العدد 4981 - الثلثاء 26 أبريل 2016م الموافق 19 رجب 1437هـ

الـشكر: المتوحـــد واحد منكم تحملوه

مجتمعنا حضنه بارد عليهم

ليس من السهل أن يعاني ابنكم من مرض أو اضطراب، والأصعب أن يكون ذلك مزمن. قلب الوالدين يظل مشغولاً ومهموماً حتى يشفى الابن ويحصل على رعاية كاملة شاملة. والأنكى من كل ذلك فقدان تفاعل وتعاطف وتفهم المجتمع مع ارتباك وقصور في الرعاية المقدمة للمصابين بالتوحد.

المتوحدون يعيشون بيننا في ظل ظلمات العزلة الثلاث، فمن عزلة الذات، لعزلة الوالدين الذين يخشون المجاهرة بإصابة ابنهم، إنتهاءاً بعزلة المجتمع الذي لا يفهمهم وقد يسيء التعامل معهم ولا يقبلهم في محيطه.

أحمد الشكر ورفاقه قرروا فك قيود العزلة المظلمة وحملوا مشاعل النور من أجل المتوحدين والمجتمع. «الوسط الطبي» التقت به للتعرف على ظروف إنشاء جمعية التوحديين البحرينية، ودار اللقاء التالي:

من أين نشأت فكرة تأسيس جمعية للمتوحدين؟

قبل الإجابة أضعك والقارئ الكريم في إطار معاناة والديَّ المصاب بالتوحد. يدفع والدا المتوحد كلف كبيرة في سبيل رعاية ابنهم، لعل أبرزها وأعلاها التأهيل وهي عملية مستمرة ومركز التأهيل الحكومي الموجود طاقته الاستيعابية أقل من المتوحدين لذا اضطر وغيري في تأهيل ولدي في مراكز خاصة تناهز رسومها الشهرية 300 دينار، وتبلغ 400 دينار عند آخرين لأن ابنهم يحتاج برامج مكثفة.

وأود أن أشير إلى أن التوحد ليس مرضاً بل هو اضطراباً عقلياً في الجهاز العصبي يصيب الدماغ يحد من قدرات المصاب به على التواصل مع الآخرين ويصاحبه صعوبات في النطق والحركة والتعلم وغيرها. ويصاحب ذلك خلل في الجهاز الهضمي، فلديهم حساسية من بروتين الجلوتين في دقيق القمح، وبروتين الكازين في الحليب، ولذا فإن تغذيتهم تنحصر على الأغذية العضوية وبدائل دقيق القمح كدقيق الذرة، أو الأرز. وبدائل الحليب الحيواني لمستحلبات نباتية، ومحليات بديلة عن السكر كالعسل ومحليات مستخلصة من جوز الهند، كل ذلك يضع عبء مالي على عواتق أولياء الأمور.

هل هناك كلف أخرى؟

بالإضافة للكلفة المالية، هناك كلفة اجتماعية كبيرة يدفعها المتوحد ووالديه. من خلال تجربتي أرى أن مجتمعنا لم يستوعب بعد اضطراب التوحد، وبالتالي لا يتعامل معه بالشكل الصحيح. حتى تكون الصورة أقرب أعطيك المثال التالي: كنت في المجمع مع ابني المصاب بالتوحد – وبالمناسبة المتوحد يكره التجمعات وينزعج بسرعة، كما أن قدرته السمعية تفوق الآخرين بأضعاف فينزعج أيضاً من مستويات الصوت المتوسطة - فحصل ما أزعجه وبدأ بالصراخ. فبادرت بتهدئته وقدمت الإعتذار من رواد المجمع وشرحت لهم أنه مصاب التوحد. ومن المؤسف أن يرد عليّ أحدهم بإن ولدك غير مهذب، وأعمل على تهذيبه في المنزل.

هذا الموقف يدل على عدم تفهم أو تقبل المجتمع للمتوحد وذويه للأسف.

نفهم أن الكلف المالية والاجتماعية سبب تأسيس الجمعية؟

نعم، بالإضافة مع الارتباك والقصور في الرعاية المقدمة للمصابين بالتوحد من قبل الجهات الحكومية، وهنا أود أن أدي تقديري للجهود والتأكيد أنها غير كافية.

يحصل المتوحد على منحة مالية قدرها 100 دينار شهرياً، وهذا جيد والأفضل توسيع مركز التأهيل التابع للحكومة لأننا كما أسلفت ندفع أضعاف المبلغ لتأهيلهم في مراكز خاصة. ومن الخدمات التي يحصل عليها المتوحد بطاقة تُعرِف بحالته من وزارة العمل والشؤون الإجتماعية تتيح له معاملة خاصة تتناسب وحالته. ولكن هذه الخدمة غير فاعلة بنسبة كبيرة.

على سبيل المثال ذهبت بولدي للمركز الصحي لعلاجه، ومع إشهار البطاقة الخاصة به جعلونا ضمن الجدول الزمني المعتاد مع أن البطاقة تعطي امتياز العلاج الفوري له لخصوصية حالته، ويجب أن نتذكر دائما أن المتوحد ينزعج من التجمعات.

