كانت تلك السنوات جديرة بالإنتظار.. انتظار وهج ابتسامتك الأنيقة في وضح النهار
وكأن كل سنواتي كانت النبض لأجلك..
أتذكرها أول حركة، أول ركلة، بل أول نبضٍ أسمعه يقاسمني أحشائي ..
كنت كالبقية، وكانت فرحتي بحجم الكون ومجراته
تبتسم، تحبو، فتخطو، فتمشي.. فتغرقني في بحر من الأحضان وكنت أراقب كل تفاصيلك ...
ولم يكن بعد ذلك إلا جنوناً .. تفاصيل كثيرة غدت تتلاشى ..
لم يعد طفلي الأول كما كان .. أصبح مختلفاً بحجم قطر دائرة ..
وكانت بداية صدمتي .. إنه التوحد
لا أذكر إلا دمعاتي التي انهمرت دون استئذان، ولا أعرف كيف كانت أضواء الشوارع تلاحقني ذاك المساء..
فقط، تمنيته حلما بائساً كان يتلبسني..
إنه التوحد لايمكن الهروب منه إلا إليه.. أن تصدق إنك وسط صحراء .. إنك بحاجة لبداية، ولكن لا تعرف حتى بدايتها..
أن تعرف ألف باء التوحد .. أن تحتضن طفلك قبل كل شئ، فالرحلة أمامك طويلة تشوبها آلاف العراقيل..
تلك كانت الرحلة، تلك كانت معاناة وأماني تتحطم..
الحكاية إنك شئت أم أبيت فأنت وسط كلك ذلك، وسط النكران والتصديق والبحث..
رحلة أن تقرأ أن تستكشف أن تغير واقعاً عنيداً..
طفلي كان عنيداً، مزاجياً، له حركات وإيمائات مختلفة، يأكل أشياءً غريبة ويلعب بطريقة مختلفة..
في ذلك الوقت ووسط طوفاناً من الأسئلة، لماذاهو مختلف، لماذا لايتكلم، لماذا لا يلعب كباقي الأطفال..
كانت تلك الأمور تبكيني جداً، ولكني الآن أصبحت مختلفة بل فخورة به..
ابني محمد،،
لايهمني مايقال عنك، لم تتحدث حتى الآن بعد هذه السنوات، ولم تكتب أو ترسم، حتى إنك لم تكتب حاصل جمع واحد زائد واحد....
كل ذلك لايهم.. فأنا مؤمنة بك حتى السماء السابعة، ولا استعجل الخطى
أعلم جيدا انه لايوجد علاج للتوحد، فلا مضاد او ترياق كفيل به، وأعلم أن الطريق طويل، يمازجه المستحيل..
ولكني أؤمن بك، فوجودك كان معجزة، لايأس ولاقنوط
مع التوحد لاتحتاج إلا إلى الإيمان والصبر..
التوحد،
به و معه ابتدأت حكاية‘ ولانزال نسرد تفاصيلها، نعايش صعوبتها، ونستذكر البدايات
كن معي طفلي، وإنا معك بحواسي الخمسة، كن نبضي وظلي ...
العدد 4981 - الثلثاء 26 أبريل 2016م الموافق 19 رجب 1437هـ
دمعت عيناي
كان الله معك و طفلك