2013) بدعوة عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى استكمال حوار التوافق الوطني، وأكد دعمه وتأييده للخطوات الإصلاحية كافة التي اتخذتها البحرين، ونعى الإمام الأكبر استشهاد 5 جنود بحرينيين خلال تأديتهم للواجب الوطني في المشاركة في الدفاع عن الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية.
وتأتي هذه المواقف الهامة التي عبر عنها شيخ الأزهر أحمد الطيب تجاه مملكة البحرين في إطار الدور الرائد الذي قام به الأزهر الشريف عبر تاريخه الممتد كحصن منيع للأمتين العربية والإسلامية، وكصرح علمي وإسلامي كبير يسهم في نشر الوسطية والنهج الديني السمح وتعميق أواصر التضامن بين سائر الشعوب والبلدان العربية والإسلامية.
كما جاء لقاء عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ليؤكد أن هناك تعاوناً كبيراً ودائماً بين البحرين والكنيسة المصرية، حيث تحرص البحرين على التواصل مع أقدم الكنائس على مستوى العالم العربي في إطار جهودها لتشجيع الحوار بين الأديان وتدعيمه، فمملكة البحرين بلد التسامح وهي ترحب بجميع الأديان والحضارات على أرضها، حيث توجد أكثر من 30 كنيسة فوق أرضها الطيبة، ويمارس مريدوها شعائرهم الدينية بحرية كاملة.
وعبر عن ذلك بوضوح عاهل البلاد في ثنايا كلمته التي أشاد فيها بدور الكنيسة الوطني "والكبير عبر التاريخ في جمع الكلمة ووحدة الصف ومواقفها المشرفة ودعمها وحدة الشعب المصري بكل أطيافه تحت راية الوطن الواحد وفي ترسيخ قيم التسامح والتآلف ونشر المحبة والأمن والسلام"، لافتا إلى أن البحرين تقدم هي الأخرى نموذجاً للتنوع والتعددية "وتحتضن منارات المساجد والكنائس ويعيش الجميع فوق أرضها دون تفريق لأي سبب من الأسباب".
ويبدو تقدير جلالة الملك لجميع الأديان واضحاً في الكثير من المناسبات، حيث منح جلالته قطعة أرض مساحتها 9 آلاف متر مربع لبناء أكبر كنيسة كاثوليكية في البحرين والخليج العربي ما يعد شاهدًا على الانفتاح الثقافي والديني في البحرين.
وقد أشاد بابا الإسكندرية بهذه الروح السمحة التي تتمتع بها البحرين عندما أشار في كلمته، خلال اللقاء، إلى أن "البحرين صارت بمثابة وطن ثان لكثير من المصريين"، مثمنًا "موقف البحرين في احتضانها للمصريين جميعا، وكذلك افتتاح وتسهيل إنشاء كنائس لخدمة كل الطوائف هناك".
وأشاد قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بمواقف مملكة البحرين الرائدة في دعمها لمصر، ودور حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في تحقيق الأمان والاستقرار في مملكة البحرين، فضلا عن إشادته بالخطوات الإصلاحية ومبادرات التقارب بين الأديان التي يرعاها جلالته، وخاصة أن مملكة البحرين تشارك في احتفالات كافة الأشقاء بمناسباتهم وشعائرهم الدينية، ومنهم الإخوة المسيحيون بتوجيه من ملك مملكة البحرين صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
وجاءت زيارة جلالة الملك للكنيسة المصرية ولقائه البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية لتؤكد أواصر الصداقة والعلاقات الجيدة بين مملكة البحرين والكنيسة المصرية واتسامها بالعمق في ظل إعلاء مملكة البحرين روح التسامح الديني.