متى تأسست الجمعية؟

قدمنا طلب التأسيس في يونيو 2014، وحصلنا على الإشهار في 1 أكتوبر 2015. وانطلقت مع الأخوة المؤسسين وكنا 11 شخصاً في تحقيق الأهداف التي رسمناها لتأسيس الجمعية، ونفذنا 7 فعاليات موجهة للجمهور، والثامنة التي انعقدت مؤخرا في منتزه عذاري.

ما هي أبرز أهدافكم؟

أن نكون الحضن الدافئ للمتوحدين وذويهم ويشرفنا احتضانهم وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لهم. كما نسعى بقوة للدفع بتأسيس مركز متخصص للمتوحدين كمركز الخرافي في الكويت يضم اخصائيي من مختلف التخصصات في النطق والحركة والسلوك وغيرها. وعندها لن نكون بحاجة للمنحة المالية الشهرية.

وألفت هنا أن المتوحدين كنوز مخبوءة إذا اعتنينا بهم سنكتشف عباقرة، وهذا ليس كلاماً مرسل فآينشتاين عالم الرياضيات المشهور، وبيل غيتس صاحب شركة البرمجيات العملاقة ميكرو سوفت، ولاعب كرة القدم المشهور ميسي كلهم مصابون بالتوحد.

كم يبلغ عدد المتوحدين في البحرين؟

بحسب آخر إحصاء للجمعية يقارب العدد 1500 حالة، وللأسف ترفض الجهات الرسمية تزويدنا بالإحصاءات لديها.

والعدد قابل للزيادة فالإحصاءات العالمية تشير إلى ارتفاع نسب المصابين من 50 في كل 1000طفل، إلى 200 في كل 1000 طفل. ويتحتم علينا العمل بسرعة لاستيعاب هذه الأعداد.

كيف تقيم الخدمات في القطاع العام المقدمة للمتوحدين؟

أعتقد أن القطاع العام بحاجة لمزيد من الجهود لرعاية هذه الفئة، خصوصاً أن هذا الاضطراب يحتاج لعناية خاصة ومركزة. فإذا بدأنا بمراكز التأهيل الحكومية عددها قليل ولا يستوعب الطلبات وهناك قوائم انتظار لقبولهم في هذه المراكز، وللعلم فكلما تأخر تأهيل المتوحد تتعقد المسألة أكثر ويصعب تأهيله.

بالنسبة للخدمات فكما أسلفت هناك بطاقة تعريف بالمتوحد تصدر من الوزارة لتسهيل أموره والحصول على معاملة تناسب حالته، ولكن للأسف الكثير من الدوائر الحكومية لا تعرف بشكل كافٍ كيف تتعامل مع المتوحد، إذا هناك حاجة لتأهيل مؤسسات الدولة للتعامل مع المتوحد.

وفي ملف التعليم، هناك مشروع لدمج المتوحدين في المدارس الحكومية، وهذه العملية ليست سهلة فأنت بحاجة لتأهيل المؤسسة التعليمية لاستقبال مثل هذه الحالات الخاصة، كما أن عدد الطلبة في الصف يجب أن يكون صغيراً حتى يستطيع المعلم تركيز جهوده.

وفي رسالة أخرى كجمعية نحتاج للكثير من المصاريف إضافة لمصاريف الرعاية الكبيرة التي نقدمها لأبنائنا المصابين، لكننا لا نتلقى أي دعم مالي من الوزارة مع حاجتنا الماسة إليه من أجل مواصلة نشاطاتنا.

ماذا عن الرعاية الصحية؟

كما أسلفت التوحد ليس مرضاً، لكن المصاب بالتوحد يصاب باضطرابات في الجهاز الهضمي ويحتاج لمكملات غذائية وفيتامينات، ومن نتائج الاضطراب أيضاً نمو فطريات في البطن ويتعرض كثيراً للإمساك.

هذا من جهة، من جهة أخرى عملية التشخيص نفسها بحاجة لإعادة نظر، فالمصاب بالتوحد في البحرين يشخص في سن الثالثة عن طريق تحليل للدم وقد يطول ذلك لإنتظاره الدور، في المقابل يتم تشخيص الحالة في أوروبا في الشهر الثامن ويشرع في تأهيله في سن الثانية أو الثالثة.

عموماً الخدمات دون الطموح، ونسعى في الجمعية بالتعاون مع المؤسسات المعنية والمجتمع للوصول لمستوى يتناسب مع احتياجات المتوحدين.

هل من كلمة أخيرة؟

نعم، أود أن أوجه رسالة لأولياء أمور المتوحدين لا تخجلوا من ابنكم المتوحد، ولا تعزلوه في المنزل - للأسف هذا حال بعض أولياء الأمور الذين يخشون من ردة فعل المجتمع- ، وللمجتمع نحن وأبناؤنا المتوحدين جزء منكم فلنأخذ بيدهم جميعاً ونتحملهم.

العدد 4981 - الثلثاء 26 أبريل 2016م الموافق 19 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً